الاثنين، 1 أكتوبر 2012

في الحاجة الى ابستمولوجيا العلوم


في الحاجة إلى   ابستمولوجيا العلوم  ( مهداة إلى  الأستاذ علال سي ناصر)
                            بقلم الأستاذ بوعزة ساهل – باحث في فلسفة العلوم- الدار البيضاء


   "إن تاريخ العلم ليس مجرد ذاكرة للعلم  ، بل  هو عبارة عن مختبر ابستمولوجي"
                                                                      
 بمناسبة صدور مؤلف  "من  الخوارزمي إلى  ديكارت" – بحث في تاريخ  الرياضيات  في المرحلة الكلاسيكية  للدكتور  رشدي راشد  المختص في تاريخ العلوم العربية، احتضنت  كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم 16-يونيو – 2012 يوما دراسيا  حول الكتاب الجديد،  ساهم فيه مجموعة من  السادة الأساتذة  من بينهم الأستاذ الباحث محمد أبلاغ . وكانت  مساهمة أبلاغ  عبارة عن  عرض  بعنوان "في الحاجة إلى  تاريخ العلوم " نشر بجريدة  الأحداث المغربية يوم الجمعة  13 يوليوز( العدد 4715).
  ربط الأستاذ الباحث  ثورات الربيع العربية  بتجديد الفكر  العربي   الذي  طالب بتجديده  مجموعة من المتنورين كمحمد عابد الجابري ومحمد أركون  وآخرين ، ولم يربط الأستاذ هذه الثورات  الربيعية  بالثورات العلمية  العربية إن كانت هناك ثورات  كما حدث في  تاريخ العلوم الأوربية الحديثة منها والمعاصرة بدءا من ثورة كوبرنيك في علم الفلك  الذي قطع  مع كوسموس أرسطو وكوسموس  بطليموس.
 كان من المفروض  في اليوم الدراسي  المعلن أن يقوم السادة الأساتذة بقراءة  معاصرة للكتاب المذكور ( بل في مشروع الدكتور رشدي راشد ) بدل تقديمه فقط . ونقصد بالقراءة  ، قراءة   معاصرة. كيف نمت وتطورت الرياضيات العربية  بدءا من الخوارزمي مرورا بالكرخي   والسموأل المغربي و   عمر الخيام ونصير الدين الطوسي  وغيرهم من علماء العرب في الرياضيات في العصر الوسيط .ونقصد بها( القراءة )  كيف تقدمت وتطورت تلك العلوم ؟ هل   على شكل اتصال  أم انفصال ؟ أي على شكل  قطائع  أم على شكل تراكمات؟. وهل حل  العرب   بعض ألأزمات  في العلم إن كانت هناك أزمات  ودحضوا  فرضات علمية على غرار  كوبرنيك الذي دحض فرضية مركزية الأرض و أحدث قطيعة أبستمولوجية في تاريخ  علم الفلك .
 فجل العروض  التي ساهم بها   الأساتذة  كانت عبارة  عن تقديم للكتاب  ، يطغى علية   التمجيد  والمدح والتبجيل إلى حد القداسة عند  البعض .
 يقول الأستاذ  أبلاغ  في عرضه  "إن  الدكتور رشدي راشد  وضع  الرياضيات في المرحل  العربية  - الإسلامية  من تاريخ العلوم في  مجاله الطبيعي أي الرياضيات الكلاسيكية متعلقة بتاريخ العلوم.   وهو ما يسمح  لنا باستدراك  النقص  الذي  كانت تعاني  منه الدراسات  الفيلولوجية و الدراسات النصية وكذلك الدراسات الفلسفية وسوسيولوجية المعرفة العلمية". لكن لم يقف الأستاذ أبلاغ على النقص  الذي  تعاني منه  دراسات  رشدي راشد المتعلقة بالدراسات الإبستمولوجية سواء في الرياضيات أو في  العلوم العربية الأخرى رغم أن رشدي  تناول  موضوع  تاريخ العلوم  بين الإبستمولوجيا والتاريخ كما جاء في مقدمة الكتاب أوفي موضع آخر ( بكتاب في تاريخ العلوم-دراسات  فلسفية  . تعريب حاتم الزعل . بيت الحكمة . قرطاج . تونس     ) .
 فرشدي راشد  لم يوظف  إجرائيا ما جاءت به الإبستمولوجيا  المعاصرة ، سواء  الفرانكوفونيا منها التي  كان يتزعمها   باشلار و ا.  كويري و بلانشي أو الإبستمولوجيا الأنغلوسكسونيا  التي من روادها  كارل بوبر صاحب مبدأ التكذيب بدل  مبدأ التحقيق التي نادى به   رواد حلقة فيينا . وبالتالي لم  يقم  محمد أبلاغ  بقراءة معاصرة للكتاب،  ولم يربط   تاريخ العلوم بالمبحث الإببستمولوجي  لأن  هناك علاقة جدلية  بين تاريخ العلوم و ابستمولوجيته. فتاريخ العلوم  بدون ابستمولوجيا خواء كما يقول لاكاتوش .
 وبالتالي إن كتابة تاريخ العلوم  لدى رشدي راشد أصبحت متجاوزة لماذا؟ لأنه يومن  بالاستمرارية أي أن العلوم لديه  لها أسلاف ( تراكمية  )، ولم يقف عند  القطائع الإبستمولوجية التي من  سمات   التأريخ للعلوم. فتاريخ العلوم هو عبارة عن  قطائع  و انفصالات  وتصحيح الأخطاء في العلم (باشلار ) . أو كما يقول كار ل بوبر هو عبارة عن سلسلة  من الفروض  العلمية، كل فرض يدحض  سابقه والبقاء للأصلح .
    ففي  حوار  دار بين الدكتورين  الجابري وعبد الإله بلقزيز حول "نقد العقل العربي العلمي، اقترح الجابري  أن يقوم  رشدي راشد  بهذه المهمة(بقراءة نقدية معاصرة  للعقل العربي العلمي)، وقد اعترض   بلقزيز على هذا  الاقتراح لأن رشدي  ليس  على صلة بأدوات التحليل الإبستمولوجي ، ونحن نتفق معه من خلال قراءتنا لجل مؤلفاته العلمية - نشر  هذا الحوار  بين   الجابري وبلقزيز بجريدة الاتحاد الاشتراكي مباشرة  بعد رحيل الجابري رحمه الله تحت عنوان  "حفيد ابن رشد بين  رحلة العقل والوحي-( المقال لبلقزيز) .
 وفي هذا السياق، وقبل رحيل  صاحب  نحن والتراث، كنا بصدد  القيام  باللمسات الأخيرة     لإتمام بحث في الموضوع  ، وهو عبارة عن  مدخل لقراءة معاصرة  في تراثنا العربي العلمي، وهو الآن قيد التقييم  من طرف مركز دراسات الوحدة العربية  خرجنا منه  بنتيجة مؤلمة ، هو أن  العلوم العربية في جميع مراحلها  تراكمية ، تأسست على الاتصال بدل القطائع (بما فيها   علم البصريات عند الحسن بن الهيثم ) بخلاف   ما حدث في تاريخ العلوم الأوربية الحديثة والمعاصرة  بدءا من ثورة كوبرنيك في  علم الفلك  مرورا بثورة جاليلي في علم الفيزياء وثورة لافوازييه  في علم الكيمياء وبثورة ليبنتز وفريجه وب. رسل في المنطق وصولا إلى  الثورات العلمية المعاصرة كثورة  ريمان ولوباتشوفسكي في علم الهندسة وثورة ماكس بلانك في العالم الميكروسكوبي ...
 فرشدي راشد لم يساير   التطور العلمي المعاصر ، وبقي  غير منسجم مع القيم الإبستمولوجية التي أفرزتها تلك الثورات بل بقي  كلاسيكيا في  تأريخه للعلوم . بل نقول إنه   محقق للنصوص وموثق أكثر مما هو مؤرخ  للعلوم . فالمؤرخ عموما  يتأثر  بثقافة عصره في كتاباته التأريخية ، فبالأمس تأثر بمفهوم التطور، وتأثر اليوم  بمفهوم القطيعة. تأثر  في مرحلة ما بالدعائم وبالركائز التي بني عليها العلم الحديث  المؤسس على  مبدأ الحتمية ومبدأ اليقين ومبدأ  المكان المطلق والزمان المطلق والحقيقة المطلقة، والمكان الاقليدي ومطابقة الفكر بالواقع ... لكن مع الثورات العلمية المعاصر بدءا من ثورة ريمان  ولوباتشوفسكي في علم الهندسة والثورة التي أحدثها فريجة وب . رسل ووايتهد  في علم المنطق  ، ثم ثورة اينشتين صاحب نظرية النسبية الخاصة والعامة ، وثورة ماكس بلانك في عالم الذرة ،ظهرت قيم ابستمولوجية جديدة  فرضت على المؤرخ أن يغير  بدوره جلده ويخرج من حتميته ويقينه مما يتطلب إعادة النظر في منطلقاته في كتاباته التأريخية ،ويعانق  مفاهيم جديدة كمبدأ  اللاحمية واللايقين ومفهوم النسبي و  والزمكان والانفصال والقطيعة الإبستمولوجية.. 
                            مع تحياتنا للباحث الجاد محمد أبلاغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاثنين، 1 أكتوبر 2012

في الحاجة الى ابستمولوجيا العلوم


في الحاجة إلى   ابستمولوجيا العلوم  ( مهداة إلى  الأستاذ علال سي ناصر)
                            بقلم الأستاذ بوعزة ساهل – باحث في فلسفة العلوم- الدار البيضاء


   "إن تاريخ العلم ليس مجرد ذاكرة للعلم  ، بل  هو عبارة عن مختبر ابستمولوجي"
                                                                      
 بمناسبة صدور مؤلف  "من  الخوارزمي إلى  ديكارت" – بحث في تاريخ  الرياضيات  في المرحلة الكلاسيكية  للدكتور  رشدي راشد  المختص في تاريخ العلوم العربية، احتضنت  كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم 16-يونيو – 2012 يوما دراسيا  حول الكتاب الجديد،  ساهم فيه مجموعة من  السادة الأساتذة  من بينهم الأستاذ الباحث محمد أبلاغ . وكانت  مساهمة أبلاغ  عبارة عن  عرض  بعنوان "في الحاجة إلى  تاريخ العلوم " نشر بجريدة  الأحداث المغربية يوم الجمعة  13 يوليوز( العدد 4715).
  ربط الأستاذ الباحث  ثورات الربيع العربية  بتجديد الفكر  العربي   الذي  طالب بتجديده  مجموعة من المتنورين كمحمد عابد الجابري ومحمد أركون  وآخرين ، ولم يربط الأستاذ هذه الثورات  الربيعية  بالثورات العلمية  العربية إن كانت هناك ثورات  كما حدث في  تاريخ العلوم الأوربية الحديثة منها والمعاصرة بدءا من ثورة كوبرنيك في علم الفلك  الذي قطع  مع كوسموس أرسطو وكوسموس  بطليموس.
 كان من المفروض  في اليوم الدراسي  المعلن أن يقوم السادة الأساتذة بقراءة  معاصرة للكتاب المذكور ( بل في مشروع الدكتور رشدي راشد ) بدل تقديمه فقط . ونقصد بالقراءة  ، قراءة   معاصرة. كيف نمت وتطورت الرياضيات العربية  بدءا من الخوارزمي مرورا بالكرخي   والسموأل المغربي و   عمر الخيام ونصير الدين الطوسي  وغيرهم من علماء العرب في الرياضيات في العصر الوسيط .ونقصد بها( القراءة )  كيف تقدمت وتطورت تلك العلوم ؟ هل   على شكل اتصال  أم انفصال ؟ أي على شكل  قطائع  أم على شكل تراكمات؟. وهل حل  العرب   بعض ألأزمات  في العلم إن كانت هناك أزمات  ودحضوا  فرضات علمية على غرار  كوبرنيك الذي دحض فرضية مركزية الأرض و أحدث قطيعة أبستمولوجية في تاريخ  علم الفلك .
 فجل العروض  التي ساهم بها   الأساتذة  كانت عبارة  عن تقديم للكتاب  ، يطغى علية   التمجيد  والمدح والتبجيل إلى حد القداسة عند  البعض .
 يقول الأستاذ  أبلاغ  في عرضه  "إن  الدكتور رشدي راشد  وضع  الرياضيات في المرحل  العربية  - الإسلامية  من تاريخ العلوم في  مجاله الطبيعي أي الرياضيات الكلاسيكية متعلقة بتاريخ العلوم.   وهو ما يسمح  لنا باستدراك  النقص  الذي  كانت تعاني  منه الدراسات  الفيلولوجية و الدراسات النصية وكذلك الدراسات الفلسفية وسوسيولوجية المعرفة العلمية". لكن لم يقف الأستاذ أبلاغ على النقص  الذي  تعاني منه  دراسات  رشدي راشد المتعلقة بالدراسات الإبستمولوجية سواء في الرياضيات أو في  العلوم العربية الأخرى رغم أن رشدي  تناول  موضوع  تاريخ العلوم  بين الإبستمولوجيا والتاريخ كما جاء في مقدمة الكتاب أوفي موضع آخر ( بكتاب في تاريخ العلوم-دراسات  فلسفية  . تعريب حاتم الزعل . بيت الحكمة . قرطاج . تونس     ) .
 فرشدي راشد  لم يوظف  إجرائيا ما جاءت به الإبستمولوجيا  المعاصرة ، سواء  الفرانكوفونيا منها التي  كان يتزعمها   باشلار و ا.  كويري و بلانشي أو الإبستمولوجيا الأنغلوسكسونيا  التي من روادها  كارل بوبر صاحب مبدأ التكذيب بدل  مبدأ التحقيق التي نادى به   رواد حلقة فيينا . وبالتالي لم  يقم  محمد أبلاغ  بقراءة معاصرة للكتاب،  ولم يربط   تاريخ العلوم بالمبحث الإببستمولوجي  لأن  هناك علاقة جدلية  بين تاريخ العلوم و ابستمولوجيته. فتاريخ العلوم  بدون ابستمولوجيا خواء كما يقول لاكاتوش .
 وبالتالي إن كتابة تاريخ العلوم  لدى رشدي راشد أصبحت متجاوزة لماذا؟ لأنه يومن  بالاستمرارية أي أن العلوم لديه  لها أسلاف ( تراكمية  )، ولم يقف عند  القطائع الإبستمولوجية التي من  سمات   التأريخ للعلوم. فتاريخ العلوم هو عبارة عن  قطائع  و انفصالات  وتصحيح الأخطاء في العلم (باشلار ) . أو كما يقول كار ل بوبر هو عبارة عن سلسلة  من الفروض  العلمية، كل فرض يدحض  سابقه والبقاء للأصلح .
    ففي  حوار  دار بين الدكتورين  الجابري وعبد الإله بلقزيز حول "نقد العقل العربي العلمي، اقترح الجابري  أن يقوم  رشدي راشد  بهذه المهمة(بقراءة نقدية معاصرة  للعقل العربي العلمي)، وقد اعترض   بلقزيز على هذا  الاقتراح لأن رشدي  ليس  على صلة بأدوات التحليل الإبستمولوجي ، ونحن نتفق معه من خلال قراءتنا لجل مؤلفاته العلمية - نشر  هذا الحوار  بين   الجابري وبلقزيز بجريدة الاتحاد الاشتراكي مباشرة  بعد رحيل الجابري رحمه الله تحت عنوان  "حفيد ابن رشد بين  رحلة العقل والوحي-( المقال لبلقزيز) .
 وفي هذا السياق، وقبل رحيل  صاحب  نحن والتراث، كنا بصدد  القيام  باللمسات الأخيرة     لإتمام بحث في الموضوع  ، وهو عبارة عن  مدخل لقراءة معاصرة  في تراثنا العربي العلمي، وهو الآن قيد التقييم  من طرف مركز دراسات الوحدة العربية  خرجنا منه  بنتيجة مؤلمة ، هو أن  العلوم العربية في جميع مراحلها  تراكمية ، تأسست على الاتصال بدل القطائع (بما فيها   علم البصريات عند الحسن بن الهيثم ) بخلاف   ما حدث في تاريخ العلوم الأوربية الحديثة والمعاصرة  بدءا من ثورة كوبرنيك في  علم الفلك  مرورا بثورة جاليلي في علم الفيزياء وثورة لافوازييه  في علم الكيمياء وبثورة ليبنتز وفريجه وب. رسل في المنطق وصولا إلى  الثورات العلمية المعاصرة كثورة  ريمان ولوباتشوفسكي في علم الهندسة وثورة ماكس بلانك في العالم الميكروسكوبي ...
 فرشدي راشد لم يساير   التطور العلمي المعاصر ، وبقي  غير منسجم مع القيم الإبستمولوجية التي أفرزتها تلك الثورات بل بقي  كلاسيكيا في  تأريخه للعلوم . بل نقول إنه   محقق للنصوص وموثق أكثر مما هو مؤرخ  للعلوم . فالمؤرخ عموما  يتأثر  بثقافة عصره في كتاباته التأريخية ، فبالأمس تأثر بمفهوم التطور، وتأثر اليوم  بمفهوم القطيعة. تأثر  في مرحلة ما بالدعائم وبالركائز التي بني عليها العلم الحديث  المؤسس على  مبدأ الحتمية ومبدأ اليقين ومبدأ  المكان المطلق والزمان المطلق والحقيقة المطلقة، والمكان الاقليدي ومطابقة الفكر بالواقع ... لكن مع الثورات العلمية المعاصر بدءا من ثورة ريمان  ولوباتشوفسكي في علم الهندسة والثورة التي أحدثها فريجة وب . رسل ووايتهد  في علم المنطق  ، ثم ثورة اينشتين صاحب نظرية النسبية الخاصة والعامة ، وثورة ماكس بلانك في عالم الذرة ،ظهرت قيم ابستمولوجية جديدة  فرضت على المؤرخ أن يغير  بدوره جلده ويخرج من حتميته ويقينه مما يتطلب إعادة النظر في منطلقاته في كتاباته التأريخية ،ويعانق  مفاهيم جديدة كمبدأ  اللاحمية واللايقين ومفهوم النسبي و  والزمكان والانفصال والقطيعة الإبستمولوجية.. 
                            مع تحياتنا للباحث الجاد محمد أبلاغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق