الجمعة، 20 يوليو 2012

أوراق فلسفية


مقالات فلسفية


المقالة الأولى :  ما أصول الفلسفة ؟ما حدودها؟
                                           ذ.بوعزة ساهل =باحث بالدار  البيضاء

                 ما أصول الفلسفة ؟ وما حدودها ؟ أسئلة طرحها إميل برهييه في كتابه تاريخ الفلسفة    (1)    ونحن نطرح معه أسئلة لها علاقة بالموضوع . متى ظهرت ؟ وأين ظهرت ؟ وما هي الظروف المساعدة لظهورها ؟
   يرى إميل برهييه  أن  مسألة الأصول تبقى  بلا حل  محدد رغم أن  فكرة أرسطو وأتباعه القائلة بأن  أول من تفلسف  هو طاليس . لكن  مؤرخين آخرين أرجعوا  بالأصول إلى ما قبل ذلك(2) :   إلى حضارات كانت مجاورة  للحضارات اليونانية المتعاقبة   مثل  حضارة الهند وحضارة  الفرس وحضارة  الصين  ومصر الفرعونية  وبلاد ما بين النهرين .كان تماس واتصال  متبادلين  بين هذه الحضارات  وحضارة  الإغريق القديمة .
  يقول  كوربان :  إن اللاهوت النظري لأفلاطون  يعد  امتدادا  لمذهب زرادشت (3). أما كونفوشيوس حكيم الصين فهو  يعطينا  تصور الإله الصانع  الذي نجده لدى أفلاطون  في طيماوس وفي النصوص الهرمسية  مقابل الإله المتعالي .
  إما مسألة الحدود : حدود الفلسفة ’ فهي مرتبطة بالأصول وبالحضارات التي كانت لها علاقة  بحضارة الإغريق ’ وبالنسبة إلى زمان ومكان  ظهورها ( الفلسفة )’ يعتبر مؤرخو الفلسفة أن جزر أيونيا ’ وبالضبط  مدينة مالطية  هو المكان  الذي  ناقش فيه  العقل الأسطورة  وأشعار  هوميروس ودور الآلهة  الأولمبية  وعلاقتها بالإنسان  في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. كانت البداية مع طاليس  ساعد على ذلك   عدة عوامل  داخلية وخارجية  نذكر  منها ما يلي :
  نشير أن  جميع الحضارات  التي كانت  مجاورة  للحضارة اليونانية  مرت  بالفكر الأسطوري وبالفكر الديني  قبل الفكر العلمي والفلسفي ( لا فلسفة بدون  علم ). فحضارة  اليونان :  حضارة السكان الأصليين  والآخيين والدوريين  تدخل ضمن  تعاقب هذه المراحل  التاريخية والفكرية  بدءا من  النشكونيات مرورا    بلاهوت الشعراء :  هوميروس وهوزيود  . فاليونان   بنت الحضارات  اليونانية القديمة :حضارة تساليا (4) وحضارة كريت (5) وحضارة  الكليلاديس  الميكنية (1600_ 1150)قبل الميلاد (6) :حضارات كانت ملازمة  للحضارات الشرقية  من سومرية وكلدانية و مصرية فرعونية . وكانت  لهذه الحضارات جذور تضرب في أعماق التاريخ مع  الحضارات المتعاقبة  لليونان . تدخل هذه العلاقات في إطار  التبادل التجاري  وفي إطار الحروب بين الدول  وكذلك في إطار  التقارب  بين الحضارات والشعوب  والاحتكاك بالأخر والاستفادة من  تقاليده وتجاربه  من فن و معمار و وديانة . ولقد مرت  حضارة اليونان  والحضارات المجاورة  بعدة مراحل أهمها :
 المرحلة الأولى :مرحلة  العلاقة المصرية الكريتية
 وهي مرحلة بدأ فيها  انفصال بشري  من أهل  الدلتا  والنيل  وذلك حوالي 2000 ق. م نظرا إلى  وصول مهاجرين  من الدلتا  إلى كريت  فرارا من  خوف وبطش  الملك  مينا(نارمر) موحد القطرين  (7).
 ومن مظاهر هذه المرحلة
_ وجود  أشكال جبرية  في كريت  تشبه أشكالا  معينة  في الحضارة المصرية  القديمة : شكل تماثيل  صغيرة تضع  أيديها  على صدرها  يقول عنها Storter :ما أشبه هذه الأشياء  بتماثيل  الأو شابتي  المصرية (8).
- ظهور  التأثير المصري  القديم  على  شكل أقدم كتابة  عرفها  أهل كريت  القدامى  تلك الكتابة  التي اكتشفها  الأثري  ايفنز Evans  باسم الكتابة  الخطية  الأولى  LinearA. وهي كتابة  تأخذ   علامتها أشكال  الصور التي تشبه  الكتابة المصرية  القديمة
  الهيروغليفية (9).
- في 1980  أعلن الأثري  اليوناني  ساكيلاراكيس عن كشف ظاهرة تقديم القرابين الآدميين في المعابد كما كانت  تقام  قديما في  حضارات الشرق القديمة(10)
- وجود عمال مهرة  ساهموا غي بناء   قصر تيه أخر فوق الأراضي المصرية  لحساب  أحد الفراعنة (عمال كريتيون)مما يدل على وصول  يونانيين  إلى مصر القديمة .
  فالحضارة اليونانية  هي حضارة جاءت  كتتويج  واختزال  لحضارات  سابقة   عن هوميروس وهوزيود (القرنين التاسع والسابع على التوالي قبل الميلاد) وتلتها حضارات ظهرت بعد توحيد  وتأسيس المدن (الدول).

المرحلة الثانية : مرحلة غزو قمبيز لمصر
  هي مرحلة تؤرخ  لاجتياح  قمبيز  ملك الفرس  لمصر  عام 525 ق,م,وتؤرخ كذلك لازدهار  وجود  العنصر اليوناني  داخل مصر . من أهم  مظاهر تلك المرحلة إلغاء  قيود الهجرة  على اليونانيين  وفتح  أبواب مصر  على مصراعيها  للبحث والتنقيب  عن المعرفة .
المرحلة الثالثة : غزو الأسكندر المقدوني لمصر
ما يميز هذه المرحلة  هو نقل  الثقافة اليونانية : فلسفة وعلوم وآداب  إلى بلاد الشرق  ومزجها  بفكر العهد القديم وبالتصوف الشرقي ’ وتعرف اليونانيون على خزانة  الفراعنة  وعلى نظام أسرار كهنة  مصر’  وعلى  حكمتهم و فكرهم العلمي  والغنوصي .(11)
بعض العوامل الداخلية والخارجية  لظهور الفلسفة باليونان
  فمنذ القرن الحادي عشر  قبل الميلاد بدأ يظهر  تحول جديد  في المجتمع اليوناني :      
 إقامة مجتمع  عبودي وهو ما يشبه بانقلاب  اجتماعي في العلاقات  البطريقية’ ظهرت معه ظروف اقتصادية في الإنتاج المادي (12) . هذه الحركية  الاقتصادية  والتجارية  ظهرت معها قيم استهلاكية  جديدة  وقيم جديدة في المعاملات  كصك النقود  والتعامل بالفوائد ودخول التاجر  كوسيط(13) .
  أما في القرنين الثامن والسابع  قبل الميلاد  فقد اكتسبت  تلك العمليات  وتلك القيم  طابعا  سريعا بفضل  صك العملة  والانفتاح على العلم الخارجي  أدى بذلك إلى  فصل  العمل  الذهني عن العمل اليدوي وظهور نخبة مثقفة  واعية في وسط مالكي العبيد  وهو ما يميز  بداية  نشوء الفكر العلمي والفلسفي  في اليونان  في القرن السادس قبلا الميلاد  في جزر أيونيا  وخصوصا في مدينة مالطية  ومن رواد تلك المدرسة طاليس وانكماندرس وانكسمانس(الماديون الأوائل ).
خلاصة
كانت عدة عوامل  داخلية وخارجية  بجانب الموروث الثقافي  اليوناني  القديم أدت إلى  بداية الفصل بين  العمل الذهني عن العمل اليدوي  بعد ظهور المدينة (الدولة). بعد أن بدأ  العقل  LOGOS  يتحرر من الأوهام وأصبح يناقش في اللاغورا LAGORA مواضيع  سياسية بطرق ديمقراطية ’ ويناقش أبطال  الأسطورة  وشعر هوميروس . تلك هي بعض السمات والعوامل لظهور الفلسفة في جزر أيوننا .


هوامش
(1)إميل برهييه . تاريخ الفلسفة .  ج1  ترجمة جورج طرابيشي . دار الطليعة  بيروت  1 ط7  1987 ص6   ً
(2) ن م  ص 7
(3) مصطفى النشار. فكرة الألوهية  عند أفلاطون .  مكتبة  أنغلو المصرية  ص20 -21
(4) إقليم  (محافظة) ببلاد الإغريق القديمة
(5) الحضارة الكريتية – المينوية : نسبة إلى الملك  مينوس  أول ملوك كريت وصاحب قصر التيه  ووالد أريان التي أحبت  تيسيوس THESEE(الأسطورة )
(6) أزهي حضارة  عرفها اليونان القديمة . نسبة إلى ملوك كريت(حضارة بحر ايجة )  
(7) يعتبر  ملك نارمر(مينا)موحد القطرين ومن مؤسسي الأسرة الفرعونية          
(8)  إبراهيم  السعداني . الحضارة  الهللينية . ج1 1998
(9) ن. م  ص. 163
(10) (11)  الحضارة المسينية  نسبة إلى الملك مسيني(1600 – 1900 ) من أهم مدنها مدينة طروادة
(11)مصطفى النشار  . فكرة الإلوهية. مصدر سابق . ص 33
(12) طيب تيزني .  رؤية جديدة.  دار دمشق .ط5 .  ص46  وما بعدها
(13) ن. م.  ونفس الصفحة







  

المقالة الثانية : أنكسمانس  وتأثيره على المدرسة  الفيتا غورية
                                                       ذ. بوعزة ساهل=باحث بالدار البيضاء

   عندما نتحدث عن المدرسة الأيونية ’ نتحدث عن روادها وعن أسئلتهم الكبرى حول أصل الوجود ’ وهي بداية  إنتاج العقل للفكر الحر.
 لكن قبل إن يبدع العقل وينتج فكرا حرا كان عليه إن يحارب الأوهام  والتقاليد الموروثة عن السلف ’ كان عليه أن يتمرد على  سلطة القدامى :  سلطة هوميروس  وهوزيود وافروديت وسخط أوزريس وهيرا وأبولو وافروديت وبوسدون (اله البحر) ’ كان عليه أن يتحرر من هذا كله .
 كانت بداية  هذا التحرر من الأساطير وأوهام القدامى  مع ظهور المدينة (الدولة) بدأ فيها العقل logos  يناقش  قضاياه الأساسية  في اللاغورا lagora في القرن السابع قبل الميلاد مما مهد الطريق إلى  أسئلة كبرى  طرحها رواد المدرسة الأيونية (الطبيعيون الأوائل) وهم على التوالي : طاليس وانكماندرس ثم انكمانس.
يعد طاليس من مؤسسي  أقدم مدرسة فلسفية وعلمية في جزر أيونيا (ionie)), ولد حوالي 643 قبل الميلاد’ وتوفي  حوالي 550 ق.م.  كان رياضيا وفلكيا  ’من أهم  القضايا الفلسفية التي طرحها  هو ما أصل الوجود؟ وافترض في جوابه أن الهيولى الأولى لهذا الوجود هو الماء .
 ويعطي أرسطو  تفسيرا طبيعيا لهذا الافتراض  هو أن  طاليس استشهد  في رأية بملاحظاته ومعاينته للأشياء الرطبة’ ولاحظ في الجزر الأيونية  أن النبات والحيوان والإنسان  في حاجة  دوما إلى  الماء ’  ولا يمكن إن تستمر  الحياة بدونه.
 أما  أنكسماندرس  فقد ازداد حوالي  610ق,م  وكان  لازال على قيد الحياة في عام 546 ق.م. سؤاله الفلسفي  هو ما  الهيولى  الأولى التي  منها  جبلت  الأشياء ؟ فكان جوابه هو  اللامتناهي- الأبرون  بخلاف انكسمانس  الذي رد أصل الوجود إلى الهواء بتكثفه و وتخلخله . إلا  أن انكسمانس  لم يهتم بأصل الوجود  فقط ’ بل  اهتم  كذلك  بتنظيمها .
يرى  كولنفورد أن انكسمانس  قد خطا خطوة  إلى  الأمام  ابتعد فيها  في تفكيره عن   معاصريه (طاليس وانكسماندرس) واتجه إلى علم يمثل علم الفيزياء  ولم يكن قد عرف بعد. فهو تبعا  لتصور  الأيونيين  لا ينتمي إلى  المدرسة الأيونية  ولكنه يعد  همزة وصل  بينها وبين المدرسة الفيتاغورية. فهو لم يعد يهتم بالسؤال ما الشيء الذي صنعت منه كل الأشياء  فقط  وهو السؤال الأساسي  عند طاليس وعند انكسماندرس ’ بل أصبح السؤال عنده مغايرا :  لماذا تسلك الأنواع المختلفة من الأشياء سلوكا مختلفا؟ وهو نفس السؤال الذي واجهته الفيزياء لاحقا(1) وكان جوابه  أن الشيء الذي  صنعت منه الأشياء يتعرض  لتنظيمات مختلفة في المكان(2) وهو الانتقال من  تصور  الجوهر إلى تصور التنظيم .تصور  المادة إلى تصور شكلها وتنظيمها  في الطبيعة.
يقول  عنه . رسل : كان أعلى منزلة من القدماء’ ولقد كان له أثر هام في فيتاغوس                                   كما كان له التأثير في جانب كبير من التفكير الفلسفي الذي ظهر بعد ذلك وبالذات في الذريين. (3)
إذا كان انكسمانس يعد همزة وصل بين  المدرسة الأيونية والمدرسة الفيتاغورية  فما هي  مظاهر تفكيره في فكر فيتاغورس معلم ساموس  وأتباعه’ وفي أفلاطون صاحب نظرية  عالم المثل  ؟
كانت المدرسة الأيونية  شغلها  الشاغل في أول الأمر  هو إرجاع  شتات الظواهر  الطبيعية  إلى مبدأ واحد  أو إلى بعض المبادئ  يمكن من خلالها تفسير  ما يجري في  الطبيعة  لكن بجانب البحث عن اصل الأشياء  بدأ  البحث  كذلك  عن تنظيم الأشياء كما كان الشأن عند انكسمانس . أما فيتاغورس  فتصوره حول نشأة  العالم  فهو ينطلق  من اكتشافه عن إمكان   وجود علاقة بين  الموجودات الطبيعية والأشكال الهندسية.  
 إن اختلاف الإشكال في الطبيعة  من حيث الكيف  يرجع إلى الاختلافات في التكوين الهندسي . وبهذا الطرح  ’ يقفز على البحث عن نوع المادة الأولى للأشياء . ويصل تحديد علاقة الشكل (الصورة) بالهندسة (بالرياضيات ).
فطبيعة الأشياء لم تعد ترجع إلى تحديد جوهرها ’ بل إلى شكلها الهندسي  عند فيتاغورس . فالعلم الطبيعي عند الفيتاغورين يفسر سلوك الأشياء بالرجوع بها  إلى صورتها وليس إلى  مادتها  بل  إلى شكلها  الهندسي والرياضي . فالموجودات عند الفيتاغوريين لها شكل أو هيئة  وهذه النقطة بالذات أصبحت تدل عند أفلاطون على المثال   وعند أرسطو على الصورة (4)
 فالفيتاغورية كان لها الفضل في  ابتداع  مفهوم المثال  واستعماله من قبل أفلاطون . لقد انصرف الفيتاغوريون  عن البحث في المادة التي تتكون منها الأشياء  وانتبهوا  إلى أن العدد والشكل الهندسي  هو حقيقة الأشياء  وكان لتفسيرهم الرياضي  أثر كبير  في فكر أفلاطون (5).
إذا كان الأوائل قالوا برد الكثرة إلى الوحدة  والى مبدأ ثابت ’ فان هيراقليطس قال  بالتغير والسيلان(الصيرورة) .  وهناك من قال  إن الإنسان هو  مقياس كل شيء  (السوفسطائيون). أما سقراط فقد قال إذا كان هناك تغير في الأشياء فانه في عالم الكون والفساد أي في عالم الحس.  أما في عالم  المعقول ’ فهناك أمور ثابتة أو ماهيات (يقصد ة بها القيم الأخلاقية) . فالخير خير  في كل مكان  وفي كل زمان  ولدى جميع الناس والشر كذلك.(6)
ويأتي أفلاطون ليوسع هذه الأفكار  ويتعمق فيها ويضيف إليها طابعا نسقيا  وتتجلى   نسقيته في  نظرية عالم المثل .  فما هي المثل؟ وما هي نظرية المثل؟ (سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في المقالة  الموالية ).
خلاصة
 انطلقنا من أسئلة فلاسفة المدرسة الأيونية :أسئلة  حول أصل الوجود . وكان جوابهم هو أن  أصل الوجود هو مادة  عبر عنها كل واحد منهم  برؤيته الخاصة للعالم  ولمعاينته للأشياء  . إلا  أن انكسمانس  أضاف قيمة جديدة  إلى فرضيات معاصريه . أضاف سؤالا  فيزيائيا (علميا ) :   كيف  تنظم الأشياء ؟ كيف تنظم الموجودات في الطبيعة  ؟ هذا التنظيم  للموجودات هو الذي  صوره فيتاغورس في قالب هندسي . فالأشياء منظمة في الطبيعة وفق  أشكال هندسية  وبالتاي لها تفسير رياضي وبكيفية تناسبية . فالعالم عدد ونغم وتناسب .
هوامش
                                                    (1)مصطفى النشار. فكرة الألوهية عند أفلاطون  ص46 
      (2)  ن.م. ص 46
(3) ن.م ص46
('4) ن.م. ص46
(5) ن.م.ص66
(-6) ن.م.ص107






                               

المقالة الثالثة :علاقة فيتاغورس بأفلاطون وبنظرية عالم المثل
                                                          ذ .بوعزة ساهل
 طرحنا  في  نهاية مقالة سابقة بعنوان أنكسمانس وتأثيره على المدرسة الفيتاغورية  ما هي المثل ؟ وما هي نظرية عالم المثل؟وما علاقة  فيتاغورس بأفلاطون؟
وقبل  محالة الإجابة عن هذه الأسئلة  نشير أن الغرب مازال يعتبر عقل أفلاطون عقلا مهذبا لعقل فيتاغورس . يقول وايتهد : إن الأهمية لمفكر  متفرد تعزى بعض الشيء  إلى المصادفة لأنها تعتمد على  مصير أفكار في  عقول تابعيه  ومن هذه الناحية  فان فيتاغورس  كان محظوظا . فتأملاته تصل إلينا من خلال عقل أفلاطون , فعالم المثل الأفلاطوني  يعد تهذيبا وصورة منقحة  لمبدأ فيتاغورس  في أن العدد يعد أساس العالم الحقيقي (1).
  فلنتوقف وقفة تأملية مع  أفلاطون ونظر يته في عالم المثل ونبدأ ب المثال .
فالمثال هو صورة الشيء الذي يمثل   صفاته  والقالب أو النموذج الذي  يقرر على مثله . ولفظ  ايدوس  أو ايديا  في اللغة اليونانية العادية كانت  تعني هيئة  أو شكل  أو طريقة , وغالبا  ما استعملت بمعنى  الشكل لدى  أفلاطون . وقد ظهرت الكلمة في فيدون بمعناها الفلسفي . فعندما يتحدث أفلاطون عن المثل أو الصور فهو يشير إلى المحتوى الموضوعي لها  مستندا إلى  تصوراتنا الكلية وفي تصوراتنا الكلية  تختزل تلك الجواهر التي  أطلق عليها أفلاطون  اسم المثل. وفي اللغة الانجليزية والفرنسية استعملت  بمعنى idea وtype. وفي اللغة العربية بمعنى الصورة وهي بعيدة عن الكلمة الأصلية اليونانية (2)
إما نظرية المثل فهي تعود  بالدرجة الأولى إلى فلسفات هيراقليطس وفيتاغورس وسقراط وبارميندس. فهيراقليطس قال بالتغير والسيلان الدائم(الصيرورة) وأن المعرفة  ممكنة وموجودة  لكن ليس في العالم  المحسوس ’ ذلك ما أخذه عنه أفلاطون (3). أما سقراط  فكان  يحاول الوصول  إلى تعريفات كلية ثابتة للتصورات  الأخلاقية  والطبيعية  وأضفى عليها  طابعا نسقيا (4) إما  الفيتاغورية فكان لها الفضل  في ابتداع  تصور واستعمال  كلمة المثل  من طرف أفلاطون ’ وانتهت  إلى أن العدد  والشكل الهندسي هما حقيقة الأشياء ’ وكان  لتفسير الفيتاغوريين  الرياضي أثر  عميق في فكر أفلاطون .
يؤكد كارل بوبر popper K.   انه لا يمكن  فهم نظرية المثل  فهما صحيحا إلا إذا فهمناها  في ضوء العلم الإغريقي  السائد آنذاك  وبالتالي العلم الفيتاغوري (5). وبالفعل  هناك علاقة بين  القضايا  الفلسفية والقضايا  العلمية ’ فكثير من  النظريات العلمية نجد  لهل جذور في الفلسفة وكثير من النظريات الفلسفية يكون أساسها علميا.
فأفلاطون في نظرية المثل رتب  مثله ترتيبا  منطقيا وميتافيزيقيا وكذلك هرميا  من القاعدة إلى القمة  وعلى رأس الهرم مثال الخير .وبجانب  المثل الأخلاقية والطبيعية  هناك مثل رياضية كالواحد والثنائية والتثليث والطول والعرض والعمق  . وهي مثل تعتبر بمثابة مثل وسطى بين المثل الحقيقية و المحسوسات (الأشباح ).
 وبالنسبة للأعداد المثالية يعد  الواحد على رأس قمة هذه الإعداد على غرار  مثال الخير . لكن ما علاقة الواحد  بمثال الخير ؟ وبالإله  الصانع  لدى أفلاطون ؟ ما علاقة  المثل  ببعضها  البعض؟ ولأي دور  للرياضيات في نظرية المثل؟  ما علاقة المثل بالعالم المحسوس؟
لقد قسم أفلاطون العالم إلى عالمين : العالم العلوي والعالم السفلي الأول عقلي والثاني فاسد ومحسوس . وفي العالم المعقول توجد مثل أفلاطون.وهي مثل ثابتة وأزلية. أما العالم السفلى  فما هو إلا  عالم الكون والفساد وعالم الأشباح الفانية .
ففي محاضرة لأفلاطون  بعنوان فكرة الخير نقلها أرسطو ؟؟؟؟؟؟؟ ين قيها الأشياء المحسوسة والمثل العقلية   والمتوسطات الرياضية  بل أضاف إلى هذه الأنواع الثلاثة للموجودات نوعا  رابعا  من الموجودات  تأتي بعد  الأعداد والمثل . وهذه الموجودات هي أقل في الدرجة من الأعداد المثالية وتتضمن ماهيتها :الامتداد كمثال  الخط المستقيم . وقد جعل  أفلاطون  لهذه الأطوال المثالية مبدأ مادي  هو صورة الكبير وصورة الصغير وبالنسبة للسطح نجد الضيق والعريض وبالسبة  إلى الحجم نجد  العميق والسطحي . وقد جعل أفلاطون أيضا لهذه الأطوال مبدآ الحجم (6).
  فحسب نظرية المثل الأفلاطونية نستطيع  تنظيم الوجود بدءا من الواحد بالإضافة الثنائية اليه.   فتتكون  مجموعة الأعداد المثالية التي تتضمن  الطول  والعرض والعمق التي توحد المثل الأفلاطونية (7). وبعد  هذه المثل تأتي المتوسطات الرياضية وهي مثل في مرتبة وسطى  بين المثل الحقيقية  والمحسوسات.
لقد أخذ أفلاطون عن  علم الفيزياء الفيتاغوري مفهوم الشكل أو الهيئة أو ما سماه ب  المثل . وأخذ  بنظرية الأعداد الفيتاغورية التقليدية سر الأعداد :الناقصة والزائدة والكاملة والمتحابة .بل  الأهم من ذلك هو انه ا تخذ بالمنهاج الرياضي  المبني  على  الفروض.
 ففي منهجه الرياضي(الصاعد والهابط) يوظف أفلاطون الرياضيات  كوسيلة للصعود إلى المثال المفترض  كمثال الخير  أو الجمال    لبناء معرفة حقيقية  وعلى اليقين بدل الظن  والأوهام
يعرف أفلاطون  منهج الجدل (الدياليكتيك) في الجمهورية بأنه المنهج الذي  يرتفع به من المحسوس إلى المعقول  والانتقال به من فكرة إلى أخرى  بواسطة  فكرة ثالثة أو من شرط إلى أخر اعلي.  فالمعرفة عند أفلاطون  تبنى بواسطة فروض ومنهج يهدف من خلاهما  في النهاية إلى تحقيق الخير(8)
وللجدل عند أفلاطون طريقتان :  طريق صاعد  ينطلق فيه من  الكثرة إلى الوحدة  المعقولة وطريق هابط  ينطلق فيه من الوحدة إلى الكثرة المحسوسة .
ففي منهجه يضع أفلاطون فرضا  أوليا هو وجود مثال معقول ثم يحاول أن يبرهن عليه وان يحكم عليه حكما عقليا عن طريق الصعود إليه. ودراسة الرياضيات لدى أفلاطون كانت وسيلة  لغاية ما والغاية هنا هي الصعود إلى مثال الخير . وبهذا المعنى كانت الرياضيات تدرس في الأكاديمية (9).
سؤالنا : ماذا أخذ العرب والمسلمون عن فيتتاغورس ؟ هل الرياضيات كمنهج وكوسيلة  لغاية ما ؟ أم  اخذوا عنه الرياضيات  البحثة  كمبرهنته  الشهيرة ؟ أم بسر الأعداد الفيتاغورية التقلييدية؟

هوامش
(1) مصطفى النشار . فكرة الألوهية عند أفلاطون   ص308
(2) ن. م  ص 308
(3) ن.م  ص 104 وما بعدها
(4) الجابري . العقل الأخلاقي العربي.المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1    ص308
(5)أميرة قطر  الفلسفة عند اليونان .ص169  عن مصطفى النشار  فكرة الإلوهية عند أفلاطون .مصدر سابق . ص107
(6)مصطفى النشار . فكرة الإلوهية . مصدر سابق ص126
(7) أميرة مطر . الفلسفة عند اليونان مصدر سابق ص169 
(8) مصطفى النشار  فكرة الإلوهية مصدر سابق ص124
(9) ألان نادو .   عبدة الصفر.   ص64





المقالة الخامسة :  قراءة في كتاب  نظرية العقل للدكتور جورج طرابيشي
  
                                                      ذ .بوعزة ساهل- مهداة لقراء  الدكتور                                                   
                                                                 محمد عابد الجابري .


مقدمة
         كقارئ ومتتبع  لمشروع محمد الجابري ’ سمحت لنفسي  بحكم هذه المتابعة  القيام بقراءة  في كتاب نظرية العقل لجورج طرابيشي لأن قارئ  الجابري  هو قارئ طرابيشي . ويعتبر الكتاب  بداية مشروع  لنقد نقد  العقل العربي  الذي  جاء ردا على  نقد العقل العربي .
    يعمد طرابيشي  إلى تفكيك  مجموعة من  الإشكالات طرحها الجابري  في مشروعه كإشكالية  العقل المكون (بكسرة الواو وتشديده) والعقل المكون (بفتح الواو وتشديده)  وإشكالية التفكير في العقل والتفكير بالعقل ’ وإشكالية  التصنيف الثلاثي  للأنظمة المعرفية : النظام البياني والنظام ألعرفاني ثم النظام ألبرهاني ’ وإشكالية   العقلانية المغربية  واللاعقلانية  المشرقية’ وإشكالية الضدية الابستمولوجية ما بين العقل  العربي  والعقل الغربي (اليوناني و الأوربي الحديث).
فجورج طرابيشي يتهم الجابري  بتشويه  لصورة المشارقة  كما شوها قبله هيغل لأن  المشارق في رأيهم لم يمارسوا التفكير  في العقل  ’ بل اكتفوا  بالتفكير بالعقل عكس المغاربة (الغرب الإسلامي) .
  ففي هذه القراءة  سنتوقف على  هذه الإشكالات  وعلى هذه الاتهامات مع استعراض  ما غيبه الجابري وما سكت عنه ’ وما  استحضره  جورج طرابيشي .
 فالكتاب   يتضمن  مقدمة  وخمسة  فصول وهي :
-         الفصل الأول  ويتناول نظرية العقل عند الجابري
-         الفصل الثاني ويتناول  التوظيف المركزي  ألاثني  لنظرية العقل
-         الفصل الثالث ويتناول  هجاء العقل العربي
-         الفصل الرابع ويتناول  تطور مفهوم العقل في الحداثة الأوربية
-         الفصل الخامس ويتناول  العقل والحداثة .
يقول طرابيشي  في تقديم الكتاب :  استغرق مني  الإعداد لهذا العمل  ثماني سنوات ’ فكان علي أن اقرأ كل ما قرأه الجابري ولا   كل  ما  قرأه  أو صرح أنه قرأه  فحسب ’ بل كذلك ما لم يصرح انه  قرأه   وما  كان يفترض انه قد قرأه.
وقف طرابيشي على  المفاهيم المركزية التي اشتغل عليها الجابري  خاصة مفهوم العقل . فالجابري   ليس   اول من  استعمل  هذا المفهوم’    ومع ذلك فالجابري  هو وحده الذي استأثر دون  من تقدمه بامتلاك حقوق  ملكية التعبير   وبامتياز تمثيل   العقل العربي  تحليلا  ونقدا وترويجا للمفهوم  بما هو كذلك في المجال التداولي  للثقافة  العربية المعاصرة (ص11) . وإذا كان الجابري  وحده سجل  وحفظ وامتلك حقوق التعبير عن العقل  العربي  بامتياز فان طرابيشي  اعترض على هذا السجل وهذا الحفظ وامتلاك هذه الحقوق  ’ واعتبر نفسه و وريثا  شرعيا  له الحق في  الطعن   في الحكم   بل مطالبة  استئناف الدعوة ومتابعة من شوه سمعة المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها  مع حضور الشهود والحجج القانونية والشرعية والتاريخية والفكرية ... مطالبا بحقوق المشار قة من بابليين  وكالدانيين و مصريين قدامى وصينيين و حتى الارمين والفرس .
فالجابري في التأسيس لمشروعه طرح عدة أسئلة في كتابه الأول للمشروع  أهمها : ما طبيعة العقل  العربي بوصفه أداة للتفكير ؟فكان  الجواب  عند لالاند في كتابه العقل والمعايير الصادر سنة 1948 الذي يميز فيه بين العقل  المكون(=العقل الفاعل والعقل السائد) إلا أن تعريف  العقل المكون  هو الملكة التي يستطيع بها كل إنسان من إدراك العلاقات لا وجود  لها  عند لالاند في كتابه  المذكور ولا في كتاباته إجمالا  وإنما هو تعريف لبول فوكييه مؤلف معجم اللغة الفلسفية وهو المسكوت عنه (ص14).
فالعقل  الذي يتكلم عنه لالاند  هو عقل توحيدي  عكس صاحب  نقد العقل العربي  الذي قسم الذي قسم العقل العربي الى  عقول : بياني وعرفاني وبرهاني . فهو بدل من ان يوحد هذه العقول  أقام حربا  ضروسا بينها .
 فكان   انتصار   العقل  ألبرهاني  ابستمولوجيا على العقلين البياني والعرفاني . وعلى المستوى الاديولوجي ’فكان انتصار العقل   السني  على العقل الشيعي ’  وجغرافيا انتصر العقل  بالمغرب والأندلس عقل  المشارقة.
 يقول طرابيشي :  إن الجابري تورط في صراعات وحروب  أهلية  وفوت على نفسه فرصة لتطوير  موقف نقدي  ’ وبالتالي  فهو يحصر نفسه في  مركزية أثنية حضارية (ص24).
 ومن بين المرجعيات التي اعتمد عليها  الجابري : دروس  في تاريخ الفلسفة  لهيغل  الذي قسم العلم إلى  عالمين :
احدهما تاريخي  والأخر  اللاتاريخي ’ واعتبر  الفكر الغربي  كفكر  للعالم ’ وفي  القمة  فكر  الدولة  البروسية الألمانية.  وفي المقابل قسم الجابري  الوطن العربي إلى   عالمين : 
عالم يفكر بالعقل والأخر يفكر في العقل  مع إقصاء  الحضارات الأخرى  غير العربية وغير اليونانية والأوربية .
يقول الجابري نفسه : إننا  عندما  نتحدث عن العقل العربي ’ فنحن نميزه  في  نفس  الوقت  عن العقل  اليوناني  والعقل الأوربي  الحديث (ص 26). فهو يرى أن هذه العقول الثلاثة هي  التي  أنتجت  ليس فقط  العلم ’ بل  أيضا نظريات في العلم . ويقول كذلك : إنها  في حدود ما نعلم التي مارست التفكير في العقل ’ إنهم مارسوا التفكير النظري العقلاني منفصلا عن  الأسطورة و الخرافة ... (ص26).
  وكمنهج  استحضر طرابيشي ما غيبه  الجابري  وغيب ما استحضره وصولا  إلى  سؤال : من قام بالتفكير  في العقل ’ ومن  قام بالتفكير  بالعقل في  الحضارات اليونانية  والأوربية الحديثة  والعربية في كل من المشرق والمغرب ؟
  يغيب  الجابري حسب طرابيشي  العلوم في الحضارات الشرقية (يغيب العقل كفاعل ) ويستحضر  السحر  الذي يمثل  نموذج  التفكير اللاعقلاني . فالسحر  هو العنصر الأساسي في بنية  عقل هذه  الحضارات ’ وفي المقابل يستحضر طرابيشي  الجانب العلمي  الذي غيبة الجابري  في هذه الحضارات . يرى طرابيشي أن جميع الكتب  التي  اهتمت بالعلوم القديمة في الحضارات  الشرقية  تتفق  على انه  كانت   هناك علوم بمعنى الكلمة  ’  وفي ميادين شتى. ويستشهد بمؤرخ العلم في العالم القديم بنيامين فازنغتون  وبجورج رفي  في كتابه ما بين النهرين  (ص 36) وبارتر  للوين باشام البريطاني  رئيس    قسم  الحضارات  الأسيوية  في جامعة  كانبرا  والمعروف  بكتابه  حضارة الهند القديمة (ص'42).
 وإذا كانت الحضارات  الشرقية في نظر الجابري  تتسم  باللاعقل  وان االسحر هو العنصر   الأساسي في بنية عقل هذه الحضارات فان جورج طرابيشي  يستشهد يصاحب المقدمة (وشهد شاهد من أهلها) و أحد ممثلي  العقل  في الحضارة العربية الإسلامية . ففي الفصل  المخصص لعلوم السحر و الطلسمات يقول  ابن خلدون : واعلم ان  وجود السحر لا مرية  فيه بين العقلاء من  اجل التأثير الذي ذكرناه’ ونطق به القران :  ولكن الشياطين كفروا يعلمون  الناس  السحر ...( البقرة – 102).  ثم   يقول : وسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل له انه  يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحر في مشط ومشاقة ودفن في بئر دروان ’  فانزل الله  عليه المعوذتين في العقد ...(46).
أما عن الحضارة اليونانية فقد استشهد طرابيشي  ب .أ ردوس  أستاذ الهلينيات في جامعة اوكسفورد صاحب كتاب الإغريق واللامعقول..فهو يرد فيه على القائلين بان الإغريق شعب يسري في عروقه وبالفطرة  دم العقلانية  يقول : إننا نستطيع أن نعزو اليونانيين القدامى مناعة ضد أنماط التفكير  البدائي   وهي مناعة  لا نلتقيها أصلا لدى  مجتمع يقع تحت ملاحظاتنا  المباشرة (46). ويستشهد بالبروفسور مارتن نلسون عميد جامعة لزندا السويدية واحد كبار الاختصاصيين في ديانة الإغريق يقول : لامناص في التسليم والاعتقاد بالسحر والشعوذة  كانت  عامة للغاية وواسعة الانتشار في  العصر الكلاسيكي (ٌق.5 .ق.م . ) (ص47).
  ويستشهد طرابيشي  بمؤرخ عصر بريكليس الذهبي  عند  ظاهرة تحديد  الممارسات السحرية  ولرد اللاعقلانية  التي ضربت اثبتا غداة الحروب البيلونيزية و الذي دفع ثمنها فلاسفة الأنوار إعداما وسجنا ونفيا (47).
   نحن لسنا من أصحاب ذوي الحقوق الذين يطالبون بإنصافهم وإنصاف إبائهم وأجدادهم والاعتراف لهم بانتاجاتهم الفكرية والعلمية وهي ميادين شتى ’ لكن  لا نقول   إن  لحضارات الشرقية  خالية من  السحر و  الخرافة ’ ولا نقول إن  الحضارات اليونانية والأوربية  الحديثة والعربية  وحدها  أنتجت المعرفة العلمية  والفلسفة العقلانية  ولا نقول  ان هذه الحضارات  الأخيرة  كانت  خالية من السحر والخرافة  والتعويذات ’ فجميع  هذه الحضارات مارست  التفكير بالعقل وبدرجات متفاوتة .
يستخلص طرابيشي  من  خلال قراءته لنقد ا لعقل العربي المسلمتين التاليتين :
1-التفكير  في العقل  درجة في المعقوليةأسمي من التفكير بالعقل.
2-العرب واليونانيون والأوربيون وحدهم مارسوا التفكير  في العقل  .
 ومن خلال هاتين المسلمتين  توصل الجابري إلى  النتيجة   التالية وهي :
دورالعرب و واليونانيين و الأوربيين من المعقولية أعلي  من  درجة  الحضارات  القديمة من  مصريين  قدامى  وبابليين وهنود ... (ص70).
نحن إمام إشكالية  مبنية على  التفاضل والإقصاء : إشكالية مبنية على  الحضور  الغياب .   والغائب هنا  هو  الموضوعية .  هل لا شأن للعقل غير أن يفكر في نفسه ؟  هل  نبقى سجناء لفكر عصر  ديكارت و كانط وهيغل ؟ألم يصبح  العقل تابعا للعلم ابتداء من بداية القرن العشرين مع التحولات التي  أحدثها لوي دوبروي  وهيزنبيرغ وريمان واينشتين وماكس بلانك ؟
  يقدم طرابيشي  شواهد وحججا  لدحض ما يفترضه أصحاب النزعة المركزية الأوربية ومن تبنى أطروحتهم . تؤكد هذه الحجج انه بجانب العرب الذين مارسوا التفكير في العقل في العصر الوسيط فان المعطيات  التاريخية  تؤكد إلى جانبهم كان الفرس  والأرمن.  نكتفي بما قاله  صاحب المقدمة : أين تراث وعلوم الفرس  التي أمر  بها الخليفة عمر بن  لخطاب بمحوها عند الفتح ؟
 ويستخلص طرابيشي   أن  الجابري طرد جميع  العقول الحضارية جارح المثلث الذهبي (اليونان – العرب – الأوربيون) واستبعد الشرق كله خارج دائرة   العقل  مع  إقصاء العقل المشرقي والدفع به    نحو  دائرة حضارات  اللاعقل  مقابل احتضان العقل  ا لمغربي  والدفع به نحو حضارات  دائرة المفلسة والعلم والمنطق('ص119).
تلك هي أهم  المصادرات  الابستمولوجية ة التي بنى عليها الجابري  مشروعه نقد   العقل العربي  يقول طرابيشي : فلا  يستقيم للجابري  مشروعه ما لم   يدخل  العقل العربي  إلى حلبة التباري  رغم عدم  التكافؤ (193) .
 ركزنا بالدرجة  الأولي  على أهم الاشكلات التي طرها الجابري في مشروعه  نقد العقل  الغربي ومحاولة طرابيشي  لدحضها  ’ وهل رد  طرابيشي    الاعتبار إلى المشارفة حقوقهم المهضومة  كما يدعي  .؟
على سبيل الختم
بعد قراءتنا  لمشروع الجابري(الأجزاء الأربعة ) ’وبعد متابعتنا لمسيرته الفكرية ’ وبعد  قراءتنا لكتاب نظرية العقل للدكتور طرابيشي (اللبناني) نستخلص أن الإشكالية العامة  التي  يثيرها  كل من الجابري (المغربي ) وطرابيشي هي اشتالية تدخل في  إطار الصراع التقليدي  بين  المشارقة و  المغاربة . صراع بين اصل وفرع : بين بنيتين فكريتين   متقابلتين ’ بل بين مشروعين  ثقافيين : الأول تمثله سلسلة   الفارابي وابن سينا  والغزالي  والثاني يمثله  كل من ابن حزم وابن باجة وابن طفيل وابن رشد    والشاطبي ...
المشروع الأول تحكمه  إشكالية التوفيق بين  العقل والنقل : بين   الشريعة والحكمة  نتيجة تصادم  العرب  بثقافة  الفرس  وثقافة الإغريق . والمشروع الثاني   تحكمه  إشكالية الفصل  على مستوى المنهج واليات التفكير  والتصور للقضايا المطروحة .
ففي هذا السياق يقول الدكتور  فهمي جدعان (التراث والحداثة ط1 .1991.ص329) في إحدى  المحاورات  الفكرية مع ب؟؟؟  الكويت سنة 1989 يقول :
وفي اعتقادي إن من حقك  علي إن أبارك بالحديث لأقول :  إن لقاءنا هنا يختزل  في عيني صورة لقاء المشرق  بالمغرب  ويثير في شجون  الوطن العربي   الذي راودت وحدته عقول أجدادنا  وأفئدتهم ’ وهي تر اود اليوم  عقولنا  نحن وأفئدتنا .
 لقد كا ن   ذلك حلما دائما  لم يبدده  تزامن خلافتين  أو أكثر في إرجاء  المشرق والمغرب  في هذه الفترة  أو تلك  . واليوم نحاول أيضا أن نحول شيئا فشيئا عبر حقول الألغام والهموم  والآلام...هذا الحلم  الكبير إلى واقع ...  ربما لا تكون فائدتنا الوحيدة  أنها   تكسر  حواجز التشتت والتفرق وتنسج خيوط حلم عزيز علينا  في   المشرق وعزيز عليكم في المغرب
إني أتحدث مع صاحب نظرية  في العلاقة  بين المشرق والمغرب وهي نظرية لاتسر  المشارقة  كثيرا وكان  عند  بعض   كتابهم صدى غير محمود’ فقد انتهى  كثير من  قرائك  إلى انك قد كرست ضربا من ا لقطيعة بين المغرب والمشرق معرفيا (ابستمولوجيا ) بين جناحي الوطن العربي وقلت إن ثمة مشروعين كبيرين احدهما نسبته إلى المشرق ممثلا في ابن سينا وثانيهما  نسبته إلى المغرب  ممثلا  على وجه الخصوص بان رشد.
ولقد ذهبت فعلا إلى أن ما سميته المشروع المشرقي : غنوصي  لاعقلاني  ..  بينما  المشروع  المغربي  هو مشروع ذو طابع عقلاني ... وانه لاسبيل إلى الجمع ببينهما .
إن هذا النص على طوله يشخص في رأينا لقاء  جناحي الوطن العربي. فلكل من  طرابيشي وفهمي جدعان (ممثلا المشرق) والجابري( ممثل المغرب ) مرجعية فكرية  ينطلق منها  وإشكالات لها  خصوصيات معينة ’    لكن علاقة  المرجعيتين والإشكاليتين  لن تصل  إلى حد  التعارض ’ بل إلى التكامل. فكل جناح من  جناحي الوطن   العربي يكمل الأخر . فالقطيعة التي تكلم عنها الجابري  هي قطيعة معرفية وإجرائية وليست في  التاريخ وفي اللغة وفي الدين.





شعر
                 أحبها وتحبني       وتحب ناقتها بعيري        (شاعر جاهلي )
________________
              
سمفونيا
أنت ...
أنت  الياسمين’  أنا الريحان
أنت الأمل ’    أنا الأمان
أنت الدم ’     أنا الشريان
أنت  النبضات ’  أنا الوجدان
 آنت المطر ’   أنا  الوديان
 أنت  الخيال ’   أنا الزمان
 أنت  السمفونيا ’  أنا  الكمان
 أنت البتهوفن ’   أنا السكران
أنت  الربيع  ’   أنا  الهيجان
أنت سوزان ’  أنا إحسان  
 آنت البلور ’  أنا الرجفان
gggf                                             بوعزة ساهل



قولوا للسياب

قولوا  للرحمان
ها يعرب في المحن
قولوا للرحمان
ها النزول فيه الندم
 أ تساوى  عبد الغفار والشيطان؟
 أتساوى الإثبات والنكران ؟
قولوا للسياب
قولوا للسياب  
 ها نحن  معك في العذاب
 قولوا للسياب
 ها نحن معك شيبا وشبابا
  قولوا للسياب
 ها دمي ’  ها  يدي ’وحتى الأنياب
ها قلمي ’ لأكتب ...
متران   وبوش  ووو... كلهم كلاب
قولوا لحلب
فيك الأشبال ’ فيك  الرجال
 وحتى الكلاب
قولوا  ل...أ هو مريض آم سكران؟
 أهو مع بوش  أم مع السياب ؟
أهو مع   الشرق أم مع الغرب أم مع الكتاب؟
 أيدخل التاريخ ؟ وبدون عقاب ؟
                                            ساهل : 12-9-91


حلم الخيميائيين او من مفهوم الخيمياء  الى  مفهوم الكيمياء
                                          ذ.بوعزة ساهل

         "  ما من طبيعة إلا وهي  مجذوبة  بطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا  وهي مقهورة لطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا وهي  تهيمن على طبيعة أخرى "
                                    نص  هرمسي  للساحر والوستانس(الجابري . ب.ع.ع.  ص182 )

مقدمة  
    كثيرا ما  يحلم المرء بتحقيق مشروع طالما راوده في حياته ’ وقليلا ما يتحقق ذلك  الحلم  قبل وفاة  صاحبه ’ وان لم  يتحقق  وقتئذ  ’ يبقى  معلقا  إلى أن تأتي أجيال لاحقة  فتعيد النظر   في ما جاء في ذلك المشروع . فإما أن يقبر  إلى الأبد  بسبب غياب الشروط الموضوعية : تاريخية – اجتماعية – ابستمولوجية... وإما أن يتطور ويخرج إلى حيز الوجود . ومن بين الحالمين  "الخيميائيؤن"   الذين طالما راودهم حلمهم بتقليب  معدن ما   إلى  ما هو  أشرف كتقليب القصدير إلى نحاس ’ وكتقليب الفضة إلى ذهب  . وهل تحقق  لهم ذلك مع  تطور  التقنيات التي  ظهرت مع العلم الحديث  ’ ومع الثورة الفيزيائية التي ظهرت مع بداية القرن العشرين ؟
تعريف علم الخيمياء عند القدامى
    هو علم قديم  مهد الطريق   لعلم الكيمياء الذي أسس له علماء القرن الثامن عشر خصوصا  مع لافوازييه .    ويعتبر من العلوم السحرية الباطنية المتأثرة بالهرمسية ( نسبة إلى هرمس ) . وكان يقال  له في مدرسة الإسكندرية "علم الصنعة " .  وسميت قديما بالسيمياء . والسيمياء  هي مجموعة من المعارف والأسرار التي تتعلق بتحويل المعادن الخسيسة إلى  معادن نفيسة .
 ويمتد جذور  السيمياء  قديما إلى الحضارات الشرقية  كالصين وبخاصة في الديانة الثاوية  التي استهدفت الطهارة الروحية ونيل الحياة الأبدية . وقد حاول أصحاب هذا الاتجاه  اكتشاف "إكسير " الحياة على غرار  أكسير الصنعة في السيمياء (1).
 أما ابن خلدون  فيعتبره  علما ينظر  في المادة  التي تتم  كون (بضم النون ) الذهب  والفضة  بالصنعة .  ويشرح طريقة العمل  للوصول إلى  ذلك. ثم يشرح الأعمال التي تخرج  بها تلك  المادة  من القوة إلى الفعل  .
  وفي زعم أهل  الحرفة  ’أنه يخرج  بصناعتهم   جسم  طبيعي  يسمى "الإكسير " وانه يلقى منه  الجسم  المعدني  المستعد لقبول  صورة معدن ثمين  ويسمونه  في اصطلاحهم  ب " الروح "  (2)  . ومن بين المدونين  في هذا العلم  جابر بن حيان ’ حتى سمي  باسمه "علم جابر " (3) وله فيها  سبعون رسالة  كلها  شبيهة بالألغاز  (4). وزعموا  أنه لا يفتح  مقفلها  إلا من  أحاط  علما بجميع  ما فيها  . وللصرغاني   وهو من حكماء  المشرق  المتأخرين  له فيها  دواوين  ومناظرات مع أهلها وغيرهم من  الحكماء (5). كما  كتب  فيها مسلمة  المجريطي  من حكماء  الأندلس  كتابه الذي سماه "رتبة الحكيم " وجعله  قرينا  لكتابه  الآخر  في السحر  والطلسمات  الذي سماه "غاية الحكيم ". وزعم أن هاتين الصناعتين  هما  نتيجتان  للحكمة وثمرتان  للعلوم . ومن  لم  يقف  عليها  فهو فاقد  ثمرة  العلم والحكمة  أجمع (6).
وينقل ابن خلدون رسالة ابن  بكر بن بشرون لأبي السمع  وكلاهما  من تلاميذ   مسلمة . وهي رسالة  مطولة  نقطف منها  أهم ما جاء فيها مع تفكيك بعض العبارات المعقدة . يقول ابن بشرون : "فقد قالوا : ينبغي  لطلاب هذا العلم ان يعلموا  أولا ثلاث خصال  أولها  هل تكون ؟  والثانية  من أي تكون ؟ والثالثة  من أي كيف تكون ؟ فإذا عرف  هذه  الخصال  وأحكمها ’ فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته  من هذا العلم " (7). 
فالخصائص  التي يجب معرفتها  حسب الرسالة هي أولا  البحث عن وجود المادة القابلة للصنعة  وهي الخصلة الأولى  . والخصلة الثانية هي البحث في طبيعة المادة  إن وجدت . هل هي مائية ؟ نارية ؟ ترابية ؟  هوائية ؟ آم   خليط لهذه العناصر  كليا أو جزئيا  ؟ وبأية  نسبة  عددية ؟ أما الخاصية الثالثة ’  فهل  هذه المادة في نوعيتها التي  تقبل الصورة  هي التي يمكن إخراجها من القوة إلى الفعل (الكامنة فيها) . وبلغة آبي بشر  أن من الأشياء ما يمكن تفصيلها  ومنها ما لا يمكن تفصيلها .فالتي  يمكن  تفصيلها تعالج وتدبر وهي التي تخرج من القوة إلى الفعل ’ والتي  لا يمكن تفصيلها   لا تعالج ولا تدبر  لأن فيها  بالقوة فقط  (8).
 ومن بين  القدامى من المسلمين الذين تكلموا في الموضوع  خالد بن يزيد بن معاوية  الذي خاب  في نبل الخلافة  فانصرف  إلى هذه الصنعة  التي آخذها  عن الراهب  مريانوس ثم على يد اصطفان . كما اشتهر  في هذا العلم  الرازي الطبيب  وله كتاب بعنوان "سر الأسرار. وتكلم في نفس الموضوع  أبو نصير الفا رابي وابن سينا . ومن بين الأسئة التي كانت  مطروحة  عصرئد ’ هل  المعادن السبعة القابلة للصنعة (9)  هي مختلفات  بالفصول ولكنها  أنواع قائمة بأنفسها ؟ آم أنها  مختلفة بخواص   في الكيفيات وهي كلها  أصناف لنوع واحد ؟ (10) . فالذي  ذهب أليه أبو نصير  وتابعه عليه  حكماء الأندلس هو إنما من نوع واحد  وان  اختلافها  إنما هو بالكيفيات  . والذي ذهب إليه ابن سينا   وتابعه حكماء  المشرق  هو أنها مختلفة بالفصول وإنها أنواع  متباينة ’ كل واحد منها قائم  بنفسه’ له فصل  وجنس ’ شأنه   شأن سائر  الأنواع . لقد بنى الفارابي  مذهبه في اتفاقها بالنزوع  وإمكان انقلاب  بعضها  إلى بعض ولإمكان  تبدل(بضم الدال وتشديدها ) الأعراض   وعلاجها بالصنعة  . فمن هذا الوجه  كانت  صناعة الخيمياء ممكنة . أما أبو علي الشيخ الرئيس فقد بنى مذهبه  في اختلافها  بالنوع  وإنكار هذه الصنعة  واستحالة وجودها  .
فابن سينا  القائل باستحالتها  كان وزيرا من أهل الغنى  والثروة أما الفارابي  القائل  بإمكانها  كان من أهل  الفقر    (11)..  والفقر  لا يفكر  إلا في  الغنى والمال.
   فالعلم الذي نحن بصدده و المبني  على التجاذب والتنافر  وترابط العناصر المكونة للمادة القابلة للتحويل من الخسيس إلى  ما هو اشرف يؤسسه المبدأ الابستمولوجي الذي  يتلخص في العبارات التالية التي قال بها والوستالس المجوسي : " ما من طبيعة إلا وهي  مجذوبة  بطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا  وهي مقهورة لطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا وهي  تهيمن على طبيعة أخرى " (12).  فالعبارات الثلاث  تلخص  أنواع العلاقات التي تربط الطبائع الموجودة في المادة  . وحول هذه الطبائع خصص إخوان الصفا  فصلا من  الرسالة الخامسة من الكتاب الثاني له علاقة في بيان تكوين المعادن (13) من حيث التأليف  و التجاذب و التنافر و التعاطف يقولون : " اعلم ياأخي ان لهذه  الجواهر (المادية ) خواص كثيرة  وطباعها  مختلفة  . فمنها   الجواهر المتضادة  ’ومنها المتنافرة ’ ومنها  المتشاكلة والمتنافرة ’ ولها تأثيرات بعضها  في بعض  إما  جذبا  أو إمساكا  أو دفعا  أو نفورا ’  ولها أيضا  شعور  خفي  وحس لطيف  (...)  والدليل  على صحة ما قلنا  وحقيقة   ما وضعنا  قول الحكماء  في كتاب "الأحجار"  إن  طبيعة تألف  طبيعة’  وطبيعة تناسب طبيعة  أخرى و طبيعة  تلطف  بطبيعة ’ وطبيعة تأنس بطبيعة  ’  وطبيعة  تقهر  طبيعة ’ وطبيعة  تقوى  على طبيعة  وطبيعة  تلهب  (بضم التاء ) طبيعة   (...) ". كما أعطى إخوان الصفا أمثلة  لهذه الأنواع  من الطبائع  كتالف  الألماس و كتجاذب  حجر المغناطيس  والحديد (14). ولعل  ظاهرة الجذب ليست بجديدة  عند الأخوان ’ بل هي  قديمة كظاهرة الكهرباء والمغناطيس  التي لاحظها الإنسان    والتي تتميز بها بعض  الأجسام  كالعنبر  والحجر المغناطيسي : فالعنبر يجذب "التبن " وغيره من الجسام  الخفيفة  عندما يحك بقطعة  من الصوف . والحجر المغناطيسي  يجذب  الأجزاء الصغيرة  من "فتاة  الحديد  ". ويقول مؤرخو العلوم  إن طاليس  أول من  حاول إعطاء  تفسير  لهذه الظاهرة  ’ إذ قال  إن للعنبر والحجر المغناطيسي   "روحا " قادرة عل  جذب الأجسام  المجاورة (15) .
 فالعنبر  باليونانية يسمى  "الكترون "electricite   ’ أما الحجر المغناطيسي  فيسمونه "مانياس " ومنه كلمة magnetisme  (16) ’  ولما  جاء القرن  السادس عشر  ’ القرن الذي نشطت فيه العلوم التجريبية ’ كان الطبيب  الانجليزي GILBERT (1540-1609)  أول من اهتم بدراسة  خاصية الجذب . وبقي الأمر كذلك إلى أن  حل القرن السابع عشر  - قرن نيوتن-  وانطلاقا  من قانون الجاذبية ’ لوحظ  ان  الجسمين اللذين  لهما نفس  النوع  من الكهرباء يفترقان ’ في حين ينجذب الجسمان اللذان  لهما  كهرباء من نوع  مضاد (17).
  فمن التفسير الميتافيزيقي إلى التفسير  العلمي  الذي شقه فرانسيس بيكن ونيوتن وغيرهما  ’ والقفز  على محاولات جابر بن حيان  والرازي الطبيب  والفارابي وغيرهم  دون الوصول إلى  تفاسير  علمية  سواء في  علم الخيمياء  أو في غيرها من العلوم الطبيعية  مما يطرح سؤالا عريضا لماذا  ظهر العلم الحديث في الغرب ولم يظهر في العالم الإسلامي ؟
  بقي  علم الخيمياء  علما  استفرائيا ولم يرق إلى مستوى التنظير  والتعميم وبقي معلقا  بالخرافات  أبرزها  فكرة الفلوجستون phlogiston التي سيطرت على خيمياء  العلم الحديث قبل لافازييه   ’ وهي كلمة يونانية  وتعني النار أو الاحتراق.  والفلوجستون  كفرضية ’ شيء مشترك بين كل العمليات  الكيميائية  من احتراق وتكلس واستخلاص الفلزات من المادة (18).  وحتى العقد الثامن من القرن الثامن عشر  كان الفلوجستون  أساس الكيمياء  التي تدرس  في الجامعات  بدون تكميم  رياضي  حتى جاء  لافوازييه(1743-1794) فأثبتت له التجارب  أن الكبريت  والفوسفور  إذا احترقا  لا يقل  وزنهما  لأن الفلوجستون خرج منهما  ’ بل  يزيد مقدارا ضخما من الهواء   اثبت أثناء الاحتراق .  واكتشف العالم الانجليزي  بريستلي (1733-1804) أن الغاز الذي  تمتصه المعادن في هذه الحالات   هو "الأكسجين "فانتهى بلافوازييه إلى التركيب  الصحيح للهواء ’ وطرد الكيميائيون فرضية الفلوجستون إلى غير رجعة كما طرد الفيزيائيون  لاحقا فرضية الأثير  إلى  غير رجعة)’ فانفتح الطريق  العلمي الصحيح أمام  الكيمياء  بدءا من  ذلك التاريخ توصل من خلالها العلماء إلى قوانين  رياضية  دقيقة على شكل معادلات  وأصبحت الكيمياء  قريبة جدا من الفيزياء  وعلم البيولوجيا  .
     كانت  فلسفة ة المشائين والسكولائيين وفلسفة العصور الوسطى بما فيها الفلسفة العربية الإسلامية  تقوم على أساس  مفهوم "الجوهر" . فمفهوم الذرة الذي بقي على أكثر من  2400 سنة مفهوما فلسفيا  على اعتبار أن الذرة هي الجوهر المادي الأول والأبسط ’ والجسم الذي  لا يتجزأ(اللامتناهي الصغر) ’ لكن هذا المفهوم أصبح مفهوما علميا مع الثورة الفيزيائية  الحديثة التي ظهرت مع مطلع القرن العشرين . فالذرة (الجوهر) ليست  التي لا تتجزأ ’ بل  قابلة للانشطار  .  فنواة الذرة اصغر من  الذرة  نفسها بحوالي  100 مرة’  فالذرة ليست جسم بسيطا ’ بل   بنية "كون صغير " من علاقات دينامية  بين جزئيات موجبة وهي البروتون  وجزئيات سالبة وهي الالكترونات ومن جزئيات محايدة تسمى   النوترونات (19)  ’ وهناك جزيئات ثانوية .
 كانت الفلسفة  الأرسطية باعتبارها فلسفة وجود  ’ تقوم على  الجوهر كمعطى أول مطلق  ثم  تستنتج  أعراضه منه . أما  في الميكروفيزياء(العلم الصغير)  فقد أصبح موضوعها هو الجزيء  أو الكهيرب  (20) فهذا الأخير  لا يتظاهر  إلا من خلال  أعراضه بدون  أن يكون  له نظام وجود  ولا حتى  مكان وجود.
  وخلافا لمبدأ الهوية الأرسطية  القائم على  فكرة  ثبات الجوهر  فان اكتشاف  الإشعاعية  الذاتية la radioactivite قد اثبت إمكانية  التحول النووي  للعناصر الكيماوية  ’ فالنواة   من معدن  اليورانيوم  قابلة لأن تنقلب  بالإشعاعية الذاتية  إلى نواة  من  معدن الثوريوم (21)  .   إنها  الكيمياء النووية  التي  جاءت لتعطي  أساسا  عقلانيا  لحلم  الخيميائيين  القديم  في تحويل  طبيعة المعدن  لقد  ألغيت  فكرة  ثبات  الجوهر  لصالح  فكرة ثبات  الأعراض  . فالمعدن  قد تحول   ’   .والجوهر  أخلي مكانه  لجوهر  أخر  ’ ولكن   الأعراض  بقيت  ’ وفي  هذا تحقيق  لحلم  الخيميائيين  ’ وقلب  للمنطق الأرسطي  رأسا على  عقب  (22).

 خاتمة  
منهجيا ’’ توقفنا على ثلاث تحديدات  مختلفة  لنفس المفهوم :مفهوم  السيمياء ومفهوم الخيمياء ثم مفهون الكيمياء’ فالسيمياء في الحضارات  الشرقية القديمة  كالحضارة الصينية  ومدرسة  الإسكندرية  كانت مرتبطة  بالأدبيات الهرمسية  . فلتنقية  المعدن  من  أوساخه  وتحويله  إلى  معدن أرقي وأشرف ’  لا بد ان  يمر بمراحل . فكذلك  بالنسبة إلى النفس البشرية ’  فلتكون صافية  ’  لا بد  أن  تمر   بمراحل : فمن النفس الناقصة (ما دامت موجودة في البدن)  إلى النفس الكاملة  ’ والعاقلة  لتعود إلى  أصلها راضية مرضية .
 لقد تسرب هذا الموروث الثقافي (الهر مسي ) إلى الثقافة العربية الإسلامية عبر مراحل وعبر قنوات وممرات بدءا من  جعفر الصادق  أستاذ جابر بن حيان في الصنعة .الذي بقي  هو وآخرون  يدورون في حلقة مفرغة دون  التأسيس  لعلم الكيمياء   كما أسس له  لافوازييه وبريستي في القرن الثامن عشر . وأصبحت الكيمياء  مثلها مثل الفيزياء   تعتمد على   الرياضيا ت لضبط العلاقات بين  مكونات عناصر الأجسام المادية . الا ان  مفهوم الكيمياء تغير مع  ثورة ماكس بلانك ’ ولوي دوبروي ’ ومع هيزنبيرغ مع مطلع القرن العشرين .
فمع الثورة العلمية المعاصرة  في الفيزياء ’ أصبح الفيزيائيون يتعاملون مع أعراض الكهيرب  (الجزيء) بدل جوهره  .ومع اكتشاف الإشعاعية الذاتية ’ أصبح من الممكن  تحويل معدن ما إلى أخر . لكن هل استطاعت  الثورة العلمية المعاصرة  إن تحول المعادن الخسيسة إلى ما هو أرقي وأشرف ؟ هل استطاعت  أن تحقق حلم  خالد بن يزيد بن  معاوية والفارابي والطامعين في الثورة والغناء ؟

هوامش
(1)   عباس اعطيتو .ملامح الفكر الفلسفي  والديني  في مدرسة الاسكندرية القديمة .دار العلوم العربية . بيروت . ط1.ص. 109  
(2)    ابن خلدون . تاريخ ابن حلدون . م.1 دار الكتاب العلمية . بيروت.ط1 .1992.ص
(3)   ن.م..ص
(4)   ن.م..ص
(5)    ن.م..ص
(6)   ن.م..ص
(7)    ن.م..ص.586
(8)    ن.م..ص 586 
(9)   حسين حمادة . العلوم  عند  العرب .       ص608؟
9  المعادن السبعة  هي : الذهب والفضة و الرصاص و القصدير و النحاس و الحديد والخارصين
(10)     ابن خلدون . م. س . ص
(11)      ن.م.ص.
(12)      الجابري . مدخل إلى  فلسفه العلوم . ج.2 دار الطليعة . بيروت . ص 32
(13)      إخوان الصفا . الرسائل. الكتاب الثاني . الرسالة الخامسة . دار صادر . بيروت .ص. 110
(14)      ن.م. ص.   111
(15)      الجابري .م. س . ص 32
(16)     ن.م. ص.
(17)     ن.م. ص.
(18)      يمنى طريف الخولي . س. عالم المعرفة . عدد .264.ص93
(19)      جورج طرابيشي . نظرية العقل .دار الساقي . بيروت . ص .  
(20)      ن.م. ص.
(21)      ن.م.ص.        

الواجب والممكن والممتنع
صنف السموأل  القضايا الر ياضية إلى قضايا ضرورية وممكنة  ومستحيلة.وأعطى شرحا لكل صنف منها .
يقول إننا نقصد بقضية ضرورية  يعني  يمكن اثباتها او نفيها. ونقصد بقضية ممكنة  يعني اننا لانملك اية طريقة  للبرهنة عليها او على نفيها  . اما القضية   المستحيلة  فيقصد بها متى  فرضت موجودة  ادى  وجودها الى  المحال .
        رشدي راشد . تاريخ الرياضيات العرية  بين الحساب والجبر . ص  56  
 ابن حزم  " اعلم ان  عناصر  الأشياء  كلها ’ أي اقسامها  في الإخبار  عنها ثلاثة ,اما واجب وهو الذي قد وجب و ظهر اوما يظهر مما لا بد من كونه  كطلوع الشمس  كل صباح  وما اشبه ذلك . اما الممكن وهو الذي قد يكون وقد لايكون  وذلك مثل توقعنا  ان تمطر غدا وما اشبه ذلك  واما الممتنع وهو الذي  لاسبيل اليه كبقاء الانسان تحت الماء لمدة طىيلة جدا  ...التقريب لحد المنطق  ص84
ابن سينا  واجب الوجود –ممكن الوجود
الجابري . ب. ع. ع .  ص 447


____________________________________________

المنطق الأوكامي وعلاقته بفلسفة  ب. رسل

سنحاول في هذه المقالة  ربط علاقة بين المنطق الأوكامي  (نسبة إلى وليم أوكام =القرن الثالث عشر ) وبين فلسفة  ب. رسل  التحليلية  لتوظيفها  لمبدأ نصل أوكام كمنهج وكأسلوب في الاقتصاد في التفكير . فمن هو وليم أوكام ؟ وما هو مبدأ نصل أوكام ؟ وما علاقته بفلسفة رسل ؟
 بعد مرحلة  ألبرت  الكبير وتوما الأكويني (أعظم فلاسفة  السكولائيين ) ’  جاءت مرحلة  رجالات مثل  روجي بيكن و دنس سكونس  ووليم الأوكامي  (1)  وهم جميعا  من الفرانسيكان الذين لا  يميلون  إلى  حجج  القديس  توما  الأكويني  الدومينيكي .
  وإذا كان روجي بيكن  يعتبر  أرسطو هو المعلم الأول  ويأتي بعده  ابن سينا أمير الفلاسفة فان دنس  سكونس  المزداد باسكتلندا  (1270- 1308)    قد التحق  بدوره بالفرانسيسكان ’ وكان اغسطيني النزعة ’ واقعيا  معتدلا (2) .
  أما واليم الأوكامي  الذي يعتبر أهم  اسكولائي بعد توما الأكويني  ’ فقد  يقول عنه ب . رسل أنه لا يدري عن ظروف حياته إلا حقائق   غاية في التشويه والغموض . فربما  جاءت ولادته بين  1220و1349أو 1350 . ويذهب معظم الناس  إلى انه قد ولد في  أوكام  من أعمال مقاطعة  تيسيري  أو في أوكام التابعة لمقاطعة يوركشير. كان تلميذا ل دنس سكوتس’ ثم فيما بعد أصبح منافسا له (3)  ’ استدعاه البابا  يوحنا  الثاني والعشرين  لزندقته حول  بعض التهم الموجهة ضده بخصوص  تحول مادة المسيح  فصدر في حقه سنة 1328 بإخراجه من الكنيسة (4) .
  اشتهر وليم  بمبدأ  اتخذ اسم  نصل أوكام أو مقص أوكام  ومفاده  أن الكائنات  لا ينبغي  أن تتكاثر   بغير   موجب . فعلى  الرغم من انه لم يقل بهذا ’ فقد قال شيئا  أشبه  به من حيث معناه . إذ قال : إذا أمكنك أن تكتفي  بالعدد الأقل  فمن العبث  أن تستخدم  عددا اكبر.
 ويقول رسل : ولقد وجدت  هذا المبدأ مفيدا أكبر  الفائدة  في التحليل المنطقي  الذي قمت به(إي في فلسفة التحليلية ) (5).  ويؤكد رسل (1872_1970) أن كل المشاكل  الفلسفية في جوهرها لاشك منطقية .ولتجاوز هذه المشاكل  عليها أن تلتزم حدود المنطق (6). ولقد تعلم رسل  من أستاذه وايتهد استخدام مبدأ نصل أوكام. وهي قاعدة منهجية  تعني التقليل  من الفروض  ومن الكائنات التي  لا تدعو الحاجة إليها وحذفها تحقيقا لمبدأ الاقتصاد في التفكير .
  فإذا كان لرمز الكائنات (ا) و(ب) و(ج)  وكان بالإمكان رد (ج) إلى (ا) و(ب) فقط  حذف (ج) والعمل بكائنين بدلا من ثلاثة.
كان رسل قبل أن يتسلح  بمبدأ نصل أوكام  يرى أن الكون يتكون من نقط وذرات ولحظات وأحداث. وحين طبق هذا المبدأ  الأوكامي  بقيت لديه فقط   الأحداث التي قال بها اينشتين :
إن الكون  أحداث متتالية متداخلة فيما بينها  متصل الرباعي الأبعاد . إن الذرات والبرق والرعد والزلزال...ما هي إلا  أحداث. وعلى هذا الأساس بقي  رسل  منسجما مع  نتائج الثورات العلمية المعاصرة : ثورة ماكس بلانك وثورة اينشتين وثورة ريمان ولوباتشوسكي.
اعتبر رسل أن العالم متكون من حوادث كما قال بها اينشتين. وبتطبيق  أدواته المنطقية  عليها  أصبحت الأحداث عنده محايدة’  لاهي عقل  ولا هي مادة  بل شيء  مختلف عن كليهما . إنها نظرة محايدة تقضي على الثنائية الديكارتية القائلة بجوهرية العقل وبجوهرية المادة وتختلف عن  الواحدية المثالية التي قال بها برادلي  التي تقرر بجوهرية العقل وحده وتختلف عن الواحدية المادية التي تقرر بجوهرية المادة فقط.
  إن استعارة رسل لمفهوم  الحوادث عن طريق منهجية نصل أوكام التي أصبحت عنده محايدة’  ورفضه لما عداها لأن أصحاب الواحديات الأخرى عاشوا سجناء لتصور الزمان المطلق والمكان المطلق  كإطارين منفصلين وسجناء لمكان اقليدس  بدل المكان الريماني (نسبة إلى ريمان).
مع نظرية الكوانتا  لماكس بىلانك ’ ارتدت الذرة بدورها إلى إشعاعات والى سلاسل من الأحداث . فلا سكون  البتة  في قلب نواة الذرة ولا وجود للشيء أو الجوهر المادي إلا على شكل أحداث .
كان رسل هيغليا ثم انقلب إلى النقيض أي إلى الواقعية ثم تخلى عن الواقعية بجمع خير ما فيهما معا (تجاوزهما إلى ما هو أفضل ). ذلك هو الربط الذي جمع بين منطق القرن الثالث عشر’ منطق وليم الأوكامي صاحب مبدأ نصل أوكام وبأبي المنطق الرمزي  ب . رسل  .: صاحب   فلسفة هيكلها  ذلك المنهج الأوكامي . فمن خلال ذلك المنهج أزاح رسل كل الكائنات  الزائدة  على الفهم. وبقيت لديه العصارة الفكرية .      فمتى نطبق منهجيا  ’مبدأ نصل أوكام في ثقافتنا لإزاحة الكائنات الزائدة على الفهم في كل القطاعات وفي كل المجالات ؟ فمتى نطبق هذا المبدأ للقضاء على الطفيليين وما أكثرهم؟ هل الطبيعة  تريد تكاثر  الفقهاء والفرقاء والزعماء والأمراء بغير  موجب ؟ هل الطبيعة في المغرب مثلا تريد عددا أكبر من البرلمانيين  في الغرفتين ؟ هل نحن في حاجة إلى شيوخ والى مريدين  وأتباع ؟ هل الطبيعة في حاجة إلى  أصحاب ثرثرة وأصحاب عنعنة وما أكثرهم  في العالم الإسلامي ؟ 


هوامش


(1) ب. رسل . تاريخ  الفلسفة الغربية الكتاب الثاني .  ترجمة  زكي نجيب محمود.  مراجعة احمد أمين  . مطبعة لجنة  التأليف والترجمة .ط2 1968 ص258
 (2) ن. م. ص 259

(3)  ن.مز ص264
(4)  بوعزة  ساهل . جدلية العلم والعقل ,دار التوحيدي . الرباط . ط1 2007 ص88
(5) ن.م. ص 88  
(6)   ن.م  ص89 


المراجع


-                                 ب. رسل تاريخ الفلسفة الغربية  الكتاب الثاني  ترجمة زكي نجيب محمود مراجعة احمد أمين
-                                  بوعزة ساهل . جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي  دار التوحيدي الرباط ط1 2007.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجمعة، 20 يوليو 2012

أوراق فلسفية


مقالات فلسفية


المقالة الأولى :  ما أصول الفلسفة ؟ما حدودها؟
                                           ذ.بوعزة ساهل =باحث بالدار  البيضاء

                 ما أصول الفلسفة ؟ وما حدودها ؟ أسئلة طرحها إميل برهييه في كتابه تاريخ الفلسفة    (1)    ونحن نطرح معه أسئلة لها علاقة بالموضوع . متى ظهرت ؟ وأين ظهرت ؟ وما هي الظروف المساعدة لظهورها ؟
   يرى إميل برهييه  أن  مسألة الأصول تبقى  بلا حل  محدد رغم أن  فكرة أرسطو وأتباعه القائلة بأن  أول من تفلسف  هو طاليس . لكن  مؤرخين آخرين أرجعوا  بالأصول إلى ما قبل ذلك(2) :   إلى حضارات كانت مجاورة  للحضارات اليونانية المتعاقبة   مثل  حضارة الهند وحضارة  الفرس وحضارة  الصين  ومصر الفرعونية  وبلاد ما بين النهرين .كان تماس واتصال  متبادلين  بين هذه الحضارات  وحضارة  الإغريق القديمة .
  يقول  كوربان :  إن اللاهوت النظري لأفلاطون  يعد  امتدادا  لمذهب زرادشت (3). أما كونفوشيوس حكيم الصين فهو  يعطينا  تصور الإله الصانع  الذي نجده لدى أفلاطون  في طيماوس وفي النصوص الهرمسية  مقابل الإله المتعالي .
  إما مسألة الحدود : حدود الفلسفة ’ فهي مرتبطة بالأصول وبالحضارات التي كانت لها علاقة  بحضارة الإغريق ’ وبالنسبة إلى زمان ومكان  ظهورها ( الفلسفة )’ يعتبر مؤرخو الفلسفة أن جزر أيونيا ’ وبالضبط  مدينة مالطية  هو المكان  الذي  ناقش فيه  العقل الأسطورة  وأشعار  هوميروس ودور الآلهة  الأولمبية  وعلاقتها بالإنسان  في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. كانت البداية مع طاليس  ساعد على ذلك   عدة عوامل  داخلية وخارجية  نذكر  منها ما يلي :
  نشير أن  جميع الحضارات  التي كانت  مجاورة  للحضارة اليونانية  مرت  بالفكر الأسطوري وبالفكر الديني  قبل الفكر العلمي والفلسفي ( لا فلسفة بدون  علم ). فحضارة  اليونان :  حضارة السكان الأصليين  والآخيين والدوريين  تدخل ضمن  تعاقب هذه المراحل  التاريخية والفكرية  بدءا من  النشكونيات مرورا    بلاهوت الشعراء :  هوميروس وهوزيود  . فاليونان   بنت الحضارات  اليونانية القديمة :حضارة تساليا (4) وحضارة كريت (5) وحضارة  الكليلاديس  الميكنية (1600_ 1150)قبل الميلاد (6) :حضارات كانت ملازمة  للحضارات الشرقية  من سومرية وكلدانية و مصرية فرعونية . وكانت  لهذه الحضارات جذور تضرب في أعماق التاريخ مع  الحضارات المتعاقبة  لليونان . تدخل هذه العلاقات في إطار  التبادل التجاري  وفي إطار الحروب بين الدول  وكذلك في إطار  التقارب  بين الحضارات والشعوب  والاحتكاك بالأخر والاستفادة من  تقاليده وتجاربه  من فن و معمار و وديانة . ولقد مرت  حضارة اليونان  والحضارات المجاورة  بعدة مراحل أهمها :
 المرحلة الأولى :مرحلة  العلاقة المصرية الكريتية
 وهي مرحلة بدأ فيها  انفصال بشري  من أهل  الدلتا  والنيل  وذلك حوالي 2000 ق. م نظرا إلى  وصول مهاجرين  من الدلتا  إلى كريت  فرارا من  خوف وبطش  الملك  مينا(نارمر) موحد القطرين  (7).
 ومن مظاهر هذه المرحلة
_ وجود  أشكال جبرية  في كريت  تشبه أشكالا  معينة  في الحضارة المصرية  القديمة : شكل تماثيل  صغيرة تضع  أيديها  على صدرها  يقول عنها Storter :ما أشبه هذه الأشياء  بتماثيل  الأو شابتي  المصرية (8).
- ظهور  التأثير المصري  القديم  على  شكل أقدم كتابة  عرفها  أهل كريت  القدامى  تلك الكتابة  التي اكتشفها  الأثري  ايفنز Evans  باسم الكتابة  الخطية  الأولى  LinearA. وهي كتابة  تأخذ   علامتها أشكال  الصور التي تشبه  الكتابة المصرية  القديمة
  الهيروغليفية (9).
- في 1980  أعلن الأثري  اليوناني  ساكيلاراكيس عن كشف ظاهرة تقديم القرابين الآدميين في المعابد كما كانت  تقام  قديما في  حضارات الشرق القديمة(10)
- وجود عمال مهرة  ساهموا غي بناء   قصر تيه أخر فوق الأراضي المصرية  لحساب  أحد الفراعنة (عمال كريتيون)مما يدل على وصول  يونانيين  إلى مصر القديمة .
  فالحضارة اليونانية  هي حضارة جاءت  كتتويج  واختزال  لحضارات  سابقة   عن هوميروس وهوزيود (القرنين التاسع والسابع على التوالي قبل الميلاد) وتلتها حضارات ظهرت بعد توحيد  وتأسيس المدن (الدول).

المرحلة الثانية : مرحلة غزو قمبيز لمصر
  هي مرحلة تؤرخ  لاجتياح  قمبيز  ملك الفرس  لمصر  عام 525 ق,م,وتؤرخ كذلك لازدهار  وجود  العنصر اليوناني  داخل مصر . من أهم  مظاهر تلك المرحلة إلغاء  قيود الهجرة  على اليونانيين  وفتح  أبواب مصر  على مصراعيها  للبحث والتنقيب  عن المعرفة .
المرحلة الثالثة : غزو الأسكندر المقدوني لمصر
ما يميز هذه المرحلة  هو نقل  الثقافة اليونانية : فلسفة وعلوم وآداب  إلى بلاد الشرق  ومزجها  بفكر العهد القديم وبالتصوف الشرقي ’ وتعرف اليونانيون على خزانة  الفراعنة  وعلى نظام أسرار كهنة  مصر’  وعلى  حكمتهم و فكرهم العلمي  والغنوصي .(11)
بعض العوامل الداخلية والخارجية  لظهور الفلسفة باليونان
  فمنذ القرن الحادي عشر  قبل الميلاد بدأ يظهر  تحول جديد  في المجتمع اليوناني :      
 إقامة مجتمع  عبودي وهو ما يشبه بانقلاب  اجتماعي في العلاقات  البطريقية’ ظهرت معه ظروف اقتصادية في الإنتاج المادي (12) . هذه الحركية  الاقتصادية  والتجارية  ظهرت معها قيم استهلاكية  جديدة  وقيم جديدة في المعاملات  كصك النقود  والتعامل بالفوائد ودخول التاجر  كوسيط(13) .
  أما في القرنين الثامن والسابع  قبل الميلاد  فقد اكتسبت  تلك العمليات  وتلك القيم  طابعا  سريعا بفضل  صك العملة  والانفتاح على العلم الخارجي  أدى بذلك إلى  فصل  العمل  الذهني عن العمل اليدوي وظهور نخبة مثقفة  واعية في وسط مالكي العبيد  وهو ما يميز  بداية  نشوء الفكر العلمي والفلسفي  في اليونان  في القرن السادس قبلا الميلاد  في جزر أيونيا  وخصوصا في مدينة مالطية  ومن رواد تلك المدرسة طاليس وانكماندرس وانكسمانس(الماديون الأوائل ).
خلاصة
كانت عدة عوامل  داخلية وخارجية  بجانب الموروث الثقافي  اليوناني  القديم أدت إلى  بداية الفصل بين  العمل الذهني عن العمل اليدوي  بعد ظهور المدينة (الدولة). بعد أن بدأ  العقل  LOGOS  يتحرر من الأوهام وأصبح يناقش في اللاغورا LAGORA مواضيع  سياسية بطرق ديمقراطية ’ ويناقش أبطال  الأسطورة  وشعر هوميروس . تلك هي بعض السمات والعوامل لظهور الفلسفة في جزر أيوننا .


هوامش
(1)إميل برهييه . تاريخ الفلسفة .  ج1  ترجمة جورج طرابيشي . دار الطليعة  بيروت  1 ط7  1987 ص6   ً
(2) ن م  ص 7
(3) مصطفى النشار. فكرة الألوهية  عند أفلاطون .  مكتبة  أنغلو المصرية  ص20 -21
(4) إقليم  (محافظة) ببلاد الإغريق القديمة
(5) الحضارة الكريتية – المينوية : نسبة إلى الملك  مينوس  أول ملوك كريت وصاحب قصر التيه  ووالد أريان التي أحبت  تيسيوس THESEE(الأسطورة )
(6) أزهي حضارة  عرفها اليونان القديمة . نسبة إلى ملوك كريت(حضارة بحر ايجة )  
(7) يعتبر  ملك نارمر(مينا)موحد القطرين ومن مؤسسي الأسرة الفرعونية          
(8)  إبراهيم  السعداني . الحضارة  الهللينية . ج1 1998
(9) ن. م  ص. 163
(10) (11)  الحضارة المسينية  نسبة إلى الملك مسيني(1600 – 1900 ) من أهم مدنها مدينة طروادة
(11)مصطفى النشار  . فكرة الإلوهية. مصدر سابق . ص 33
(12) طيب تيزني .  رؤية جديدة.  دار دمشق .ط5 .  ص46  وما بعدها
(13) ن. م.  ونفس الصفحة







  

المقالة الثانية : أنكسمانس  وتأثيره على المدرسة  الفيتا غورية
                                                       ذ. بوعزة ساهل=باحث بالدار البيضاء

   عندما نتحدث عن المدرسة الأيونية ’ نتحدث عن روادها وعن أسئلتهم الكبرى حول أصل الوجود ’ وهي بداية  إنتاج العقل للفكر الحر.
 لكن قبل إن يبدع العقل وينتج فكرا حرا كان عليه إن يحارب الأوهام  والتقاليد الموروثة عن السلف ’ كان عليه أن يتمرد على  سلطة القدامى :  سلطة هوميروس  وهوزيود وافروديت وسخط أوزريس وهيرا وأبولو وافروديت وبوسدون (اله البحر) ’ كان عليه أن يتحرر من هذا كله .
 كانت بداية  هذا التحرر من الأساطير وأوهام القدامى  مع ظهور المدينة (الدولة) بدأ فيها العقل logos  يناقش  قضاياه الأساسية  في اللاغورا lagora في القرن السابع قبل الميلاد مما مهد الطريق إلى  أسئلة كبرى  طرحها رواد المدرسة الأيونية (الطبيعيون الأوائل) وهم على التوالي : طاليس وانكماندرس ثم انكمانس.
يعد طاليس من مؤسسي  أقدم مدرسة فلسفية وعلمية في جزر أيونيا (ionie)), ولد حوالي 643 قبل الميلاد’ وتوفي  حوالي 550 ق.م.  كان رياضيا وفلكيا  ’من أهم  القضايا الفلسفية التي طرحها  هو ما أصل الوجود؟ وافترض في جوابه أن الهيولى الأولى لهذا الوجود هو الماء .
 ويعطي أرسطو  تفسيرا طبيعيا لهذا الافتراض  هو أن  طاليس استشهد  في رأية بملاحظاته ومعاينته للأشياء الرطبة’ ولاحظ في الجزر الأيونية  أن النبات والحيوان والإنسان  في حاجة  دوما إلى  الماء ’  ولا يمكن إن تستمر  الحياة بدونه.
 أما  أنكسماندرس  فقد ازداد حوالي  610ق,م  وكان  لازال على قيد الحياة في عام 546 ق.م. سؤاله الفلسفي  هو ما  الهيولى  الأولى التي  منها  جبلت  الأشياء ؟ فكان جوابه هو  اللامتناهي- الأبرون  بخلاف انكسمانس  الذي رد أصل الوجود إلى الهواء بتكثفه و وتخلخله . إلا  أن انكسمانس  لم يهتم بأصل الوجود  فقط ’ بل  اهتم  كذلك  بتنظيمها .
يرى  كولنفورد أن انكسمانس  قد خطا خطوة  إلى  الأمام  ابتعد فيها  في تفكيره عن   معاصريه (طاليس وانكسماندرس) واتجه إلى علم يمثل علم الفيزياء  ولم يكن قد عرف بعد. فهو تبعا  لتصور  الأيونيين  لا ينتمي إلى  المدرسة الأيونية  ولكنه يعد  همزة وصل  بينها وبين المدرسة الفيتاغورية. فهو لم يعد يهتم بالسؤال ما الشيء الذي صنعت منه كل الأشياء  فقط  وهو السؤال الأساسي  عند طاليس وعند انكسماندرس ’ بل أصبح السؤال عنده مغايرا :  لماذا تسلك الأنواع المختلفة من الأشياء سلوكا مختلفا؟ وهو نفس السؤال الذي واجهته الفيزياء لاحقا(1) وكان جوابه  أن الشيء الذي  صنعت منه الأشياء يتعرض  لتنظيمات مختلفة في المكان(2) وهو الانتقال من  تصور  الجوهر إلى تصور التنظيم .تصور  المادة إلى تصور شكلها وتنظيمها  في الطبيعة.
يقول  عنه . رسل : كان أعلى منزلة من القدماء’ ولقد كان له أثر هام في فيتاغوس                                   كما كان له التأثير في جانب كبير من التفكير الفلسفي الذي ظهر بعد ذلك وبالذات في الذريين. (3)
إذا كان انكسمانس يعد همزة وصل بين  المدرسة الأيونية والمدرسة الفيتاغورية  فما هي  مظاهر تفكيره في فكر فيتاغورس معلم ساموس  وأتباعه’ وفي أفلاطون صاحب نظرية  عالم المثل  ؟
كانت المدرسة الأيونية  شغلها  الشاغل في أول الأمر  هو إرجاع  شتات الظواهر  الطبيعية  إلى مبدأ واحد  أو إلى بعض المبادئ  يمكن من خلالها تفسير  ما يجري في  الطبيعة  لكن بجانب البحث عن اصل الأشياء  بدأ  البحث  كذلك  عن تنظيم الأشياء كما كان الشأن عند انكسمانس . أما فيتاغورس  فتصوره حول نشأة  العالم  فهو ينطلق  من اكتشافه عن إمكان   وجود علاقة بين  الموجودات الطبيعية والأشكال الهندسية.  
 إن اختلاف الإشكال في الطبيعة  من حيث الكيف  يرجع إلى الاختلافات في التكوين الهندسي . وبهذا الطرح  ’ يقفز على البحث عن نوع المادة الأولى للأشياء . ويصل تحديد علاقة الشكل (الصورة) بالهندسة (بالرياضيات ).
فطبيعة الأشياء لم تعد ترجع إلى تحديد جوهرها ’ بل إلى شكلها الهندسي  عند فيتاغورس . فالعلم الطبيعي عند الفيتاغورين يفسر سلوك الأشياء بالرجوع بها  إلى صورتها وليس إلى  مادتها  بل  إلى شكلها  الهندسي والرياضي . فالموجودات عند الفيتاغوريين لها شكل أو هيئة  وهذه النقطة بالذات أصبحت تدل عند أفلاطون على المثال   وعند أرسطو على الصورة (4)
 فالفيتاغورية كان لها الفضل في  ابتداع  مفهوم المثال  واستعماله من قبل أفلاطون . لقد انصرف الفيتاغوريون  عن البحث في المادة التي تتكون منها الأشياء  وانتبهوا  إلى أن العدد والشكل الهندسي  هو حقيقة الأشياء  وكان لتفسيرهم الرياضي  أثر كبير  في فكر أفلاطون (5).
إذا كان الأوائل قالوا برد الكثرة إلى الوحدة  والى مبدأ ثابت ’ فان هيراقليطس قال  بالتغير والسيلان(الصيرورة) .  وهناك من قال  إن الإنسان هو  مقياس كل شيء  (السوفسطائيون). أما سقراط فقد قال إذا كان هناك تغير في الأشياء فانه في عالم الكون والفساد أي في عالم الحس.  أما في عالم  المعقول ’ فهناك أمور ثابتة أو ماهيات (يقصد ة بها القيم الأخلاقية) . فالخير خير  في كل مكان  وفي كل زمان  ولدى جميع الناس والشر كذلك.(6)
ويأتي أفلاطون ليوسع هذه الأفكار  ويتعمق فيها ويضيف إليها طابعا نسقيا  وتتجلى   نسقيته في  نظرية عالم المثل .  فما هي المثل؟ وما هي نظرية المثل؟ (سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في المقالة  الموالية ).
خلاصة
 انطلقنا من أسئلة فلاسفة المدرسة الأيونية :أسئلة  حول أصل الوجود . وكان جوابهم هو أن  أصل الوجود هو مادة  عبر عنها كل واحد منهم  برؤيته الخاصة للعالم  ولمعاينته للأشياء  . إلا  أن انكسمانس  أضاف قيمة جديدة  إلى فرضيات معاصريه . أضاف سؤالا  فيزيائيا (علميا ) :   كيف  تنظم الأشياء ؟ كيف تنظم الموجودات في الطبيعة  ؟ هذا التنظيم  للموجودات هو الذي  صوره فيتاغورس في قالب هندسي . فالأشياء منظمة في الطبيعة وفق  أشكال هندسية  وبالتاي لها تفسير رياضي وبكيفية تناسبية . فالعالم عدد ونغم وتناسب .
هوامش
                                                    (1)مصطفى النشار. فكرة الألوهية عند أفلاطون  ص46 
      (2)  ن.م. ص 46
(3) ن.م ص46
('4) ن.م. ص46
(5) ن.م.ص66
(-6) ن.م.ص107






                               

المقالة الثالثة :علاقة فيتاغورس بأفلاطون وبنظرية عالم المثل
                                                          ذ .بوعزة ساهل
 طرحنا  في  نهاية مقالة سابقة بعنوان أنكسمانس وتأثيره على المدرسة الفيتاغورية  ما هي المثل ؟ وما هي نظرية عالم المثل؟وما علاقة  فيتاغورس بأفلاطون؟
وقبل  محالة الإجابة عن هذه الأسئلة  نشير أن الغرب مازال يعتبر عقل أفلاطون عقلا مهذبا لعقل فيتاغورس . يقول وايتهد : إن الأهمية لمفكر  متفرد تعزى بعض الشيء  إلى المصادفة لأنها تعتمد على  مصير أفكار في  عقول تابعيه  ومن هذه الناحية  فان فيتاغورس  كان محظوظا . فتأملاته تصل إلينا من خلال عقل أفلاطون , فعالم المثل الأفلاطوني  يعد تهذيبا وصورة منقحة  لمبدأ فيتاغورس  في أن العدد يعد أساس العالم الحقيقي (1).
  فلنتوقف وقفة تأملية مع  أفلاطون ونظر يته في عالم المثل ونبدأ ب المثال .
فالمثال هو صورة الشيء الذي يمثل   صفاته  والقالب أو النموذج الذي  يقرر على مثله . ولفظ  ايدوس  أو ايديا  في اللغة اليونانية العادية كانت  تعني هيئة  أو شكل  أو طريقة , وغالبا  ما استعملت بمعنى  الشكل لدى  أفلاطون . وقد ظهرت الكلمة في فيدون بمعناها الفلسفي . فعندما يتحدث أفلاطون عن المثل أو الصور فهو يشير إلى المحتوى الموضوعي لها  مستندا إلى  تصوراتنا الكلية وفي تصوراتنا الكلية  تختزل تلك الجواهر التي  أطلق عليها أفلاطون  اسم المثل. وفي اللغة الانجليزية والفرنسية استعملت  بمعنى idea وtype. وفي اللغة العربية بمعنى الصورة وهي بعيدة عن الكلمة الأصلية اليونانية (2)
إما نظرية المثل فهي تعود  بالدرجة الأولى إلى فلسفات هيراقليطس وفيتاغورس وسقراط وبارميندس. فهيراقليطس قال بالتغير والسيلان الدائم(الصيرورة) وأن المعرفة  ممكنة وموجودة  لكن ليس في العالم  المحسوس ’ ذلك ما أخذه عنه أفلاطون (3). أما سقراط  فكان  يحاول الوصول  إلى تعريفات كلية ثابتة للتصورات  الأخلاقية  والطبيعية  وأضفى عليها  طابعا نسقيا (4) إما  الفيتاغورية فكان لها الفضل  في ابتداع  تصور واستعمال  كلمة المثل  من طرف أفلاطون ’ وانتهت  إلى أن العدد  والشكل الهندسي هما حقيقة الأشياء ’ وكان  لتفسير الفيتاغوريين  الرياضي أثر  عميق في فكر أفلاطون .
يؤكد كارل بوبر popper K.   انه لا يمكن  فهم نظرية المثل  فهما صحيحا إلا إذا فهمناها  في ضوء العلم الإغريقي  السائد آنذاك  وبالتالي العلم الفيتاغوري (5). وبالفعل  هناك علاقة بين  القضايا  الفلسفية والقضايا  العلمية ’ فكثير من  النظريات العلمية نجد  لهل جذور في الفلسفة وكثير من النظريات الفلسفية يكون أساسها علميا.
فأفلاطون في نظرية المثل رتب  مثله ترتيبا  منطقيا وميتافيزيقيا وكذلك هرميا  من القاعدة إلى القمة  وعلى رأس الهرم مثال الخير .وبجانب  المثل الأخلاقية والطبيعية  هناك مثل رياضية كالواحد والثنائية والتثليث والطول والعرض والعمق  . وهي مثل تعتبر بمثابة مثل وسطى بين المثل الحقيقية و المحسوسات (الأشباح ).
 وبالنسبة للأعداد المثالية يعد  الواحد على رأس قمة هذه الإعداد على غرار  مثال الخير . لكن ما علاقة الواحد  بمثال الخير ؟ وبالإله  الصانع  لدى أفلاطون ؟ ما علاقة  المثل  ببعضها  البعض؟ ولأي دور  للرياضيات في نظرية المثل؟  ما علاقة المثل بالعالم المحسوس؟
لقد قسم أفلاطون العالم إلى عالمين : العالم العلوي والعالم السفلي الأول عقلي والثاني فاسد ومحسوس . وفي العالم المعقول توجد مثل أفلاطون.وهي مثل ثابتة وأزلية. أما العالم السفلى  فما هو إلا  عالم الكون والفساد وعالم الأشباح الفانية .
ففي محاضرة لأفلاطون  بعنوان فكرة الخير نقلها أرسطو ؟؟؟؟؟؟؟ ين قيها الأشياء المحسوسة والمثل العقلية   والمتوسطات الرياضية  بل أضاف إلى هذه الأنواع الثلاثة للموجودات نوعا  رابعا  من الموجودات  تأتي بعد  الأعداد والمثل . وهذه الموجودات هي أقل في الدرجة من الأعداد المثالية وتتضمن ماهيتها :الامتداد كمثال  الخط المستقيم . وقد جعل  أفلاطون  لهذه الأطوال المثالية مبدأ مادي  هو صورة الكبير وصورة الصغير وبالنسبة للسطح نجد الضيق والعريض وبالسبة  إلى الحجم نجد  العميق والسطحي . وقد جعل أفلاطون أيضا لهذه الأطوال مبدآ الحجم (6).
  فحسب نظرية المثل الأفلاطونية نستطيع  تنظيم الوجود بدءا من الواحد بالإضافة الثنائية اليه.   فتتكون  مجموعة الأعداد المثالية التي تتضمن  الطول  والعرض والعمق التي توحد المثل الأفلاطونية (7). وبعد  هذه المثل تأتي المتوسطات الرياضية وهي مثل في مرتبة وسطى  بين المثل الحقيقية  والمحسوسات.
لقد أخذ أفلاطون عن  علم الفيزياء الفيتاغوري مفهوم الشكل أو الهيئة أو ما سماه ب  المثل . وأخذ  بنظرية الأعداد الفيتاغورية التقليدية سر الأعداد :الناقصة والزائدة والكاملة والمتحابة .بل  الأهم من ذلك هو انه ا تخذ بالمنهاج الرياضي  المبني  على  الفروض.
 ففي منهجه الرياضي(الصاعد والهابط) يوظف أفلاطون الرياضيات  كوسيلة للصعود إلى المثال المفترض  كمثال الخير  أو الجمال    لبناء معرفة حقيقية  وعلى اليقين بدل الظن  والأوهام
يعرف أفلاطون  منهج الجدل (الدياليكتيك) في الجمهورية بأنه المنهج الذي  يرتفع به من المحسوس إلى المعقول  والانتقال به من فكرة إلى أخرى  بواسطة  فكرة ثالثة أو من شرط إلى أخر اعلي.  فالمعرفة عند أفلاطون  تبنى بواسطة فروض ومنهج يهدف من خلاهما  في النهاية إلى تحقيق الخير(8)
وللجدل عند أفلاطون طريقتان :  طريق صاعد  ينطلق فيه من  الكثرة إلى الوحدة  المعقولة وطريق هابط  ينطلق فيه من الوحدة إلى الكثرة المحسوسة .
ففي منهجه يضع أفلاطون فرضا  أوليا هو وجود مثال معقول ثم يحاول أن يبرهن عليه وان يحكم عليه حكما عقليا عن طريق الصعود إليه. ودراسة الرياضيات لدى أفلاطون كانت وسيلة  لغاية ما والغاية هنا هي الصعود إلى مثال الخير . وبهذا المعنى كانت الرياضيات تدرس في الأكاديمية (9).
سؤالنا : ماذا أخذ العرب والمسلمون عن فيتتاغورس ؟ هل الرياضيات كمنهج وكوسيلة  لغاية ما ؟ أم  اخذوا عنه الرياضيات  البحثة  كمبرهنته  الشهيرة ؟ أم بسر الأعداد الفيتاغورية التقلييدية؟

هوامش
(1) مصطفى النشار . فكرة الألوهية عند أفلاطون   ص308
(2) ن. م  ص 308
(3) ن.م  ص 104 وما بعدها
(4) الجابري . العقل الأخلاقي العربي.المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1    ص308
(5)أميرة قطر  الفلسفة عند اليونان .ص169  عن مصطفى النشار  فكرة الإلوهية عند أفلاطون .مصدر سابق . ص107
(6)مصطفى النشار . فكرة الإلوهية . مصدر سابق ص126
(7) أميرة مطر . الفلسفة عند اليونان مصدر سابق ص169 
(8) مصطفى النشار  فكرة الإلوهية مصدر سابق ص124
(9) ألان نادو .   عبدة الصفر.   ص64





المقالة الخامسة :  قراءة في كتاب  نظرية العقل للدكتور جورج طرابيشي
  
                                                      ذ .بوعزة ساهل- مهداة لقراء  الدكتور                                                   
                                                                 محمد عابد الجابري .


مقدمة
         كقارئ ومتتبع  لمشروع محمد الجابري ’ سمحت لنفسي  بحكم هذه المتابعة  القيام بقراءة  في كتاب نظرية العقل لجورج طرابيشي لأن قارئ  الجابري  هو قارئ طرابيشي . ويعتبر الكتاب  بداية مشروع  لنقد نقد  العقل العربي  الذي  جاء ردا على  نقد العقل العربي .
    يعمد طرابيشي  إلى تفكيك  مجموعة من  الإشكالات طرحها الجابري  في مشروعه كإشكالية  العقل المكون (بكسرة الواو وتشديده) والعقل المكون (بفتح الواو وتشديده)  وإشكالية التفكير في العقل والتفكير بالعقل ’ وإشكالية  التصنيف الثلاثي  للأنظمة المعرفية : النظام البياني والنظام ألعرفاني ثم النظام ألبرهاني ’ وإشكالية   العقلانية المغربية  واللاعقلانية  المشرقية’ وإشكالية الضدية الابستمولوجية ما بين العقل  العربي  والعقل الغربي (اليوناني و الأوربي الحديث).
فجورج طرابيشي يتهم الجابري  بتشويه  لصورة المشارقة  كما شوها قبله هيغل لأن  المشارق في رأيهم لم يمارسوا التفكير  في العقل  ’ بل اكتفوا  بالتفكير بالعقل عكس المغاربة (الغرب الإسلامي) .
  ففي هذه القراءة  سنتوقف على  هذه الإشكالات  وعلى هذه الاتهامات مع استعراض  ما غيبه الجابري وما سكت عنه ’ وما  استحضره  جورج طرابيشي .
 فالكتاب   يتضمن  مقدمة  وخمسة  فصول وهي :
-         الفصل الأول  ويتناول نظرية العقل عند الجابري
-         الفصل الثاني ويتناول  التوظيف المركزي  ألاثني  لنظرية العقل
-         الفصل الثالث ويتناول  هجاء العقل العربي
-         الفصل الرابع ويتناول  تطور مفهوم العقل في الحداثة الأوربية
-         الفصل الخامس ويتناول  العقل والحداثة .
يقول طرابيشي  في تقديم الكتاب :  استغرق مني  الإعداد لهذا العمل  ثماني سنوات ’ فكان علي أن اقرأ كل ما قرأه الجابري ولا   كل  ما  قرأه  أو صرح أنه قرأه  فحسب ’ بل كذلك ما لم يصرح انه  قرأه   وما  كان يفترض انه قد قرأه.
وقف طرابيشي على  المفاهيم المركزية التي اشتغل عليها الجابري  خاصة مفهوم العقل . فالجابري   ليس   اول من  استعمل  هذا المفهوم’    ومع ذلك فالجابري  هو وحده الذي استأثر دون  من تقدمه بامتلاك حقوق  ملكية التعبير   وبامتياز تمثيل   العقل العربي  تحليلا  ونقدا وترويجا للمفهوم  بما هو كذلك في المجال التداولي  للثقافة  العربية المعاصرة (ص11) . وإذا كان الجابري  وحده سجل  وحفظ وامتلك حقوق التعبير عن العقل  العربي  بامتياز فان طرابيشي  اعترض على هذا السجل وهذا الحفظ وامتلاك هذه الحقوق  ’ واعتبر نفسه و وريثا  شرعيا  له الحق في  الطعن   في الحكم   بل مطالبة  استئناف الدعوة ومتابعة من شوه سمعة المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها  مع حضور الشهود والحجج القانونية والشرعية والتاريخية والفكرية ... مطالبا بحقوق المشار قة من بابليين  وكالدانيين و مصريين قدامى وصينيين و حتى الارمين والفرس .
فالجابري في التأسيس لمشروعه طرح عدة أسئلة في كتابه الأول للمشروع  أهمها : ما طبيعة العقل  العربي بوصفه أداة للتفكير ؟فكان  الجواب  عند لالاند في كتابه العقل والمعايير الصادر سنة 1948 الذي يميز فيه بين العقل  المكون(=العقل الفاعل والعقل السائد) إلا أن تعريف  العقل المكون  هو الملكة التي يستطيع بها كل إنسان من إدراك العلاقات لا وجود  لها  عند لالاند في كتابه  المذكور ولا في كتاباته إجمالا  وإنما هو تعريف لبول فوكييه مؤلف معجم اللغة الفلسفية وهو المسكوت عنه (ص14).
فالعقل  الذي يتكلم عنه لالاند  هو عقل توحيدي  عكس صاحب  نقد العقل العربي  الذي قسم الذي قسم العقل العربي الى  عقول : بياني وعرفاني وبرهاني . فهو بدل من ان يوحد هذه العقول  أقام حربا  ضروسا بينها .
 فكان   انتصار   العقل  ألبرهاني  ابستمولوجيا على العقلين البياني والعرفاني . وعلى المستوى الاديولوجي ’فكان انتصار العقل   السني  على العقل الشيعي ’  وجغرافيا انتصر العقل  بالمغرب والأندلس عقل  المشارقة.
 يقول طرابيشي :  إن الجابري تورط في صراعات وحروب  أهلية  وفوت على نفسه فرصة لتطوير  موقف نقدي  ’ وبالتالي  فهو يحصر نفسه في  مركزية أثنية حضارية (ص24).
 ومن بين المرجعيات التي اعتمد عليها  الجابري : دروس  في تاريخ الفلسفة  لهيغل  الذي قسم العلم إلى  عالمين :
احدهما تاريخي  والأخر  اللاتاريخي ’ واعتبر  الفكر الغربي  كفكر  للعالم ’ وفي  القمة  فكر  الدولة  البروسية الألمانية.  وفي المقابل قسم الجابري  الوطن العربي إلى   عالمين : 
عالم يفكر بالعقل والأخر يفكر في العقل  مع إقصاء  الحضارات الأخرى  غير العربية وغير اليونانية والأوربية .
يقول الجابري نفسه : إننا  عندما  نتحدث عن العقل العربي ’ فنحن نميزه  في  نفس  الوقت  عن العقل  اليوناني  والعقل الأوربي  الحديث (ص 26). فهو يرى أن هذه العقول الثلاثة هي  التي  أنتجت  ليس فقط  العلم ’ بل  أيضا نظريات في العلم . ويقول كذلك : إنها  في حدود ما نعلم التي مارست التفكير في العقل ’ إنهم مارسوا التفكير النظري العقلاني منفصلا عن  الأسطورة و الخرافة ... (ص26).
  وكمنهج  استحضر طرابيشي ما غيبه  الجابري  وغيب ما استحضره وصولا  إلى  سؤال : من قام بالتفكير  في العقل ’ ومن  قام بالتفكير  بالعقل في  الحضارات اليونانية  والأوربية الحديثة  والعربية في كل من المشرق والمغرب ؟
  يغيب  الجابري حسب طرابيشي  العلوم في الحضارات الشرقية (يغيب العقل كفاعل ) ويستحضر  السحر  الذي يمثل  نموذج  التفكير اللاعقلاني . فالسحر  هو العنصر الأساسي في بنية  عقل هذه  الحضارات ’ وفي المقابل يستحضر طرابيشي  الجانب العلمي  الذي غيبة الجابري  في هذه الحضارات . يرى طرابيشي أن جميع الكتب  التي  اهتمت بالعلوم القديمة في الحضارات  الشرقية  تتفق  على انه  كانت   هناك علوم بمعنى الكلمة  ’  وفي ميادين شتى. ويستشهد بمؤرخ العلم في العالم القديم بنيامين فازنغتون  وبجورج رفي  في كتابه ما بين النهرين  (ص 36) وبارتر  للوين باشام البريطاني  رئيس    قسم  الحضارات  الأسيوية  في جامعة  كانبرا  والمعروف  بكتابه  حضارة الهند القديمة (ص'42).
 وإذا كانت الحضارات  الشرقية في نظر الجابري  تتسم  باللاعقل  وان االسحر هو العنصر   الأساسي في بنية عقل هذه الحضارات فان جورج طرابيشي  يستشهد يصاحب المقدمة (وشهد شاهد من أهلها) و أحد ممثلي  العقل  في الحضارة العربية الإسلامية . ففي الفصل  المخصص لعلوم السحر و الطلسمات يقول  ابن خلدون : واعلم ان  وجود السحر لا مرية  فيه بين العقلاء من  اجل التأثير الذي ذكرناه’ ونطق به القران :  ولكن الشياطين كفروا يعلمون  الناس  السحر ...( البقرة – 102).  ثم   يقول : وسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل له انه  يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحر في مشط ومشاقة ودفن في بئر دروان ’  فانزل الله  عليه المعوذتين في العقد ...(46).
أما عن الحضارة اليونانية فقد استشهد طرابيشي  ب .أ ردوس  أستاذ الهلينيات في جامعة اوكسفورد صاحب كتاب الإغريق واللامعقول..فهو يرد فيه على القائلين بان الإغريق شعب يسري في عروقه وبالفطرة  دم العقلانية  يقول : إننا نستطيع أن نعزو اليونانيين القدامى مناعة ضد أنماط التفكير  البدائي   وهي مناعة  لا نلتقيها أصلا لدى  مجتمع يقع تحت ملاحظاتنا  المباشرة (46). ويستشهد بالبروفسور مارتن نلسون عميد جامعة لزندا السويدية واحد كبار الاختصاصيين في ديانة الإغريق يقول : لامناص في التسليم والاعتقاد بالسحر والشعوذة  كانت  عامة للغاية وواسعة الانتشار في  العصر الكلاسيكي (ٌق.5 .ق.م . ) (ص47).
  ويستشهد طرابيشي  بمؤرخ عصر بريكليس الذهبي  عند  ظاهرة تحديد  الممارسات السحرية  ولرد اللاعقلانية  التي ضربت اثبتا غداة الحروب البيلونيزية و الذي دفع ثمنها فلاسفة الأنوار إعداما وسجنا ونفيا (47).
   نحن لسنا من أصحاب ذوي الحقوق الذين يطالبون بإنصافهم وإنصاف إبائهم وأجدادهم والاعتراف لهم بانتاجاتهم الفكرية والعلمية وهي ميادين شتى ’ لكن  لا نقول   إن  لحضارات الشرقية  خالية من  السحر و  الخرافة ’ ولا نقول إن  الحضارات اليونانية والأوربية  الحديثة والعربية  وحدها  أنتجت المعرفة العلمية  والفلسفة العقلانية  ولا نقول  ان هذه الحضارات  الأخيرة  كانت  خالية من السحر والخرافة  والتعويذات ’ فجميع  هذه الحضارات مارست  التفكير بالعقل وبدرجات متفاوتة .
يستخلص طرابيشي  من  خلال قراءته لنقد ا لعقل العربي المسلمتين التاليتين :
1-التفكير  في العقل  درجة في المعقوليةأسمي من التفكير بالعقل.
2-العرب واليونانيون والأوربيون وحدهم مارسوا التفكير  في العقل  .
 ومن خلال هاتين المسلمتين  توصل الجابري إلى  النتيجة   التالية وهي :
دورالعرب و واليونانيين و الأوربيين من المعقولية أعلي  من  درجة  الحضارات  القديمة من  مصريين  قدامى  وبابليين وهنود ... (ص70).
نحن إمام إشكالية  مبنية على  التفاضل والإقصاء : إشكالية مبنية على  الحضور  الغياب .   والغائب هنا  هو  الموضوعية .  هل لا شأن للعقل غير أن يفكر في نفسه ؟  هل  نبقى سجناء لفكر عصر  ديكارت و كانط وهيغل ؟ألم يصبح  العقل تابعا للعلم ابتداء من بداية القرن العشرين مع التحولات التي  أحدثها لوي دوبروي  وهيزنبيرغ وريمان واينشتين وماكس بلانك ؟
  يقدم طرابيشي  شواهد وحججا  لدحض ما يفترضه أصحاب النزعة المركزية الأوربية ومن تبنى أطروحتهم . تؤكد هذه الحجج انه بجانب العرب الذين مارسوا التفكير في العقل في العصر الوسيط فان المعطيات  التاريخية  تؤكد إلى جانبهم كان الفرس  والأرمن.  نكتفي بما قاله  صاحب المقدمة : أين تراث وعلوم الفرس  التي أمر  بها الخليفة عمر بن  لخطاب بمحوها عند الفتح ؟
 ويستخلص طرابيشي   أن  الجابري طرد جميع  العقول الحضارية جارح المثلث الذهبي (اليونان – العرب – الأوربيون) واستبعد الشرق كله خارج دائرة   العقل  مع  إقصاء العقل المشرقي والدفع به    نحو  دائرة حضارات  اللاعقل  مقابل احتضان العقل  ا لمغربي  والدفع به نحو حضارات  دائرة المفلسة والعلم والمنطق('ص119).
تلك هي أهم  المصادرات  الابستمولوجية ة التي بنى عليها الجابري  مشروعه نقد   العقل العربي  يقول طرابيشي : فلا  يستقيم للجابري  مشروعه ما لم   يدخل  العقل العربي  إلى حلبة التباري  رغم عدم  التكافؤ (193) .
 ركزنا بالدرجة  الأولي  على أهم الاشكلات التي طرها الجابري في مشروعه  نقد العقل  الغربي ومحاولة طرابيشي  لدحضها  ’ وهل رد  طرابيشي    الاعتبار إلى المشارفة حقوقهم المهضومة  كما يدعي  .؟
على سبيل الختم
بعد قراءتنا  لمشروع الجابري(الأجزاء الأربعة ) ’وبعد متابعتنا لمسيرته الفكرية ’ وبعد  قراءتنا لكتاب نظرية العقل للدكتور طرابيشي (اللبناني) نستخلص أن الإشكالية العامة  التي  يثيرها  كل من الجابري (المغربي ) وطرابيشي هي اشتالية تدخل في  إطار الصراع التقليدي  بين  المشارقة و  المغاربة . صراع بين اصل وفرع : بين بنيتين فكريتين   متقابلتين ’ بل بين مشروعين  ثقافيين : الأول تمثله سلسلة   الفارابي وابن سينا  والغزالي  والثاني يمثله  كل من ابن حزم وابن باجة وابن طفيل وابن رشد    والشاطبي ...
المشروع الأول تحكمه  إشكالية التوفيق بين  العقل والنقل : بين   الشريعة والحكمة  نتيجة تصادم  العرب  بثقافة  الفرس  وثقافة الإغريق . والمشروع الثاني   تحكمه  إشكالية الفصل  على مستوى المنهج واليات التفكير  والتصور للقضايا المطروحة .
ففي هذا السياق يقول الدكتور  فهمي جدعان (التراث والحداثة ط1 .1991.ص329) في إحدى  المحاورات  الفكرية مع ب؟؟؟  الكويت سنة 1989 يقول :
وفي اعتقادي إن من حقك  علي إن أبارك بالحديث لأقول :  إن لقاءنا هنا يختزل  في عيني صورة لقاء المشرق  بالمغرب  ويثير في شجون  الوطن العربي   الذي راودت وحدته عقول أجدادنا  وأفئدتهم ’ وهي تر اود اليوم  عقولنا  نحن وأفئدتنا .
 لقد كا ن   ذلك حلما دائما  لم يبدده  تزامن خلافتين  أو أكثر في إرجاء  المشرق والمغرب  في هذه الفترة  أو تلك  . واليوم نحاول أيضا أن نحول شيئا فشيئا عبر حقول الألغام والهموم  والآلام...هذا الحلم  الكبير إلى واقع ...  ربما لا تكون فائدتنا الوحيدة  أنها   تكسر  حواجز التشتت والتفرق وتنسج خيوط حلم عزيز علينا  في   المشرق وعزيز عليكم في المغرب
إني أتحدث مع صاحب نظرية  في العلاقة  بين المشرق والمغرب وهي نظرية لاتسر  المشارقة  كثيرا وكان  عند  بعض   كتابهم صدى غير محمود’ فقد انتهى  كثير من  قرائك  إلى انك قد كرست ضربا من ا لقطيعة بين المغرب والمشرق معرفيا (ابستمولوجيا ) بين جناحي الوطن العربي وقلت إن ثمة مشروعين كبيرين احدهما نسبته إلى المشرق ممثلا في ابن سينا وثانيهما  نسبته إلى المغرب  ممثلا  على وجه الخصوص بان رشد.
ولقد ذهبت فعلا إلى أن ما سميته المشروع المشرقي : غنوصي  لاعقلاني  ..  بينما  المشروع  المغربي  هو مشروع ذو طابع عقلاني ... وانه لاسبيل إلى الجمع ببينهما .
إن هذا النص على طوله يشخص في رأينا لقاء  جناحي الوطن العربي. فلكل من  طرابيشي وفهمي جدعان (ممثلا المشرق) والجابري( ممثل المغرب ) مرجعية فكرية  ينطلق منها  وإشكالات لها  خصوصيات معينة ’    لكن علاقة  المرجعيتين والإشكاليتين  لن تصل  إلى حد  التعارض ’ بل إلى التكامل. فكل جناح من  جناحي الوطن   العربي يكمل الأخر . فالقطيعة التي تكلم عنها الجابري  هي قطيعة معرفية وإجرائية وليست في  التاريخ وفي اللغة وفي الدين.





شعر
                 أحبها وتحبني       وتحب ناقتها بعيري        (شاعر جاهلي )
________________
              
سمفونيا
أنت ...
أنت  الياسمين’  أنا الريحان
أنت الأمل ’    أنا الأمان
أنت الدم ’     أنا الشريان
أنت  النبضات ’  أنا الوجدان
 آنت المطر ’   أنا  الوديان
 أنت  الخيال ’   أنا الزمان
 أنت  السمفونيا ’  أنا  الكمان
 أنت البتهوفن ’   أنا السكران
أنت  الربيع  ’   أنا  الهيجان
أنت سوزان ’  أنا إحسان  
 آنت البلور ’  أنا الرجفان
gggf                                             بوعزة ساهل



قولوا للسياب

قولوا  للرحمان
ها يعرب في المحن
قولوا للرحمان
ها النزول فيه الندم
 أ تساوى  عبد الغفار والشيطان؟
 أتساوى الإثبات والنكران ؟
قولوا للسياب
قولوا للسياب  
 ها نحن  معك في العذاب
 قولوا للسياب
 ها نحن معك شيبا وشبابا
  قولوا للسياب
 ها دمي ’  ها  يدي ’وحتى الأنياب
ها قلمي ’ لأكتب ...
متران   وبوش  ووو... كلهم كلاب
قولوا لحلب
فيك الأشبال ’ فيك  الرجال
 وحتى الكلاب
قولوا  ل...أ هو مريض آم سكران؟
 أهو مع بوش  أم مع السياب ؟
أهو مع   الشرق أم مع الغرب أم مع الكتاب؟
 أيدخل التاريخ ؟ وبدون عقاب ؟
                                            ساهل : 12-9-91


حلم الخيميائيين او من مفهوم الخيمياء  الى  مفهوم الكيمياء
                                          ذ.بوعزة ساهل

         "  ما من طبيعة إلا وهي  مجذوبة  بطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا  وهي مقهورة لطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا وهي  تهيمن على طبيعة أخرى "
                                    نص  هرمسي  للساحر والوستانس(الجابري . ب.ع.ع.  ص182 )

مقدمة  
    كثيرا ما  يحلم المرء بتحقيق مشروع طالما راوده في حياته ’ وقليلا ما يتحقق ذلك  الحلم  قبل وفاة  صاحبه ’ وان لم  يتحقق  وقتئذ  ’ يبقى  معلقا  إلى أن تأتي أجيال لاحقة  فتعيد النظر   في ما جاء في ذلك المشروع . فإما أن يقبر  إلى الأبد  بسبب غياب الشروط الموضوعية : تاريخية – اجتماعية – ابستمولوجية... وإما أن يتطور ويخرج إلى حيز الوجود . ومن بين الحالمين  "الخيميائيؤن"   الذين طالما راودهم حلمهم بتقليب  معدن ما   إلى  ما هو  أشرف كتقليب القصدير إلى نحاس ’ وكتقليب الفضة إلى ذهب  . وهل تحقق  لهم ذلك مع  تطور  التقنيات التي  ظهرت مع العلم الحديث  ’ ومع الثورة الفيزيائية التي ظهرت مع بداية القرن العشرين ؟
تعريف علم الخيمياء عند القدامى
    هو علم قديم  مهد الطريق   لعلم الكيمياء الذي أسس له علماء القرن الثامن عشر خصوصا  مع لافوازييه .    ويعتبر من العلوم السحرية الباطنية المتأثرة بالهرمسية ( نسبة إلى هرمس ) . وكان يقال  له في مدرسة الإسكندرية "علم الصنعة " .  وسميت قديما بالسيمياء . والسيمياء  هي مجموعة من المعارف والأسرار التي تتعلق بتحويل المعادن الخسيسة إلى  معادن نفيسة .
 ويمتد جذور  السيمياء  قديما إلى الحضارات الشرقية  كالصين وبخاصة في الديانة الثاوية  التي استهدفت الطهارة الروحية ونيل الحياة الأبدية . وقد حاول أصحاب هذا الاتجاه  اكتشاف "إكسير " الحياة على غرار  أكسير الصنعة في السيمياء (1).
 أما ابن خلدون  فيعتبره  علما ينظر  في المادة  التي تتم  كون (بضم النون ) الذهب  والفضة  بالصنعة .  ويشرح طريقة العمل  للوصول إلى  ذلك. ثم يشرح الأعمال التي تخرج  بها تلك  المادة  من القوة إلى الفعل  .
  وفي زعم أهل  الحرفة  ’أنه يخرج  بصناعتهم   جسم  طبيعي  يسمى "الإكسير " وانه يلقى منه  الجسم  المعدني  المستعد لقبول  صورة معدن ثمين  ويسمونه  في اصطلاحهم  ب " الروح "  (2)  . ومن بين المدونين  في هذا العلم  جابر بن حيان ’ حتى سمي  باسمه "علم جابر " (3) وله فيها  سبعون رسالة  كلها  شبيهة بالألغاز  (4). وزعموا  أنه لا يفتح  مقفلها  إلا من  أحاط  علما بجميع  ما فيها  . وللصرغاني   وهو من حكماء  المشرق  المتأخرين  له فيها  دواوين  ومناظرات مع أهلها وغيرهم من  الحكماء (5). كما  كتب  فيها مسلمة  المجريطي  من حكماء  الأندلس  كتابه الذي سماه "رتبة الحكيم " وجعله  قرينا  لكتابه  الآخر  في السحر  والطلسمات  الذي سماه "غاية الحكيم ". وزعم أن هاتين الصناعتين  هما  نتيجتان  للحكمة وثمرتان  للعلوم . ومن  لم  يقف  عليها  فهو فاقد  ثمرة  العلم والحكمة  أجمع (6).
وينقل ابن خلدون رسالة ابن  بكر بن بشرون لأبي السمع  وكلاهما  من تلاميذ   مسلمة . وهي رسالة  مطولة  نقطف منها  أهم ما جاء فيها مع تفكيك بعض العبارات المعقدة . يقول ابن بشرون : "فقد قالوا : ينبغي  لطلاب هذا العلم ان يعلموا  أولا ثلاث خصال  أولها  هل تكون ؟  والثانية  من أي تكون ؟ والثالثة  من أي كيف تكون ؟ فإذا عرف  هذه  الخصال  وأحكمها ’ فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته  من هذا العلم " (7). 
فالخصائص  التي يجب معرفتها  حسب الرسالة هي أولا  البحث عن وجود المادة القابلة للصنعة  وهي الخصلة الأولى  . والخصلة الثانية هي البحث في طبيعة المادة  إن وجدت . هل هي مائية ؟ نارية ؟ ترابية ؟  هوائية ؟ آم   خليط لهذه العناصر  كليا أو جزئيا  ؟ وبأية  نسبة  عددية ؟ أما الخاصية الثالثة ’  فهل  هذه المادة في نوعيتها التي  تقبل الصورة  هي التي يمكن إخراجها من القوة إلى الفعل (الكامنة فيها) . وبلغة آبي بشر  أن من الأشياء ما يمكن تفصيلها  ومنها ما لا يمكن تفصيلها .فالتي  يمكن  تفصيلها تعالج وتدبر وهي التي تخرج من القوة إلى الفعل ’ والتي  لا يمكن تفصيلها   لا تعالج ولا تدبر  لأن فيها  بالقوة فقط  (8).
 ومن بين  القدامى من المسلمين الذين تكلموا في الموضوع  خالد بن يزيد بن معاوية  الذي خاب  في نبل الخلافة  فانصرف  إلى هذه الصنعة  التي آخذها  عن الراهب  مريانوس ثم على يد اصطفان . كما اشتهر  في هذا العلم  الرازي الطبيب  وله كتاب بعنوان "سر الأسرار. وتكلم في نفس الموضوع  أبو نصير الفا رابي وابن سينا . ومن بين الأسئة التي كانت  مطروحة  عصرئد ’ هل  المعادن السبعة القابلة للصنعة (9)  هي مختلفات  بالفصول ولكنها  أنواع قائمة بأنفسها ؟ آم أنها  مختلفة بخواص   في الكيفيات وهي كلها  أصناف لنوع واحد ؟ (10) . فالذي  ذهب أليه أبو نصير  وتابعه عليه  حكماء الأندلس هو إنما من نوع واحد  وان  اختلافها  إنما هو بالكيفيات  . والذي ذهب إليه ابن سينا   وتابعه حكماء  المشرق  هو أنها مختلفة بالفصول وإنها أنواع  متباينة ’ كل واحد منها قائم  بنفسه’ له فصل  وجنس ’ شأنه   شأن سائر  الأنواع . لقد بنى الفارابي  مذهبه في اتفاقها بالنزوع  وإمكان انقلاب  بعضها  إلى بعض ولإمكان  تبدل(بضم الدال وتشديدها ) الأعراض   وعلاجها بالصنعة  . فمن هذا الوجه  كانت  صناعة الخيمياء ممكنة . أما أبو علي الشيخ الرئيس فقد بنى مذهبه  في اختلافها  بالنوع  وإنكار هذه الصنعة  واستحالة وجودها  .
فابن سينا  القائل باستحالتها  كان وزيرا من أهل الغنى  والثروة أما الفارابي  القائل  بإمكانها  كان من أهل  الفقر    (11)..  والفقر  لا يفكر  إلا في  الغنى والمال.
   فالعلم الذي نحن بصدده و المبني  على التجاذب والتنافر  وترابط العناصر المكونة للمادة القابلة للتحويل من الخسيس إلى  ما هو اشرف يؤسسه المبدأ الابستمولوجي الذي  يتلخص في العبارات التالية التي قال بها والوستالس المجوسي : " ما من طبيعة إلا وهي  مجذوبة  بطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا  وهي مقهورة لطبيعة أخرى  ’ وما من طبيعة إلا وهي  تهيمن على طبيعة أخرى " (12).  فالعبارات الثلاث  تلخص  أنواع العلاقات التي تربط الطبائع الموجودة في المادة  . وحول هذه الطبائع خصص إخوان الصفا  فصلا من  الرسالة الخامسة من الكتاب الثاني له علاقة في بيان تكوين المعادن (13) من حيث التأليف  و التجاذب و التنافر و التعاطف يقولون : " اعلم ياأخي ان لهذه  الجواهر (المادية ) خواص كثيرة  وطباعها  مختلفة  . فمنها   الجواهر المتضادة  ’ومنها المتنافرة ’ ومنها  المتشاكلة والمتنافرة ’ ولها تأثيرات بعضها  في بعض  إما  جذبا  أو إمساكا  أو دفعا  أو نفورا ’  ولها أيضا  شعور  خفي  وحس لطيف  (...)  والدليل  على صحة ما قلنا  وحقيقة   ما وضعنا  قول الحكماء  في كتاب "الأحجار"  إن  طبيعة تألف  طبيعة’  وطبيعة تناسب طبيعة  أخرى و طبيعة  تلطف  بطبيعة ’ وطبيعة تأنس بطبيعة  ’  وطبيعة  تقهر  طبيعة ’ وطبيعة  تقوى  على طبيعة  وطبيعة  تلهب  (بضم التاء ) طبيعة   (...) ". كما أعطى إخوان الصفا أمثلة  لهذه الأنواع  من الطبائع  كتالف  الألماس و كتجاذب  حجر المغناطيس  والحديد (14). ولعل  ظاهرة الجذب ليست بجديدة  عند الأخوان ’ بل هي  قديمة كظاهرة الكهرباء والمغناطيس  التي لاحظها الإنسان    والتي تتميز بها بعض  الأجسام  كالعنبر  والحجر المغناطيسي : فالعنبر يجذب "التبن " وغيره من الجسام  الخفيفة  عندما يحك بقطعة  من الصوف . والحجر المغناطيسي  يجذب  الأجزاء الصغيرة  من "فتاة  الحديد  ". ويقول مؤرخو العلوم  إن طاليس  أول من  حاول إعطاء  تفسير  لهذه الظاهرة  ’ إذ قال  إن للعنبر والحجر المغناطيسي   "روحا " قادرة عل  جذب الأجسام  المجاورة (15) .
 فالعنبر  باليونانية يسمى  "الكترون "electricite   ’ أما الحجر المغناطيسي  فيسمونه "مانياس " ومنه كلمة magnetisme  (16) ’  ولما  جاء القرن  السادس عشر  ’ القرن الذي نشطت فيه العلوم التجريبية ’ كان الطبيب  الانجليزي GILBERT (1540-1609)  أول من اهتم بدراسة  خاصية الجذب . وبقي الأمر كذلك إلى أن  حل القرن السابع عشر  - قرن نيوتن-  وانطلاقا  من قانون الجاذبية ’ لوحظ  ان  الجسمين اللذين  لهما نفس  النوع  من الكهرباء يفترقان ’ في حين ينجذب الجسمان اللذان  لهما  كهرباء من نوع  مضاد (17).
  فمن التفسير الميتافيزيقي إلى التفسير  العلمي  الذي شقه فرانسيس بيكن ونيوتن وغيرهما  ’ والقفز  على محاولات جابر بن حيان  والرازي الطبيب  والفارابي وغيرهم  دون الوصول إلى  تفاسير  علمية  سواء في  علم الخيمياء  أو في غيرها من العلوم الطبيعية  مما يطرح سؤالا عريضا لماذا  ظهر العلم الحديث في الغرب ولم يظهر في العالم الإسلامي ؟
  بقي  علم الخيمياء  علما  استفرائيا ولم يرق إلى مستوى التنظير  والتعميم وبقي معلقا  بالخرافات  أبرزها  فكرة الفلوجستون phlogiston التي سيطرت على خيمياء  العلم الحديث قبل لافازييه   ’ وهي كلمة يونانية  وتعني النار أو الاحتراق.  والفلوجستون  كفرضية ’ شيء مشترك بين كل العمليات  الكيميائية  من احتراق وتكلس واستخلاص الفلزات من المادة (18).  وحتى العقد الثامن من القرن الثامن عشر  كان الفلوجستون  أساس الكيمياء  التي تدرس  في الجامعات  بدون تكميم  رياضي  حتى جاء  لافوازييه(1743-1794) فأثبتت له التجارب  أن الكبريت  والفوسفور  إذا احترقا  لا يقل  وزنهما  لأن الفلوجستون خرج منهما  ’ بل  يزيد مقدارا ضخما من الهواء   اثبت أثناء الاحتراق .  واكتشف العالم الانجليزي  بريستلي (1733-1804) أن الغاز الذي  تمتصه المعادن في هذه الحالات   هو "الأكسجين "فانتهى بلافوازييه إلى التركيب  الصحيح للهواء ’ وطرد الكيميائيون فرضية الفلوجستون إلى غير رجعة كما طرد الفيزيائيون  لاحقا فرضية الأثير  إلى  غير رجعة)’ فانفتح الطريق  العلمي الصحيح أمام  الكيمياء  بدءا من  ذلك التاريخ توصل من خلالها العلماء إلى قوانين  رياضية  دقيقة على شكل معادلات  وأصبحت الكيمياء  قريبة جدا من الفيزياء  وعلم البيولوجيا  .
     كانت  فلسفة ة المشائين والسكولائيين وفلسفة العصور الوسطى بما فيها الفلسفة العربية الإسلامية  تقوم على أساس  مفهوم "الجوهر" . فمفهوم الذرة الذي بقي على أكثر من  2400 سنة مفهوما فلسفيا  على اعتبار أن الذرة هي الجوهر المادي الأول والأبسط ’ والجسم الذي  لا يتجزأ(اللامتناهي الصغر) ’ لكن هذا المفهوم أصبح مفهوما علميا مع الثورة الفيزيائية  الحديثة التي ظهرت مع مطلع القرن العشرين . فالذرة (الجوهر) ليست  التي لا تتجزأ ’ بل  قابلة للانشطار  .  فنواة الذرة اصغر من  الذرة  نفسها بحوالي  100 مرة’  فالذرة ليست جسم بسيطا ’ بل   بنية "كون صغير " من علاقات دينامية  بين جزئيات موجبة وهي البروتون  وجزئيات سالبة وهي الالكترونات ومن جزئيات محايدة تسمى   النوترونات (19)  ’ وهناك جزيئات ثانوية .
 كانت الفلسفة  الأرسطية باعتبارها فلسفة وجود  ’ تقوم على  الجوهر كمعطى أول مطلق  ثم  تستنتج  أعراضه منه . أما  في الميكروفيزياء(العلم الصغير)  فقد أصبح موضوعها هو الجزيء  أو الكهيرب  (20) فهذا الأخير  لا يتظاهر  إلا من خلال  أعراضه بدون  أن يكون  له نظام وجود  ولا حتى  مكان وجود.
  وخلافا لمبدأ الهوية الأرسطية  القائم على  فكرة  ثبات الجوهر  فان اكتشاف  الإشعاعية  الذاتية la radioactivite قد اثبت إمكانية  التحول النووي  للعناصر الكيماوية  ’ فالنواة   من معدن  اليورانيوم  قابلة لأن تنقلب  بالإشعاعية الذاتية  إلى نواة  من  معدن الثوريوم (21)  .   إنها  الكيمياء النووية  التي  جاءت لتعطي  أساسا  عقلانيا  لحلم  الخيميائيين  القديم  في تحويل  طبيعة المعدن  لقد  ألغيت  فكرة  ثبات  الجوهر  لصالح  فكرة ثبات  الأعراض  . فالمعدن  قد تحول   ’   .والجوهر  أخلي مكانه  لجوهر  أخر  ’ ولكن   الأعراض  بقيت  ’ وفي  هذا تحقيق  لحلم  الخيميائيين  ’ وقلب  للمنطق الأرسطي  رأسا على  عقب  (22).

 خاتمة  
منهجيا ’’ توقفنا على ثلاث تحديدات  مختلفة  لنفس المفهوم :مفهوم  السيمياء ومفهوم الخيمياء ثم مفهون الكيمياء’ فالسيمياء في الحضارات  الشرقية القديمة  كالحضارة الصينية  ومدرسة  الإسكندرية  كانت مرتبطة  بالأدبيات الهرمسية  . فلتنقية  المعدن  من  أوساخه  وتحويله  إلى  معدن أرقي وأشرف ’  لا بد ان  يمر بمراحل . فكذلك  بالنسبة إلى النفس البشرية ’  فلتكون صافية  ’  لا بد  أن  تمر   بمراحل : فمن النفس الناقصة (ما دامت موجودة في البدن)  إلى النفس الكاملة  ’ والعاقلة  لتعود إلى  أصلها راضية مرضية .
 لقد تسرب هذا الموروث الثقافي (الهر مسي ) إلى الثقافة العربية الإسلامية عبر مراحل وعبر قنوات وممرات بدءا من  جعفر الصادق  أستاذ جابر بن حيان في الصنعة .الذي بقي  هو وآخرون  يدورون في حلقة مفرغة دون  التأسيس  لعلم الكيمياء   كما أسس له  لافوازييه وبريستي في القرن الثامن عشر . وأصبحت الكيمياء  مثلها مثل الفيزياء   تعتمد على   الرياضيا ت لضبط العلاقات بين  مكونات عناصر الأجسام المادية . الا ان  مفهوم الكيمياء تغير مع  ثورة ماكس بلانك ’ ولوي دوبروي ’ ومع هيزنبيرغ مع مطلع القرن العشرين .
فمع الثورة العلمية المعاصرة  في الفيزياء ’ أصبح الفيزيائيون يتعاملون مع أعراض الكهيرب  (الجزيء) بدل جوهره  .ومع اكتشاف الإشعاعية الذاتية ’ أصبح من الممكن  تحويل معدن ما إلى أخر . لكن هل استطاعت  الثورة العلمية المعاصرة  إن تحول المعادن الخسيسة إلى ما هو أرقي وأشرف ؟ هل استطاعت  أن تحقق حلم  خالد بن يزيد بن  معاوية والفارابي والطامعين في الثورة والغناء ؟

هوامش
(1)   عباس اعطيتو .ملامح الفكر الفلسفي  والديني  في مدرسة الاسكندرية القديمة .دار العلوم العربية . بيروت . ط1.ص. 109  
(2)    ابن خلدون . تاريخ ابن حلدون . م.1 دار الكتاب العلمية . بيروت.ط1 .1992.ص
(3)   ن.م..ص
(4)   ن.م..ص
(5)    ن.م..ص
(6)   ن.م..ص
(7)    ن.م..ص.586
(8)    ن.م..ص 586 
(9)   حسين حمادة . العلوم  عند  العرب .       ص608؟
9  المعادن السبعة  هي : الذهب والفضة و الرصاص و القصدير و النحاس و الحديد والخارصين
(10)     ابن خلدون . م. س . ص
(11)      ن.م.ص.
(12)      الجابري . مدخل إلى  فلسفه العلوم . ج.2 دار الطليعة . بيروت . ص 32
(13)      إخوان الصفا . الرسائل. الكتاب الثاني . الرسالة الخامسة . دار صادر . بيروت .ص. 110
(14)      ن.م. ص.   111
(15)      الجابري .م. س . ص 32
(16)     ن.م. ص.
(17)     ن.م. ص.
(18)      يمنى طريف الخولي . س. عالم المعرفة . عدد .264.ص93
(19)      جورج طرابيشي . نظرية العقل .دار الساقي . بيروت . ص .  
(20)      ن.م. ص.
(21)      ن.م.ص.        

الواجب والممكن والممتنع
صنف السموأل  القضايا الر ياضية إلى قضايا ضرورية وممكنة  ومستحيلة.وأعطى شرحا لكل صنف منها .
يقول إننا نقصد بقضية ضرورية  يعني  يمكن اثباتها او نفيها. ونقصد بقضية ممكنة  يعني اننا لانملك اية طريقة  للبرهنة عليها او على نفيها  . اما القضية   المستحيلة  فيقصد بها متى  فرضت موجودة  ادى  وجودها الى  المحال .
        رشدي راشد . تاريخ الرياضيات العرية  بين الحساب والجبر . ص  56  
 ابن حزم  " اعلم ان  عناصر  الأشياء  كلها ’ أي اقسامها  في الإخبار  عنها ثلاثة ,اما واجب وهو الذي قد وجب و ظهر اوما يظهر مما لا بد من كونه  كطلوع الشمس  كل صباح  وما اشبه ذلك . اما الممكن وهو الذي قد يكون وقد لايكون  وذلك مثل توقعنا  ان تمطر غدا وما اشبه ذلك  واما الممتنع وهو الذي  لاسبيل اليه كبقاء الانسان تحت الماء لمدة طىيلة جدا  ...التقريب لحد المنطق  ص84
ابن سينا  واجب الوجود –ممكن الوجود
الجابري . ب. ع. ع .  ص 447


____________________________________________

المنطق الأوكامي وعلاقته بفلسفة  ب. رسل

سنحاول في هذه المقالة  ربط علاقة بين المنطق الأوكامي  (نسبة إلى وليم أوكام =القرن الثالث عشر ) وبين فلسفة  ب. رسل  التحليلية  لتوظيفها  لمبدأ نصل أوكام كمنهج وكأسلوب في الاقتصاد في التفكير . فمن هو وليم أوكام ؟ وما هو مبدأ نصل أوكام ؟ وما علاقته بفلسفة رسل ؟
 بعد مرحلة  ألبرت  الكبير وتوما الأكويني (أعظم فلاسفة  السكولائيين ) ’  جاءت مرحلة  رجالات مثل  روجي بيكن و دنس سكونس  ووليم الأوكامي  (1)  وهم جميعا  من الفرانسيكان الذين لا  يميلون  إلى  حجج  القديس  توما  الأكويني  الدومينيكي .
  وإذا كان روجي بيكن  يعتبر  أرسطو هو المعلم الأول  ويأتي بعده  ابن سينا أمير الفلاسفة فان دنس  سكونس  المزداد باسكتلندا  (1270- 1308)    قد التحق  بدوره بالفرانسيسكان ’ وكان اغسطيني النزعة ’ واقعيا  معتدلا (2) .
  أما واليم الأوكامي  الذي يعتبر أهم  اسكولائي بعد توما الأكويني  ’ فقد  يقول عنه ب . رسل أنه لا يدري عن ظروف حياته إلا حقائق   غاية في التشويه والغموض . فربما  جاءت ولادته بين  1220و1349أو 1350 . ويذهب معظم الناس  إلى انه قد ولد في  أوكام  من أعمال مقاطعة  تيسيري  أو في أوكام التابعة لمقاطعة يوركشير. كان تلميذا ل دنس سكوتس’ ثم فيما بعد أصبح منافسا له (3)  ’ استدعاه البابا  يوحنا  الثاني والعشرين  لزندقته حول  بعض التهم الموجهة ضده بخصوص  تحول مادة المسيح  فصدر في حقه سنة 1328 بإخراجه من الكنيسة (4) .
  اشتهر وليم  بمبدأ  اتخذ اسم  نصل أوكام أو مقص أوكام  ومفاده  أن الكائنات  لا ينبغي  أن تتكاثر   بغير   موجب . فعلى  الرغم من انه لم يقل بهذا ’ فقد قال شيئا  أشبه  به من حيث معناه . إذ قال : إذا أمكنك أن تكتفي  بالعدد الأقل  فمن العبث  أن تستخدم  عددا اكبر.
 ويقول رسل : ولقد وجدت  هذا المبدأ مفيدا أكبر  الفائدة  في التحليل المنطقي  الذي قمت به(إي في فلسفة التحليلية ) (5).  ويؤكد رسل (1872_1970) أن كل المشاكل  الفلسفية في جوهرها لاشك منطقية .ولتجاوز هذه المشاكل  عليها أن تلتزم حدود المنطق (6). ولقد تعلم رسل  من أستاذه وايتهد استخدام مبدأ نصل أوكام. وهي قاعدة منهجية  تعني التقليل  من الفروض  ومن الكائنات التي  لا تدعو الحاجة إليها وحذفها تحقيقا لمبدأ الاقتصاد في التفكير .
  فإذا كان لرمز الكائنات (ا) و(ب) و(ج)  وكان بالإمكان رد (ج) إلى (ا) و(ب) فقط  حذف (ج) والعمل بكائنين بدلا من ثلاثة.
كان رسل قبل أن يتسلح  بمبدأ نصل أوكام  يرى أن الكون يتكون من نقط وذرات ولحظات وأحداث. وحين طبق هذا المبدأ  الأوكامي  بقيت لديه فقط   الأحداث التي قال بها اينشتين :
إن الكون  أحداث متتالية متداخلة فيما بينها  متصل الرباعي الأبعاد . إن الذرات والبرق والرعد والزلزال...ما هي إلا  أحداث. وعلى هذا الأساس بقي  رسل  منسجما مع  نتائج الثورات العلمية المعاصرة : ثورة ماكس بلانك وثورة اينشتين وثورة ريمان ولوباتشوسكي.
اعتبر رسل أن العالم متكون من حوادث كما قال بها اينشتين. وبتطبيق  أدواته المنطقية  عليها  أصبحت الأحداث عنده محايدة’  لاهي عقل  ولا هي مادة  بل شيء  مختلف عن كليهما . إنها نظرة محايدة تقضي على الثنائية الديكارتية القائلة بجوهرية العقل وبجوهرية المادة وتختلف عن  الواحدية المثالية التي قال بها برادلي  التي تقرر بجوهرية العقل وحده وتختلف عن الواحدية المادية التي تقرر بجوهرية المادة فقط.
  إن استعارة رسل لمفهوم  الحوادث عن طريق منهجية نصل أوكام التي أصبحت عنده محايدة’  ورفضه لما عداها لأن أصحاب الواحديات الأخرى عاشوا سجناء لتصور الزمان المطلق والمكان المطلق  كإطارين منفصلين وسجناء لمكان اقليدس  بدل المكان الريماني (نسبة إلى ريمان).
مع نظرية الكوانتا  لماكس بىلانك ’ ارتدت الذرة بدورها إلى إشعاعات والى سلاسل من الأحداث . فلا سكون  البتة  في قلب نواة الذرة ولا وجود للشيء أو الجوهر المادي إلا على شكل أحداث .
كان رسل هيغليا ثم انقلب إلى النقيض أي إلى الواقعية ثم تخلى عن الواقعية بجمع خير ما فيهما معا (تجاوزهما إلى ما هو أفضل ). ذلك هو الربط الذي جمع بين منطق القرن الثالث عشر’ منطق وليم الأوكامي صاحب مبدأ نصل أوكام وبأبي المنطق الرمزي  ب . رسل  .: صاحب   فلسفة هيكلها  ذلك المنهج الأوكامي . فمن خلال ذلك المنهج أزاح رسل كل الكائنات  الزائدة  على الفهم. وبقيت لديه العصارة الفكرية .      فمتى نطبق منهجيا  ’مبدأ نصل أوكام في ثقافتنا لإزاحة الكائنات الزائدة على الفهم في كل القطاعات وفي كل المجالات ؟ فمتى نطبق هذا المبدأ للقضاء على الطفيليين وما أكثرهم؟ هل الطبيعة  تريد تكاثر  الفقهاء والفرقاء والزعماء والأمراء بغير  موجب ؟ هل الطبيعة في المغرب مثلا تريد عددا أكبر من البرلمانيين  في الغرفتين ؟ هل نحن في حاجة إلى شيوخ والى مريدين  وأتباع ؟ هل الطبيعة في حاجة إلى  أصحاب ثرثرة وأصحاب عنعنة وما أكثرهم  في العالم الإسلامي ؟ 


هوامش


(1) ب. رسل . تاريخ  الفلسفة الغربية الكتاب الثاني .  ترجمة  زكي نجيب محمود.  مراجعة احمد أمين  . مطبعة لجنة  التأليف والترجمة .ط2 1968 ص258
 (2) ن. م. ص 259

(3)  ن.مز ص264
(4)  بوعزة  ساهل . جدلية العلم والعقل ,دار التوحيدي . الرباط . ط1 2007 ص88
(5) ن.م. ص 88  
(6)   ن.م  ص89 


المراجع


-                                 ب. رسل تاريخ الفلسفة الغربية  الكتاب الثاني  ترجمة زكي نجيب محمود مراجعة احمد أمين
-                                  بوعزة ساهل . جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي  دار التوحيدي الرباط ط1 2007.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق