ذ.بوعزة ساهل
مجموعة مقالات
مقدمة
يتناول هذا البحث التعريف بالمنطق الأرسطي وبموضوعه من جهة ، وجذوره في الثقافة الهللينية من جهة أخرى ،ويتناول كذلك بعض المدافعين عنه في الثقافة العربية الإسلامية ، سواء في المشرق كأبي حامد الغزالي ،وأبي بشر متى في المناظرة الشهيرة التي دارت بينه وبين أبي سعيد السيرافي النحوي ، والتي دونها أبوحيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة , أو في المغرب والأندلس كفقيه قرطبة ابن حزم وأبي الوليد ابن رشد الشارح الأكبر.
البحث هو عبارة عن مجموعة من المقالات تهتم في مجملها بالمنطق الأرسطي، والدفاع عنه، وتقريبه إلى الثقافة العربية الإسلامية. ويمكن تصنيف هذه المقالات إلى ثلاثة أصناف رئيسية.
الصنف الأول يتناول المنطق الأرسطي وبه أربعة مقالات : الجدل عند الهللينيين-المنطق الأرسطي( تعريفه وموضوعه)- مدخل إلى ايساخوجي- مدخل إلى قاطيغورياس.
الصنف الثاني ويتناول علاقة المنطق الأرسطي بالنحو العربي وبه مقالة واحدة .المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية أية علاقة؟
الصنف الثالث ويتناول موضوع الدفاع عن المنطق الأرسطي وبه أربع مقالات : الإمام الغزالي –أبو بشر متى في المناظرة الشهيرة- ابن حزم القرطبي— أبو الوليد بن رشد
وفي الختام يتناول البحث سؤالا إشكاليا : إذا كنا نرفض المنطق الأرسطي (العقل الكلي والشمولي ) ، فالي متى سنبقى سجناء لمنطق الفقيه المبني على منهج قياس الشافعي المؤسس على مقولة وقس على ذلك ؟.العالم الآن يطمح إلى لغة عالمية، والى منهج علمي صارم يتفق عليه الجميع ، فلماذا لم نتسلح بالمنطق الأو كامي وبمبدأ نصل أوكام مثلا في الاقتصاد في التفكير، ولنحث من ثرثرة الفقيه والزعيم والحاكم ؟ فلنربط مبدأ نصل أوكام بلفسفة ب. ر سل ، ونتابع عن كثب دور هذا المبدأ في التقليل من الكائنات الزائدة.
المقالة رقم 1
الجدل عند الهللينيين
قبل تناول المنطق الأرسطي المستخلص من علوم سابقة عن أرسطو نفسه كاللغة، والبلاغة، والشعر، والبيان السياسي، والجدل السفسطائي، والبرهان الرياضي، والاستقراء البيولوجي، نشير أن ما يميز تلك المرحلة خصوصا في أثينا في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد هو العناد في النقاش والحوار، والحوار المضاد، أو ما يسمى ب "الجدل" فماذا يعني هذا المفهوم؟ وما جذوره؟
فالجدل لغويا من فعل جدل ويجادل، ويعني التحاور والنقاش، وهو في مبدئه يتعلق بممارسة الحوار. ثم سرعان ما اتخذ معنى مناقشة مؤسسة على نحو ما، منظمة في حضور جمهور يتابع اللعبة كأنها نوع من المبارزة بين متجادلين يدافعان عن أطروحتين متناقضتين(1). وتعود جذور ازدهار فن الجدل إلى ازدهار أثينا اقتصاديا في عهد بروكليس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. فازدهر معها العلم والفن، وظهرت مشاكل كان يجب حلها سياسيا واجتماعيا. وكان من الضروري تعليم الأبناء لا لتثقيفهم علميا، بل لإعدادهم للحياة العملية: تعلمهم البراعة في الخطابة وفن النقاش وفن الجدل للتغلب على الخصم في الميدانيين التجاري والسياسي.
كانت السياسة في أثينا مرتبطة بالمال، وبالمناصب السياسية، فكانت الظروف مواتية ، لظهور السفسطائيين الذين كانوا خطباء وجدليين، ومدافعين لدحض أطروحة الخصم(2). وقبل السفسطائيين، كان الأيليون (نسبة إلى إيليا) أنفسهم جدليون كزينون (490-430ق.م) وأستاذه بارميندس.
كان بارميندس مواطنا إيليا (وهي مستوطنة أسسها الأيونيون في إيطاليا). وفي إيليا كان المناخ الفكري يختلف اختلافا عما هو في أيونيا. كان بارميندس يفكر تفكيرا منطقيا يعرض فيه طرق الظن الذي يتأتى بتوجيه من الحواس وطرائق اللغة(3). وتكمن فكرة بارميندس في المنهاج العقلي، والنقدي الذي كان بمثابة نقطة الانطلاق لكل جدلية فلسفية في بلاد الإغريق (4). كان نقد الأيليين موجها أساسا للأيونيين. فالوجود عند بارميندس ليس تصورا مجردا، ولا هو أيضا صورة حسية، وإنما هو إذا جاز التعبير صورة هندسية، ولدت من الاحتكاك بالعلم الفيتاغوري(5). أما الجانب النقدي من فكر بارميندس فهو ما طوره زينون (القرن الخامس ق.م) الذي يعتبره أرسطو مؤسس الجدل.
كان بارميندس ينهج منهجا افتراضيا وصولا إلى نتائج معينة. ففي محاورة بارميندس لأفلاطون، تتناول المحاورة المنهج الذي أنجب فروضا طبقها بارميندس وصولا إلى نتائج معينة يدعو فيها سقراط الفتى إلى مواصلة المران والتدرب على منهج الفروض، ذلك المنهج الذي طوره أفلاطون في محاورة مينون(6). كانت تفترض فروض، ثم يتم البحث عن جميع النتائج التي تترتب عن تلك الفروض، كفرضية الواحد موجود وعكسه، فالواحد غير موجود(7). كان زينون في جدله يقوم على البرهان بالخلف لإقحام الخصم(8).
أما بروتاغوراس إمام السفسطائيين، فقد كان ينهج منهج التمويه والمغالطة، بخلاف الجدل عند سقراط (380-390ق.م) الذي كان يبحث عن الحقيقة عن طريق السؤال والجواب بالإضافة إلى منهج الاستقراء(9).
فاليونانيون القدامى كانوا بالفطرة جدليين، مدافعين عن الإثبات والدحض. فهم الذين لا يزالون مثالا للجدل حتى الآن(10). لكن الولع بالمشادات والتخاصم أمام العدالة، وروح المشاكسة بلية حقيقية بالنسبة لليونانيين البلغاء(11). وقد وصف المؤرخ هيرودايان (270-170ق.م) ميل مواطنيه إلى المشادة وعدم التآلف.
إن حب الخلاف بين اليونانيين(12) هو مرض قديم كان وراء تقدم فن الجدل، والفكر الفلسفي عند الهللينيين.
يقول فلافيوس بوسفنيوس المؤرخ اليهودي: "كان اليونانيون مجادلين كبارا، وكانوا يدافعون بعنف عن آرائهم الشخصية حتى ضد الأقطاب"(13). ويقول نفس المؤرخ: "عن بعض مميزات اليونانيين القدامى أنهم ما كانوا ينحنون أمام أي سلطة، ولا يأبهون لتعاليم الأجداد والتقاليد"(14).
فليس من قبيل الصدفة أن فن الخطابة في القرن الخامس قبل الميلاد، أي إبان ازدهار الديمقراطية في أثينا كان محور اهتمام المواطنين الأحرار. فالدفاع عن الديمقراطية والنقد، وصراع الآراء كوسيلة لتحصيل الحقيقة، كان من عوامل تطور فن الجدل.
فالمحاورات الأفلاطونية هي محاورات شاهدة على جدال ذلك العصر. فأفلاطون نفسه كان مجادلا قبل أن ينهج المنهج الرياضي: المنهج الصاعد والمنهج الهابط.
أما أرسطو فيعتبر الجدل استدلالا يقوم على مقدمات محتملة، مستمدة من آراء الجمهور والعلماء. ويعتبر كتابه "الطوبيقا" أول بحث منظم في هذا المجال(15) الذي سنعود إليه في الفصل الموالي عند تناولنا للمنطق الأرسطي.
خلاصة
تطور الجدل كفن للنقاش في عصر الديمقراطية في أثينا ،وليس في عهد حكم استبدادي كما كان الشأن في مصر القديمة مثلا. لقد ساهم الجدل في ظهور الفلسفة في العصر الهلليني كفلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو، وتطور الجدل مع المعلم الأول خاصة إلى أن أصبح أداة لكل العلوم.
هوامش
(1) روبير بلانشي. المنطق وتاريخه. ترجمة خليل أحمد خليل. المؤسسة الجامعة للنشر. بدون تاريخ. ص25.
(2) تيوكاريس. كيسيديس. هيراقلطس. جذور المادية الدياليكتيكية. ترجمة حاتم سلمان. دار الفارابي. بيروت. ط1. 1987. ص 80.
(3) إميل برهيبة. تاريخ الفلسفة. ج1. ترجمة جورج طرابيشي دار الطليعة. ط2. 1987. ص83.
(4) ن.م ص 83.
(5) ن.م ص 84.
(6) ن.م ص 167.
(7) ن.م ص 167.
(8) ن.م. ص167
(9) تيوكاريس. كيسيديس. هيراقليطس. جذور المادية الديالكتيكية. مصدر سابق ص 14.
(10)ن.م ص 50.
(11)عمر عبد الله كامل. مذكرة في تسيير المنطق. بيسان للنشر. بيروت. ط1. 2004 ص 16.
(12)تيوكاريس. كيسيديس. هيراقليطس. جذور المادية الديالكتيكية. مصدر سابق ص50.
(13)ن.م ص 34
(14)ن.م ص 33.
(15)عمر عبد الله كامل. مذكرة في تسيير المنطق. مصدر سابق ص 16
المراجع
- روبير بلانشي . المنطق وتاريخه. ترجمة خليل أحمد خليل. المؤسسة الجامعة للنشر. بدون تاريخ.
- إميل برهييه . ج1 دار الطليعة بيروت ط1 . 1987
- إميل برهييه . ج2 دار الطليعة .بيروت ط1 . 1987
- تيوكاديس-هيراقليطس. المادية الديالكتيكية .ترجمة حاتم سلمان . دار الفارابي . بيروت . ط1 . 1987
- عمر عبد الله كامل مذكرة في تيسير المنطق. بيسان. بيروت . ط1 . 2004
المقالة رقم 2
المنطق الأرسطي :حول تعريفه وموضوعه
بما أن الموضوع الرئيسي الذي نشتغل عليه في هذه المقالات هو المنطق الأرسطي، فما هو المنطق الأرسطي أولا؟ ما موضوعه ؟ما منهجه؟
حول تعريف المنطق الأرسطي /موضوعه
من العسير تعريف المنطق الأرسطي لأن أنواعه كثيرة ، ومختلة .فالمنطق عند أرسطو يتناول ثماني رسائل (الأورغانون)
- رسالة في تهافت السفسطائي أي مغالطته وتوهيمه
-رسالة في الشعر
-رسالة في المقولات العشر ( قاطيغورياس)
-رسالة في العبارات ، وتتناول أوجه القضايا ( باري مانياس )
-رسالة في القياس الصوري (التحليلات الأولى=آليات القياس )
- رسالة في البر هان ( التحليلات الثانية )
- رسالة في الجدل (الطوبيقا)
- رسالة في الكليات (ايساغوجي=المحمولات ) وهي رسالة أضافها فوروريوس الصوري ، واعتبرها مدخلا للمنطق الأرسطي
فحسب هذا التنويع في الرسائل، فكيف نعرف المنطق الأرسطي ؟
فشراح أرسطو سموه بالمنطق باعتباره مدخلا للحكمة ، وآخرون سموه بالآلة التي يستدعي إليها الناظر، أما أرسطو، فقد سماه بالتحليلات(تحليل العلم إلى مبادئ وأوليات) ومنه جاءت التحليلات الأولى ،والتحليلات الثانية ،أي أن أرسطو أراد من المنطق بالدرجة الأولى إن يكون منهجا علميا هدفه إثبات إمكان قيام علم برهاني لتحصيل معرفة يقينية (1). ولا ننسى أن المنطق الأرسطي له جذور في الثقافة الهللينية ، فهو مرتبط بالجدل الأيلي ، والجدل السفسطائي ، وأفلاطون نفسه كان مجادلا قبل أن ينهج المنهج الرياضي الصاعد والهابط .
والمنطق عند صاحب نظرية المثل ،هو مجموعة من القوانين التي تحكم الفكر البشري مثل القوانين التي تحكم قوانين الأفلاك السماوية. فكما توجد قوانين تدير حركة الأفلاك ، توجد قوانين تدير حركة الإحكام العقلية (2) .
إذا كان المنطق الأرسطي مرتبطا بالميتافيزيقا (الرؤية اليونانية إلى العالم والإنسان ) ، فكيف أولوه العرب والمسلمون؟كيف عرفه الفارابي، وابن سينا ،وأبو سليمان السجستانين والغزالي، وغيرهم من علماء الإسلام ؟وكيف عرفوه مفكري العصر الوسيط من المسيحيين كالقديس أوغسطين، و توما الأكويني ثم علماء العصر الحديث مثل ديكارت، وليبنتز، وامانويل كانط ،وغيرهم؟
بما أن الفلاسفة في جميع العصور الكلاسيكية تناولوا المنطق من حيث الصورة(المنطق الصوري)، فإننا سنتناول موضوع هذا المنطق عبر عصور مختلفة.
يقول محمد ثابت الفندي(3) : إذا تخيرنا أربعة كتب في منطق الفلاسفة تنسب إلى عصور مختلفة ككتاب النجاة لأبن سينا، وكتاب المنطق لبور رويال Port Royal الذي ظهر في القرن السابع عشر،وكتاب جون ستوارت مل ، ثم كتاب جوبلو Gebelotالذي اشتهر في الجامعات الفرنسية في فترة ما بين الحربين ، سنجد اختلافا كبيرا في موضوعات هذه الكتب . فمواضيعها المختلة تدور حول :
بحث في الألفاظ والحدود
بحث في المقولات والكليات
بحث في التصديقات والقضايا
بحث في قوانين الفكر
بحث في مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع
بحث في الاستنباط
بحث في الاستقراء والتمثيل
بحث في المغالطات
تلك هي أهم المواضيع التي عالجتها تلك الكتب ، مما يصعب إعطاء تعريف موحد وشامل للمنطق الأرسطي من طرف مناطقه وفلاسفة يختلفون في الرؤية في عصر واحد وبالأحرى في عصور مختلفة .
أما فيما يتعلق بالطريقة التي تتبع في دراسة تلك المواضيع فهي جدلية ولغوية وبرهانيه.
جدلية : لأنه ليس هناك تسلسل ضروري لمسائل المنطق الصوري القانونية، الأمر الذي لا نجد مثيله في الرياضيات التي تعتمد على الدقة والصرامة، والتسلسل (اللزوم من قضية إلى أخرى ).
لغوية : فالمنطق التقليدي أساسا يستند إلى الألفاظ اللغوية في عرض قضاياه وبراهينها، ولم يستطع طوال تاريخه أن يصطنع لنفسه لغة خاصة به كشأن العلوم الرياضية(اللغة الرمزية ) .فهناك فرق شاسع بين استعمال اللغة الطبيعية، واللغة الرمزية ، فاللغة الطبيعية تكون إقليمية كلغة البزنطيين أو لغة الفرس أو لغة العرب .أما لغة الرموز فهي لغة عالمية موجهة للبشرية جمعاء .
برهانية : لأنها تستند إلى القياس، والى البرهان، والى الحجاج الفلسفية.
ومن التعارف المتداولة لدى الفلاسفة حول المنطق، تعريف لالاند في معجمه الفلسفي يقول : إن المنطق موضوعه هو اتفاق الفكر مع نفسه واتفاقه مع الواقع ، وغرضه هو البحث عن القوانين التي يتم بها هذا الاتفاق المزدوج ( 4). فالقسم الأول من التعريف يتناول المنطق الصوري كعلم مجرد ، والقسم الثاني منه يتناول المنطق الاستقرائي (المادي )، مما يعني أن لالاند يربط المنطق بالصورة وبالمادة في آن واحد.
وهناك من يعتبر المنطق آلة للفكر، أو صناعة وفن ، وهم بذلك يعتبرونه أنه لا يقصد لذاته ، وإنما يقصد لغيره من العلوم(5 ). ومن بين هؤلاء الفلاسفة ابن سينا ، فهو يعرف المنطق بأنه آلة تعصم الذهن من الخطأ . ويعرفه أبي بشر متى بأنه آلة من آلات الكلام في المناظرة الشهيرة التي دونها أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة(الليلة الثامنة). أما الإمام الغزالي فهو تارة يعتبره معيار العلم ومحك النظر وتارة الصراط المستقيم .
هوامش
(1)الجابري .ب.ع.ع. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء .ط1 . 1991 .ص477
(2) بلانشي . المنطق وتاريخه .ترجمة خليل أحمد خليل . المؤسسة الجامعية .بدون تاريخ . ص28
(3)محمد ثابت الفندي .اصول المنطق الرياضي دار النهضة العربية . بيروت . 1976.ص
(4) نفس المصدر .ص22
(5)نفس المصدر ص37
المراجع
-الجابري . ب.ع .ع. المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1. 1991
-بلانشي .المنطق وتاريخه. .ترجمة خليل احمد خليل . المؤسسة الجامعية .بدون تاريخ
-محمد ثابت الفندي . أصول المنطق الرياضي .دار النهضة العربية . بيروت .
-الغزالي . معيار العلم .شرح احمد شمس الدين . دار الكتب العلمية . بيروت .ط1 . 1990
المقالة رقم 3
مدخل إلى ايساغوجي
كما هو معلوم، يشتمل الأورغانون على ثماني رسائل تتناول المنطق الأرسطي ، وبجانب هذه الرسائل، أضاف فورفوريوس الصوري (أحد شراح أرسطو في القرن الثاني بعد الميلاد) مقدمة أو مدخلا للمنطق الأرسطي سميت ب . "ايساغوجي" .فماذا تتناول هذه المقدمة وهذا المدخل ؟
سنحاول ملامسة جواب هذا السؤال في السطور الموالية علما أن المهتم بالفلسفة وبالمنطق عليه معرفة أهم ما جاء في ايساغوجي، لأنه مدخل إلى المنطق الأرسطي، والمنطق الأرسطي مدخل إلى الفلسفة.
من بين الكتب التي اشتغلنا عليها ، معيار العلم للإمام أبي حامد الغزالي، ولحد التقريب لابن حزم ، وتلخيص كتاب المقولات لأبن رشد، وكذلك رسائل إخوان الصفا خاصة الجزء الأول.
ولفهم المدخل إلى المنطق ، فضلنا تفاسير إخوان الصفا لتبسيطهم وشروحهم للمفاهيم الأساسية في هذا المدخل مع اجتناب المصطلحات المبهمة والغامضة وغير الفاشية بلغة ابن حزم .
لقد قسم إخوان الصفا رسائلهم الذي يصل عددهم إلى 52 رسالة ورسالة جامعة إلى أربعة أقسام : الرياضيات والطبيعيات والمنطقيات ثم الإلهيات .وضمن القسم الخاص بالمنطق توجد شروحات لأهم ما جاء في ايساغوجي وفي قاطيغورياس ثم باري مانياس.
لقد جاء في صفحة 390 من الجزء الأول ما يلي : نعلم إن الألفاظ التي يستعملها المناطقة والفلاسفة في أقاويلها وإشاراتها في المعاني التي في أفكار البشر خمسة أنواع :اثنتان منها دالتان على الأعيان التي هي موصوفات ( الموصوف هو الدال على الشيء المشار إليه) وثلاثة منها دالة على المعاني التي هي الصفات(الصفة هي معنى متعلقة بالموضوع).
والألفاظ الدالة على الموصوفات هي : الجنس والنوع والألفاظ الدالة على الصفات هي : الفصل والخاصة والعرض العام . ويسمي المناطقة والفلاسفة هذه الألفاظ الخمس ب الكليات الخمس أو بلغة أهل يونان ايساغوجي (1) .
بعض الشروحات للألفاظ الخمس مع أمثلة
الجنس : هو كل لفظة يشار إلى كثرة مختلفة الصور تعمها كلها صورة أخرى (2)، كالحيوان يعم الناس كلهم ، والسباع والطيور والسمك وحيوان الماء أجمع ، وهي كلها صور مختلفة يعمها الحيوان (3).
النوع : فالناس و السباع والطيور والسمك هي أنواع تقع تحت جنس الحيوان(قد يجمع الجنس أنواعا كثيرة ).
الفصل : ( يربطه ابن حزم بين الذاتي والغيري ويربطه الغزالي بين الذاتي والعرضي) لقد درس الفلاسفة الأوائل طبيعة الأشياء : فمنها من يملك صفة (صفات ) لا تفارقها قط ولا ترفع إلا بفسادها (حرارة النار) وهذا القسم من الكلام يسمى ذاتيا .ومنها من يملك صفة (صفات )قد تفارقها كليا أو جزئيا ولا يفسد الشيء بمفارقتها إياه (بيوضة الثلج وسواد القير ). وهذا القسم يسمى غيريا آو عرضيا
فضمن القسم الذاتي يطرح السؤال التالي : ما هذا ؟ فيقال لك انه جسم . فيقال لك أي الأجسام ؟ (الأجسام كثيرة ). فيقال لك النامي. و يقال لك أي النماة هو ؟ فيقال لك هو ذو العصف والخوص والورق والجريد .
فالجسم جنس والنامي نوع وذو الصعف فصل أي يفصل بين الجنس والنوع (4).
وبالنسبة إلى المثال المشهور : الإنسان حيوان ناطق : فالإنسان (نوع) والحيوان (جنس ) والناطق (فصل ) .
فالفصل صفة ذاتية تميز الأشياء عن غيرها . ويقال في الشيء انه
يخالف غيره بفصل خاص(5)
الخاصة : le propre
لفهم هذه الميزة نطرح السؤال التالي : بماذا نفرق بين الفصل والخاصة ؟
الفصل صفة تنعدم بانعدام الموصوف (حرارة النار وبرودة الماء) . أما الخاصة فبطلان ذلك يبطل الصفة ولم يبطل الموصوف (بياض الثلج وسواد القير وحلاوة العسل ) (6) .
والخاصة هي صفة غيرية (عرضية غير ذاتية ) للنوع وتشكل خاصية مميزة له .
ويمثل فورفوريوس عليها بأمثلة منها : ذو الرجلين و الضحاك (7) .ففي المثال التالي :
الإنسان حيوان ناطق ذو الرجلين: فالإنسان (نوع ) وحيوان (جنس ) وناطق (فصل ) وذو الرجلين ( خاصة ).
العرض : صفة عرضية تبطل من غير فساد الموضوع له (الموصوف) .وهي صفة مغايرة لصفة الفصل والخاصة (8).
جنس الأجناس / نوع الأنواع :
لقد أثار انتباه فورفوريوس الصوري الاختلاف بين الأجناس والأنواع ، مما دفعه إلى القول ب . جنس الأجناس ونوع الأنواع وما بينهما من حالة توسط .
يشكل جنس الأجناس أعلى الأجناس كلها أو ليس له نسبة إلى شيء قبله . أما نوع الأنواع فليس له نسبة إلى ما دونه بل تقع بين الاثنين حالة توسط (9).
ويعتبر أرسطو المقولات العشر أجناسا عليا التي هي موضوع قاطيغورياس .
هوامش
(1) لقد أضاف إخوان الصفا لفظ الشخص وأصبحت الكليات عندهم ستة
(2)إخوان الصفا. الرسائل . ج1.دار صادر . بيروت . 1957. ص395
(3)نفس الصدر . ص395
(4) ابن حزم . لحد التقريب .دار الكتب العلمية . بيروت .تحقيق أحمد فريد المزيدي . ص20
(5)نفس المصدر .ص35 . هامش 1
(6) نفس المصدر . ص37
(7) نفس المصدر . ص 37
(8) نفس المصدر . ص35 .هامش 2
(9) نفس المصدر . ص 25 .هامش 1
المراجع
إخوان الصفا . الرسائل .ج1 دار صادر .بيروت.1957
ابن حزم . التقريب لحد التقريب. تحقيق احمد فريد المزيدي . دار الكتب العلمية . بيروت .
الغزالي معيار العلم.شرح احمد شمس الدين . دار الكتب العلمية . بيروت . ط1. 1990
الغزالي . محك النظر في المنطق . تحقيق أحمد فريد المزيدي . دار الكتب العلمية . بيروت .
ابن رشد . فصل المقال . المؤسسة العربية .دراسة وتحقيق محمد عمارة . ط3 .1986.
المقالة رقم 4
مدخل إلى قاطيغورياس
يتناول المنطق الأرسطي (الأورغانون) ثماني رسائل ، من بينها قاطيغورياس . فما هو موضوع قاطيغورياس ؟
في المدخل إلى ايساغوجي تناولنا الكليات الخمس : الجنس والنوع والفصل والخاصة ثم العرض. والذي يهمنا هنا هو الأجناس وهي في مجملها عشرة أجناس عليا ، واحدة جوهر وتسعة أعراض وهي : الكم والكيف والأين والمتى و الوضع (النصبة) والملكية (له) والإضافة و يفعل وينفعل . هذه الأجناس العليا تسمى المقولات العشر أو قاطيغورياس(من لفظة cathegories)) فماذا تعني هذه المقولات؟
الجوهر : يقولون انه لما نظر الأوائل إلى الموجودات، رأوا الأشخاص مثل زيد وعمرو وجاك ... وعلموا أنهم ومثلهم من الناس تشملهم الصورة الإنسانية ، وسموا الإنسان نوعا (تحت جنس الحيوان ) وكذالك بالنسبة إلى الصورة الحمارية (نسبة إلى الحمير ) والصورة الفرسية (نسبة إلى الفرس ). وعلى هذا المنوال، مثلت كل جماعة من أشخاص الحيوانات تشملها صورة واحدة سموها نوعا. وجميع الأنواع تمثل تحت اسم الحيوان سموها جنسا .
وبالمثل par analogie : جميع أنواع النباتات تضع تحت اسم جنس النباتات . وكذلك بالنسبة إلى الأجسام مثل النار و الشمس و الأرض فسموها جنس الجمادات.
هذه الأجناس العليا هي التي تسمى جواهر.ولها صفات وأعراض .
الأعراض
الكيف : ولما رأوا أن للجوهر لون كالبياض أو السواد وذوق كالحلاوة أو المرارة وما شاكلها جمعوها تحت جنس سموه جنس الكيف.
الكم : ولما رأوا أن للجوهر ثلاثة أدرع، أو أربعة أرطال، أو خمسة مكاييل ، وما شاكلها ، جمعوها وسموها جنس الكم.
الإضافة : ولما رأوا أن معاني لم تفهم إلا بين اثنين كالزوج والزوجة ، وبين العبد والسيد ، وبين الابن والأب، وبين القليل والكثير، وما شاكلها من الأسماء التي لا تقع إلا بين اثنين يشتركان في معنى من المعاني سموها جنس الإضافة .
وبجانب هذه الأجناس، هناك جنس ألأين (المكان )وجنس المتى (الزمان ) وجنس الوضع (يقعد ومتكئ ، وجنس الملكية (له) (ذو مال ) وجنس يفعل (فاعل ) وجنس ينفعل(مفعول).
تلك هي المقولات العشر ، جمعها الأوائل في البيت الشعري التالي :
زيد الطويل الأبيض ابن مالك في بيته بالأمس كان متكئ
في يده سيف لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوا
بعض مميزات هذه المقولات
الجوهر : لا يقال فيه أشد ولا أضعف : فلا يكون حمار أشد في حماريته من حمار آخر ، ولا تيس أشد في تيسيتة من تيس آخر، ولا إنسان أضعف إنسانية من إنسان أخر (1) .
الكم : من هو ما هو متصل، ومنه ما هو منفصل : فالمنفصل في العدد وفي القول ، والمتصل في الخط وفي المستوى وفي الجسم وفي الزمان وفي المكان(2).
والمتصل هو ما كان له فصل (حد)مشترك ، والمنفصل هو الذي لا ترتيب له،دون فصل مشترك (3)
ومن خواص الكم ، أنه لا مضاد له ، سواء كان متصلا، أو منفصلا (4) وانه لا يقبل لا الأقل، ولا الأكثر .
ومن أهم خواص الكم، هو أنه يقبل التساوي والتفاوت . أما الكمية فهي كل معنى حسن (بضم السين )فيه السؤال بكم (كم هو )؟
الكيف : مثل أبيض أو حلو أو عاقل : هو كل معنى حسن (بضم السين ) فيه السؤال كيف هو؟ وهو مصطلح مصاغ من السؤال كيف هو ؟
الإضافة :جاء في باب الإضافة في كتاب لحد التقريب لابن حزم أن الإضافة هي ضم شيء إلى شيء آخر . وعند الفلاسفة هي نسبة شيء من شيء وحسبانه منه كالقليل الذي لا يكون قليلا إلا بإضافة، ونسبته إليه وحساب قدره من قدره(5).
والغرض المقصود بالإضافة ، هو نسبة شيئين متجانسين (تحت جنس واحد) تبات كل واحد منهما بثبات الآخر يدور عليه ولا ينافيه .
هوامش
(1) ابن حزم . لحد التقريب .م. س . ص47
(2)ابن رشد . تلخيص كتاب المقولات . دار المشرق . . بيروت . ص 38
(3 ابن حزم . التقريب لحد التقريب . مصدر سابق .ص 48
(4) ابن رشد . تلخيص كتاب المقولات . مصدر سابق . ص 43
(5) ابن حزم . لحد التقريب .مصدر سابق . ص58
المراجع
- ابن حزم التقريب لحد المنطق. دار الكتب العلمية . بيروت .ط1 2002
-ابن رشد. تلخيص كتاب المقولات . دار المشرق . بيروت .
- الغزالي . معيار العلم. شرح احمد شمس الدين . دار الكتب العلمية .بيروت . ط1. 1990.
المقالة رقم 5
المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية : أية علاقة؟
قبل تناول العلاقة بين المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية ما هي هذه المقولات ذاتها ؟
بالنسبة إلى المقولات المنطقية ، سبق أن تناولناها في مقالة بعنوان مدخل إلى قاطيغورياس، يبقى تناولنا للمقولات النحوية في اللغة العربية .
كما هو معلوم، كان أول عمل علمي منظم مارسه العقل العربي، هو جمع اللغة العربية في عصر التدوين ، ثم تقعيدها ، يعني الانتقال بها من مستوى اللاعلم إلى مستوى العلم (لها قواعد وضوابط وقوالب ) (1).
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي وزملاؤه من السباقين الذين صبوا اللغة العربية في قوالب صورية تعتمد الاشتقاق من الفعل ( أهل الكوفة ) بخلاف أهل البصرة الذين كانوا يعتمدون الاشتقاق من المصدر . ووضعت من خلال هذه الاشتقاقات - بالنسبة إلى النحاة واللغويين- بمثابة مقولات (معاني عامة ) وقوالب، كاسم الفاعل، واسم المفعول، واسم الآلة، و اسم الهيئة، واسم المصدر...
فهذه القولبة للغة العربية في عصر التدوين خلقت لغة جديدة داخل لغة (لغة الأعرابي ) الذي كان يتكلم عن السليقة . وأصبح النحاة يتكلمون في كلام الأعرابي بلغة جديدة من كلامه الشيء الذي يعني أن لغة النحاة كانت بالنسبة للأعرابي عبارة عن إحداث لغة في لغة (2) .
أما المقولات المنطقية ، فهي أمور مسندة، أو مقولة على موضوع . فهي مفاهيم تدل على خصائص وتحديدات واقعية للأشياء بوصفها أشياء توجد قبل أن تمارس في الذهن فعاليته . فهي إذن ليست قوالب ذهنية كما هو الشأن عند كانط ، بل هي من خصائص الواقع. وقد استخلصها أرسطو تجريبيا (3).
مقارنة بين المقولات النحوية والمقولات الأرسطية
1- إن المقولات الأرسطية عددها عشرة
2-ان المقولات النحوية عددها أكثر من ذلك
3-إن اللغة اليونانية لغة آرية
4-إن اللغة العربية لغة سامية
5-إن اللغة اليونانية تنطلق من الاسم
6- إن اللغة العربية تنطلق من الفعل كمصدر
7- إن المقولات النحوية خالية من الإضافة، و الوضع، و الملكية
8- إن المقولات الأرسطية خالية من اسم الآلة،واسم الهيئة ...
مما يطرح إشكالا : تعارض واختلاف بين المنطق الأرسطي والنحو العربي ، وهذا التعارض هو ما تعكسه مرافعات السيرافي في المناظرة الشهيرة التي دارت بينه وبين أبي بشر متى المنطقي في مجلس الوزير الفضل بن جعفر والتي دونها أبوحيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة.
فالتعارض، والاختلاف ببن المنطق اليوناني، والنحو العربي يعني تعارض واختلاف في الثقافتين ، وفي المرجعتين، مما يعني أن التواصل لا يمكن أن يكون تاما، وكاملا بين الفكر الذي يعتمد المنطق الأرسطي والفكر الذي يعتمد النحو العربي.
فالتفاهم التام متعذر ، بل هناك تخارج واصطدام بين الثقافتين اليونانية، والعربية - الإسلامية ، مما يخلق فجوة عميقة ميتافيزيقية بين الرؤية اليونانية، والرؤية العربية لأن كل منهما يحمل رؤية ميتافيزيقية حول العالم والإنسان والله(4).
هوامش
(1) الجابري ب.ع.ع. المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء ط1. 1991 . ص 76
(2) نفس المصدر .ص90
(3) نفس المصدر .ص 358
(4) نفس المصدر .ص 50
المراجع
-الجابري . ب.ع.ع.المركزالثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1
طه عبد الرحمان تجديد المنهج في تقويم التراث. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء .ط2
المقالة رقم 6
أول محاولة لتقريب المنطق اليوناني للعلوم الأصيلة بعد الكندي (المناظرة الشهيرة التي دارت بين أبي سعيد السيرافي ومتى المنطقي)
تدخل المناظرة التي دارت بين أبي سعيد النحوي، ومتى أبي بشر المنطقي سنة 326هجرية بمجلس الوزير الفضل بن جعفر الفرات في إطار أول محاولة لتقريب المنطق اليوناني إلى الثقافة العربية الإسلامية- بعد الكندي ـ والتي دونها أبو حيان التوحيدي في كتابه "الإمتاع والمؤانسة". كشف فيها كل من السيرافي ومتى عن موقفه من المنطق الأرسطي والنحو العربي.
لقد كان متى يعطي اهتماما بالغا للعقل الكلي انطلاقا من علم المنطق لتجريده، وباعتباره آلة من آلات الكلام تعرف بها صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، وشبيه بالميزان الذي يعرف به الرجحان من النقصان.
وكان أبو سعيد يعرف صحيح الكلام بالنظم وبالإعراب إن كنا نتكلم العربية حسب زعمه .
وحول علاقة المنطق الأرسطي، والنحو العربي، اختار الوزير الفضل بن جعفر السيرافي لمناظرة أبي بشر، وهو اختيار موفق، أمام جمهور غالية السيرافي. وكانت البداية مع أبي سعيد النحوي، وكان أول سؤال توجه لمتى هو: حدثني عن المنطق ما تعني به ؟ فإذا فهمنا مرادك فيه، كان كلامنا معك في قبول صوابه(1).
قال متى: أعنى به أنه آلة من آلات الكلام يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، فاسد المعنى من صالحه كالميزان، فإني أعرف به الرجحان من النقصان، والشائل من الجانح(2).
فأخطأ السيرافي متى، وأخرجه من مجال المنطق إلى مجال اللغة العربية ،وتركيبها، ونظمها، وإعرابها، قائلا في تخطئته له : إن الكلام من سقيمه يعرف بالنظم وبالإعراب إن كنا نتكلم بالعربية(3) مما يعني أن أبا سعيد رفض المنطق اليوناني لأنه ليس عربيا. وأن واضعه رجل من يونان، وبلغة أهلها، واصطلاحهم عليها وما يتعاقبون بها من رسومها وصفاتها.
يقول أبو سعيد لمتى: فمن أين يلزم الترك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه ويتخذوا منه قاضيا وحكما لهم وعليهم (4)؟ لهذا ، يخاطب السيرافي متى في مرافعته: إنك إذن لست تدعونا إلى علم المنطق، إنما تدعونا إلى تعلم اللغة اليونانية وأنت لا تعرف لغة اليونان(5).
وحول الحروف الهجائية العربية، وجه أبو سعيد سؤالا لمتى حول حرف "الواو" ما أحكامه؟ وكيف مواقعه؟ هل هو على وجه أو وجوه؟(6)
فال متى في رده عن السؤال: هذا نحو، والنحو لم أنظر فيه لأنه لا حاجة بالمنطقي إليه، وبالنحوي حاجة شديدة إلى المنطق، لأن المنطق يبحث عن المعاني، والنحو يبحث عن اللفظ، فإن مر النحوي بالمعنى فبالعرض، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضح من المعنى(7). وهنا عاب السيرافي على متى قائلا له: أنت تجهل حرفا واحدا في اللغة العربية التي تدعو بها إلى حكمة يونان، ومن جهل حرفا أمكن أن يجهل حروفا، ومن جهل حروفا جاز أن يجهل اللغة بكاملها.
وفي مرافعة أخرى خاطب السيرافي متى قائلا: وماذا تقول عن القولين 1) زيد أفضل الإخوة. 2) زيد أفضل إخوته. قال متى القول الأول صحيح، والقول الثاني كذلك صحيح.
قال أبو سعيد: أفتيت على غير بصيرة ولا استنابة. المسألة الأولى صحيحة وإن كنت غافلا على وجه صحتها، والمسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح وإن كنت أيضا ذاهلا عن وجه بطلانها(8).
السؤال بالنسبة للمسألتين، هل بالفعل أخطأ متى وهو المنطقي والذي تولى رئاسة مدرسة بغداد المنطقية وأستاذ الفارابي المعلم الثاني؟
أولا: المسألة هل هي نحوية أم منطقية؟
فمتى لا يرى أي فرق منطقي بين القولين، لأنه يفهم "الإضافة" كمقولة منطقية من المقولات العشر. بينما يميز السيرافي بين القولين ويرى أن القول الثاني فاسد، لأنه يفهم معنى الإضافة فهما خاصا في إطار اللغة العربية وليس كما فهمها متى في إطار اللغة اليونانية.
لقد فهم متى الإضافة بالمعنى المنطقي: كمفهوم الأخوة ،و كعلاقة مفهوم الأبوة بمفهوم البنوة ، وكعلاقة الجار بجاره، وكعلاقة العبد بالسيد. أما السيرافي فقد فهم هذه العلاقة بمعنى "النسبة". وهكذا نسب زيد إلى إخوته، أي جعله واحد منهم، يستغرقه الكل الذي ينتمي إليه، ومن ثمة رأى أنه لا يمكن أن يكون زيد أفضل الإخوة لأنه منهم.
فهذا التحليل يجرنا إلى تقابلات المقولات المنطقية الأرسطية والمقولات النحوية العربية.
فمقولات الإضافة والوضع والملكية المنطقية ليس لها ما يقابلها من المقولات النحوية العربية. والمقولات النحوية العربية كالمصدر واسم الآلة واسم الهيئة ليس ما يقابلها في المقولات المنطقية، معناه أن التواصل لا يمكن أن يكون تاما، وكاملا بين الفكر الذي يعتمد المنطق الأرسطي، والفكر الذي يعتمد النحو العربي.
فالتفاهم التام متعذر، بل هناك تصادم ، وتخارج بين الثقافتين مما يخلق فجوة ميتافيزيقية بين الرؤية اليونانية، والرؤية العربية الإسلامية (9)
لنعد إلى مرافعات أبي سعيد السيرافي، وماذا حملت بين طياتها هذه المناظرة؟
- لقد حملت معها عدة صور تعبر عن مواقف لكل من المنطق الأرسطي والنحو العربي، أحرزت تلك المواقف بعرض التقابلات ما بين الرؤية اليونانية(البرهانية)، والرؤية العربية الإسلامية (البيانية) لاختلاف المرجعيات، كل واحدة لها ثوابتها ، ولها مصادرها ،ولها جذورها.
- لقد كان للمناظرة دورا في انطلاق الاشتغال بالتقريب اللغوي للمنقول المنطقي.ولقد دارت المناظرة على ثلاث مسائل:
1- المنطق بين الشمولية والخصوصية
2- المنطق بين الاشتغال عن اللغة والتقيد بها
3- المنطق بين الصناعة والطبيعة (10). وقد تناولت المناظرة مسألة ما إذا كان المنطق اليوناني بحث في المعقولات الكلية التي تلزم الأمم كلها، أم بحثا في المعاني الخاصة التي لا تلزم إلا أهل اليونان(11) . وتعرضت المناظرة للبحث في مسألة ما إذا كان المنطق والنحو حقيقتين مختلفتين فيما بينهما، أم كانا وجهين لحقيقة واحدة(12).
وتطرقت المناظرة كذلك لمسألة ما إذا كان المنطق صناعة تدفع بقوانينها الخلاف بين الأمم، وتوجه عقولهم إلى معرفة واحدة. أم كان نظرا طبيعيا في المقولات تختلف فيه الأمم كما تختلف في غيره(13).
أما دعوى الشمولية: شمولية المنطق، فيبطلها السيرافي ببيان أن مؤسسه أرسطو وضعه على مقتضى لغة اليونان، وأن معانيه فسدت بالترجمة(14) .
أما دعوى استقلاليته: استقلالية المنطق: فيردها السيرافي بتوضيح أنه لا سبيل إلى العلم بما جال في الفكر ما لم يوجد له اللفظ الذي يطابق المراد، وما من مسألة تبنتها علاقتها بالشكل اللفظي إلا ويتبين عن البحث أنها تنطوي على معان عقلية والعكس بالعكس(15).
أما دعوى صناعة المنطق: فيبطلها السيرافي في بيان أن معرفة الصحة في المقولات معرفة طبيعية وجدت مثل وجود المنطق الصناعي. ثم أن ما يدرك من هذه المقولات يختلف باختلاف اللغات الطبيعية بحيث لا ينفع مما رفع الاختلاف في المقولات كما لا يرتفع الاختلاف بين اللغات(16) .
فالمناظرة إجمالا تعالج من جهة إشكالية اللغوي، والمنطقي ومن جهة أخرى تعتبر أول محاولة لتقريب المنطق الأرسطي للثقافة العربية الإسلامية(17).
السؤال هل السيرافي بالفعل رفض المنطق الأرسطي؟
لقد سبق أن طرح محيي الدين صبحي على الأستاذ محمد عابد الجابري سؤالا في إطار الندوة التي عقدتها مجلة الوحدة العربية للسنة الثالثة في شهر نونبر 1986، وكان موضوع الندوة من الفصل الثاني عشر من كتاب التراث والحداثة للجابري. وفي هذا السياق، طرح صبحي سؤاله: هل السيرافي فعلا رفض العقل الكلي (المنطق الأرسطي)؟
وفي جوابه ، ميز الجابري بين موقفين اثنين: موقف الباحث الذي يبحث في المنطق العربي، أو في المنطق اليوناني، وموقف المجادل والمتكلم الذي يدافع عن عقيدته. فموقف السيرافي في المناظرة كان موقف المجادل والمتكلم والمرافع عن عقيدته ، وعن رؤية العرب والمسلمين للعالم وللكون(18).
لقد انهزم أبو بشر أمام السيرافي في مجلس الفرات لعدم تمكنه من اللغة العربية، وجهله للنحو العربي، ولم يكن مجادلا متكلما، لكن الفارابي تلميذ متى، أرجع الأمور إلى نصابها، وحاول بدوره إعادة ترتيب العلاقة بين النحو العربي، والمنطق اليوناني، علاقة اللفظ بالمعنى (..)وهو الاتجاه الذي سار عليه ابن سينا في المشرق وابن حزم وابن رشد في المغرب والأندلس دفاعا عن المنطق الأرسطي وتقريبه إلى اللغة العربية.
هوامش
(1) أبو حيان التوحيدي . الإمتاع و المؤانسة.دار المعرفة . بيروت .ط1 .2004 . ص 66
(2) ن. م. ص67
(3) ن.م ص.67
(4)ن.م.ص67
(5)ن.م ص67
(6)ن.م.ص71
(7)ن.م.ص72
(8)ن.م ص72_73
(9) الجابري . ب.ع.ع. المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء . ط1. 1991 ص51-52
(10)ن. م ص 330؟
(11) طه عبد الرحمان . تجديد المنهج .المراكز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط. بدون تاريخ2 ص330
(12) ن. م. ص.330
(13)ن.م. ص330
(14)ن.م.ص320
(15)ن.م.ص330
(16) ن.م ص331
(17) ن.م.ص331
(18) الجابري . التراث والحداثة . المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط1 .1991 ص313
المراجع
-أبوحيان التوحيدي .الإمتاع والمؤانسة.دار المعرفة .بيروت . ط1 .2004
-أبوحيان التوحيدي. المقابسات. تحقيق وتقديم محمد توفيق حسين . دار الآداب . بيروت . ط2 .1989
- طه عبد الرحمان. تجديد المنهج في تقويم التراث .المركز الثقافي العربي
الدار البيضاء .
-الجابري . نحن والتراث .المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط5 . 1986
- الجابري. التراث والحداثة.المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط1 . 1991
المقالة رقم 7
الغزالي: دفاعا عن المنطق الأرسطي (في المشرق).
لنتوقف في المشرق مع الإمام أبي حامد الغزالي، ليس لتفكيره للفلاسفة، وتحذيره من الرياضيات، بل لدفاعه عن المنطق الأرسطي، ورفع اللبس والفهم الخاطئ عن المنطق، مما يزيل التعارض الذي أقامه بعض المتزمتين من الفقهاء بين المنطق الأرسطي والدين الإسلامي(=بين الوحي والعقل ).
من بين الكتب التي خصصها الغزالي دفاعا عن المنطق "معيار العلم" و "محك النظر" و "مقاصد الفلاسفة" و "المستصفي" و "السراط المستقيم". ويعتبر معيار العلم أهم كتبه المنطقية بذل فيه جهدا عقليا للتبشير بالمنطق الأرسطي، فحرر بذلك الأشاعرة من منهج الاستدلال بالشاهد على الغائب.
وينقسم معيار العلم إلى أربعة مباحث:
1) مبحث في مقدمات القياس
2) مبحث في القياس
3) مبحث في الحد
4) مبحث في أقسام الوجود وأحكامه
والمنطق عند حجة الإسلام علم نظري، ومعيار تجريدي، يراد تقريبه إلى العلوم الأصيلة (البيانية)، وبما أنه آلة فهو يخدم جميع العلوم، كعلم الحساب الذي يخدم علم الفرائض، والتصوف الذي يخدم علم الأخلاق، ويتداخل في جميع العلوم كدخول الهندسة مع الجبر والرياضيات مع الفيزياء(1).
يعتبر التبشير بالمنطق لدى الغزالي محاولة لتقريب المنطق الأرسطي للعلوم التراثية بعد محاولة أبي بشر متى المنطقي في المناظرة المشهورة التي دارت بينه وبين أبي سعيد السيرافي في مجلس الوزير الفضل بن جعفر والتي دونها أبو حيان التوحيدي في كتابه "الإمتاع والمؤانسة". وبعد محاولة الفارابي وابن سينا ومحاولة ابن حزم في العالم الغربي الإسلامي.
إن ما يسمى عند الفلاسفة منطقا ، يطلق عليه الغزالي "معيار العلم" أو "معيار العقل". فهو يعرفه (المنطق) في كتابه مقاصد الفلاسفة أنه القانون الذي يميز صحيح الحدود والقياس من غيره(2)، فيتميز العلم اليقين عما ليس يقينا، وكأنه الميزان، أو المعيار للعلوم كلها، فكل من لم يوزن بالميزان، لا يتميز فيه الرجحان من النقصان، ولا الربح من الخسران.
كما يطلق عليه في تهافت الفلاسفة أسماء أخرى: فهو يسميه تارة كتاب النظر، وتارة كتاب الجدل، وتارة مدارك العلوم، فهو يلتزم هذه التسميات يبين من خلالها أن المنطق ليس مخصصا بالفلاسفة وحدهم(3). يقول: ...ولكن المنطق ليس مخصوصا بالفلاسفة، إنما هو الأصل الذي نسميه في الكلام كتاب النظر، فغيروا عباراته إلى المنطق تحويلا، وقد نسميه مدارك العقول(4).
بالنسبة لتقريب المنطق الأرسطي للعلوم التراثية يعتبر طه عبد الرحمان أن أفضل من اشتغل بالتقريب العقدي هو الإمام الغزالي في كتبه المنطقية ومنها معيار العلم (5).
وأفضل من اشتغل بالتقريب المعرفي (الإيسمولوجي) هو الإمام ابن تيمية في كتابه "الرد على المنطقين" وأفضل من اشتغل بالتقريب اللغوي هو الفقيه ابن حزم القرطبي في كتابه "الحد التقريب"(6)).
فالغزالي في تقريبه للمنقول المنطقي إلى المجال البياني استبدل المصطلحات الفقهية مكان المصطلحات المنطقية الأرسطية، وإيراد الأمثلة الفقهية على مختلف مكونات المنطق، ثم رد الموازين العقلية إلى الاستدلالات الحملية بأشكالها الثلاثة، والقياس الشرطي بصورتيه المتصلة، والمنفصلة من النص القرآني(7).
لقد تبين للغزالي أن العقيدة لا دخل لها في المنطق، وجعل من هذا الأخير علما "محايدا" بعمليتين اثنتين:
1- تبرئة المنطق وتخطئة المنكرين له، وتبرئة المنطق كونه لا يتعرض للأمور الدينية لا بالنفي ولا بالإثبات، لا شأن له بالحكم بالإيجاب أو السلب على المضامين و الحقائق التي تنظر فيها العلوم الدينية(8) .
2- أما تخطئة المنكرين فمرده إلى كساد دليلهم العقدي، وعلى ما يترتب على إنكارهم من نتائج مضرة بالدين، فدليلهم العقدي فاسد لأنه يتعارض مع حقائق ثابتة، وهي أن المنطق كوسيلة لا تتعلق بالدين كمقصد (9) .
هوامش
(1) طه عبد الرحمان . تجديد المنهج . المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط2 بدون تاريخ . ص 230؟
(2) أبو حامد الغزالي , معيار العلم . شرح احمد شمس الدين .دار المتب العلمية .بيروت .ط1 . 1990. ص25
(3) ن.م ص25
(4) ن.م.ص 25
(5)طه عبد الرحمان . تجديد المنهج . مصدر سابق ص 325
(6) ن.م ص329
(7) ن.م ص 341
(8) ن.م.ص343
(9) ن.م ص340
المراجع
- الغزالي. معيار العلم .شرح أحمد شمس الدين . دار الكتب العلمية .بيروت . ط1. 1990
- طه عبد الرحمان . تجديد المنهج في تقويم التراث .المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء . ط2
المقالة رقم 8
الفقيه ابن حزم القرطبي : دفاعا عن المنطق الأرسطي(في الغرب الإسلامي)
تناولنا المنطق اليوناني بالمشرق في إطار إشكالية المشارقة، والآن سنتناوله في المغرب والأندلس في إطار إشكالية المغاربة والأندلسيين، سنتناول ابن حزم كمدافع عن الآليات العقلية التي تتجلى في منطق أرسطو ولتقريبه للعلوم الشرعية.
وقبل تناول هذه الشخصية التي أسست لمشروع مضاد لمشروع المشارقة، نشير إلى نقطتين أساسيتين:
الأولى: تتناول ظروف وملابسات دخول المنطق الأرسطي إلى المغرب والأندلس.
الثانية: تتعلق بحضور المنطق اليوناني في شمال إفريقيا قبل الفتح الإسلامي.
بالنسبة للنقطة الأولى نطرح سؤالا: ما علاقة مدرسة بغداد المنطقية بمناطقة الأندلس؟
فحسب صاعد الأندلسي، أن الطبيب والمنطقي محمد بن عبدون الجبلي الذي درس المنطق في بغداد على يد أبي سليمان السجستاني رئيس مدرسة بغداد، والذي قضى بالمشرق حوالي ثلاثة عشر عاما، والعائد إلى الأندلس، هو الذي نقل الاتجاه المنطقي الفلسفي الذي عرفت به مدرسة بغداد(1). وعلى أساس الرياضيات والفلك والمنطق ظهرت الفلسفة البرهانية في المغرب والأندلس.
أما بالنسبة للنقطة الثانية: فالمنطق كان حاضرا مع مفكرين في شمال إفريقيا مثل المفكر والفيلسوف القديس أوغسطين، والمنطقي أبوليوس المداوري، ومؤرخ المنطق فكتورنيوس الإفريقي(2). إذ كانت بالمغرب وشمال إفريقيا ما قبل الإسلام ثقافة يونانية ورومانية، لكنها لم تدم تلك الاستمرارية بين تلك الثقافة، والثقافة الإسلامية، بل كانت قطيعة تامة(3). وتستأنف الحياة المنطقية مع فقيه قرطبة صاحب مشروع مضاد لمشروع العباسيين والفاطميين إيديولوجيا ومعرفيا.
على مستوى المعرفي (الإيستمولوجي) ’أراد ابن حزم أن يؤسس البيان على البرهان مع إقصاء العرفان (تأسيس الشرع على القطع ) (4) معتمدا القياس الجامع (السجلموس) بدل منهج الشافعي، منهج علماء الإسلام الأوائل في المشرق لتشييد رؤية بيانية جديدة تحترم مبادئ الدين ومبادئ الشريعة(5) .فكان على ابن حزم أن يقرب المنطق الأرسطي من العلوم الشرعية بصفته أداة للتفكير، وكان عليه أن يفصل بين الشرعيات والعقليات لأن لكل منهما مبادئها وأسسها ولا يمكن الجمع بينهما منهجيا.
وفي هذا الاتجاه ألف ابن حزم كتابه في المنطق "لحد التقريب، لحد المنطق والمدخل إلى الألفاظ العامية والأمثلة الفقهية"يقول في مقدمته:
"فلما نظرنا في ذلك المنطق الأرسطي، وجدنا بعض الآفات الداعية إلى البلايا التي ذكرنا، تعقيد الترجمة فيها، وإيرادها بألفاظ غير عامية، ولا فاشية الاستعمال، وليس كل منهم تصلح له كل عبارة، فتقربنا إلى الله بأن نورد معاني هذه بألفاظ سهلة مبسطة يستوي إن شاء الله في فهمها العامي والخاص، والعالم والجاهل(6).
لقد تخلى ابن حزم عن الألفاظ الوعرة والغامضة في النص المترجم إلى اللغة العربية، واستبدلها بألفاظ تتناسب وعقلية الجمهور كلفظ العلم ،ولفظ البيان، ولفظ الرحمان علم القرآن خلق الميزان، علمه البيان(سورة الرحمان)(7).
لقد استشعر ابن حزم ضرورة الخروج عن المنهج الأصولي الذي قنن له الشافعي حتى تكون المعرفة علمية قائمة على القطع واليقين وليس على التخمين والظن. وهذا ما قام به فقيه قرطبة في المغرب والأندلس، ومن هنا جاءت كتاباته في المنطق دفاعا عن القياس الشمولي (السجلموس).
لقد ناضل ابن حزم من أجل إبطال منهج الشافعي وجاء بالبديل أي منهج القياس الأرسطي، لبناء الشرعيات على القطعيات مما يستدعي قطيعة مع منهج المشارقة الأوائل لاختلاف الإشكاليتين: إشكالية التوفيق، وإشكالية الفصل.
هوامش
(1) عبد السلام بن ميس . العلم والفكر العلمي في الغرب الإسلامي في العصر الوسيط , منشورات كلية الآداب بالرباط . سلسلة ندوات ومناظرات . رقم 94. ص28
(2) ن. مز ص. 29
(3 ن.م ص29
(4) سالم يافوت . ابن حزم والفكر الفلسفي . المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1 .1986 .ص. 200؟
(5)ابن حزم . لحد التقريب . 14
(6) ن.م. ص 15
(7) طه عبد الرحمان .تجد يد المنهج . المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء ط2 بدون تاريخ ص 182 ؟
المراجع
- طه عبد الرحمان. تجديد المنهج . المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط2 .بدون تاريخ
- -سالم يافوت ابن حزم والفكر الفلسفي. المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1 1986.
-
- ابن حزم .التقريب لحد التقريب.تحقيق احمد فريد المزيدي . دار الكتب العلمية . بيروت
- عبد السلام بن ميس العلم والفكر العلمي بالغرب الإسلامي في العصر الوسيط منشورات كلية الآداب الرباط سلسلة ندوات ومناظرات رقم 94
المقالة رقم 9
أبو الوليد بن رشد: الشارح الأكبر
يعتبر صاحب "أعز ما يطلب" من منقذي مشروع ابن حزم الذي أراد من خلاله فصل منهج الشرعيات عن منهج القطعيات باستعمال منهج المناطقة، إذ رفض ابن تومرت بدوره منهج المشارقة القائم على الاستدلال بالشاهد على الغائب، المنهج القائم على قيمة ثالثة، وليس على منهج إما وإما.
وفي نفس الاتجاه، سار ابن رشد الذي انخرط بقوة في الإشكالية العامة الفكرية، والسياسية التي جاءت كتتويج لحركة ابن تومرت الإصلاحية(1). لقد طلب ابن ثومرت الرجوع إلى الأصول بما فيها العودة إلى أرسطو نفسه. تلك هي المهمة التي أناطها الخليفة أبو يوسف يعقوب بن عبد المومن بابن رشد: مهمة شرح كتب أرسطو بما فيها الكتب المنطقية(2).تلك الشروحات التي اعتمدها السكولائيون في أوربا: شرح ما جاء في الأورغانون وخاصة التحليلات الأولى والتحليلات الثانية، وهي نفس الشروحات التي اعتمدت عليها المدرسة الرشدية في بلورة منهج ينطلق من مقدمات يقينية وصولا إلى نتائج معينة بالضرورة.
لقد انطلق ابن رشد مع علوم الأوائل انطلاقا من السؤال الثاني: هل النظر في الفلسفة وعلم المنطق مباح بالشرع؟
يجيب ابن رشد عن السؤال انطلاقا من آيات قرآنية: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" وهي آية تنص على وجود استعمال القياس العقلي والعقل الشرعي معا (3) .
"أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من أشياء" (= الأعراف) (..) مما يعني أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل، وبالتالي يكون فعل الفلسفة ليس شيئا آخر أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع (الخالق عند البيانيين).
وإذا كان قد قرر الشرع واجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهولات من المعلوم واستخراجها منه، وهذا هو القياس العقلي (أحد أدوات العقل في الاستنباط) فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي (4). وفي حديث عن الرسول "اطلبوا العلم ولو في الصين". وهو طلب معرفة نافعة سواء كانت صينية،أو فارسية أو هندية، أو يونانية ،كان أهلها مشاركين لنا أو غير مشاركين لنا في الملة.
يقول ابن رشد:
"وإذا كان غيرنا قد فحص عن ذلك، فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقد منا في ذلك"(5).
"وسواء أكان ذلك 'الغير' مشاركا لنا، أو غير مشارك لنا في الملة ، فان 'الآلة' التي تصح بها 'التذكية' لا يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة وغير مشارك، إن كانت فيها شروط الصحة".
ويعني ابن رشد بغير المشارك: من نظر في تلك الأشياء(الموجودات) من القدماء قبل ملة الإسلام أومن بعده، ويقول صاحب فصل المقال : وإذا كان الأمر كذلك وكان كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عند القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا، إلى كتبهم ، فننظر فيما قالوه من ذلك. فإن كان كله صواب، قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب، نبهنا عليه(6)
وفي علاقة الشريعة بالحكمة يقول أبو الوليد:
"وإذا كانت هذه الشريعة حقا، وداعية إلى النظر المؤدى إلى معرفة الحق، فأنا معشر المسلمين نعلم علم القطع (العلم البرهاني) أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له (7) .
فلا مجال للشك، أن القياس البرهاني لا يضاد القياس الشرعي، بل كل واحد منها يشهد للأخر، ويوافقه. مما يعني أن الذين رفضوا المنطق الأرسطي (القياس البرهاني) سواء في المشرق، أو في المغرب والأندلس، رفضوا العقل، ودوره في بناء المعرفة اليقينية. أليس العقل ، بل المنطق هو الذي أوصلنا إلى ما وصلت إليه العلوم المعاصرة من تكنولوجيا،وإعلاميات، وبرمجة؟ وليس ثقافة العنعنة والثرثرة التي تغلغلت في عقل المجتمع العربي والإسلامي . فلنتسلح بالمنطق وبالعقل كمرجعية للخروج من الركود الذي أطال أمده منذ قرون .
هوامش
(1) الجابري . نحن والتراث .المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء. ط5 1986 . ص 135
(2) ابن رشد . فصل المقال . تحقيق محمد عمارة . المؤسسة العربية . بيروت. ص 25-26
(3) ن.م. ص 25
(4) ن.م .صً29
(5) ن . م. ص 26
(6) ن.م . ص 31-32
(7) ن.م. ص 32
المراجع
الجابري . نحن والتراث. المركز الثقافي العربي .الدار البيضاء .ط5 . 1986
ابن رشد . فصل المقال. تحقيق محمد عمارة .المؤسسة العربية . بيروت .
المقالة رقم 10
على سبيل الختم :هل من نصل أوكامي عربي ؟
نختم هذه المقالات بمنطق وليم الأوكامي وربطه كمنهج بفلسفة ب . رسل من جهة .ومن جهة أخرى نتساءل هل من نصل أوكامي عربي يقلل من الثرثرة والعنعنة ؟
يعتبر وليم الأوكامي أهم اسكولائي بعد توما الأكويني . يقول عنه رسل أنه لايدري عن ظروف حياته إلا حقائق غاية في التشويه والغموض . فربما جاءت ولادته بين 1220و1349او 1350 . ويذهب معظم الناس إلى انه قد ولد في أوكام من أعمال مقاطعة تيسيري، أو في أوكام التابعة لمقاطعة يوركشير. كان تلميذا ل. دنس سكوتس ثم فيما بعد أصبح منافسا له (1).
استدعاه البابا يوحنا الثاني والعشرين لزندقته حول بعض التهم الموجهة ضده بخصوص تحول مادة المسيح ، فصدر في حقه سنة 1328 بإخراجه من الكنيسة (2) .
اشتهر وليم بمبدأ اتخذ اسم نصل أوكام ،أو مقص أوكام . ومفاده أن الكائنات لا ينبغي أن تتكاثر بغير موجب . فعلى الرغم من انه لم يقل بهذا فقد قال شيئا أشبه به من حيث معناه . إذ قال : إذا أمكنك أن تكتفي بالعدد الأقل، فمن العبث أن تستخدم عددا أكبر.
يقول رسل : ولقد وجدت هذا المبدأ مفيدا أكبر الفائدة في التحليل المنطقي الذي قمت به(أي في الفلسفة التحليلية ) (3).
.
يؤكد رسل (1872_1970) أن كل المشاكل الفلسفية في جوهرها لاشك منطقية .ولتجاوز هذه المشاكل عليها أن تلتزم حدود المنطق (4). ولقد تعلم رسل من أستاذه وايتهد استخدام مبدأ نصل أوكام. وهي قاعدة منهجية تعني التقليل من الفروض، ومن الكائنات التي لا تدعو الحاجة إليها ، وحذفها تحقيقا لمبدأ الاقتصاد في التفكير .
فإذا كان لرمز الكائنات (ا) و(ب) و(ج) وكان بالإمكان رد (ج) إلى (ا) و(ب) فقط ، حذف (ج) والعمل بكائنين بدلا من ثلاثة.
ٍ وقبل تناول العلاقة بين مبدأ نصل أوكام بفلسفة رسل ، نطرح الأسئلة التالية : هل الطبيعة تريد تكاثر الفقهاء والفرقاء والزعماء والأمراء بغير موجب ؟ هل الطبيعة في المغرب مثلا تريد عددا أكبر من البرلمانيين في الغرفتين ؟ هل نحن بالفعل في حاجة إلى هذا العدد الهائل من ممثلي الأمة الذين "يمصون" أموال الشعب والذين لا يمثلون إلا أنفسهم؟هل نحن محتاجون إلى عدد الزوايا (=والشيوخ والمريدين والأتباع ) التي تمولها الدولة أحيانا بصيغة من الصيغ ونحن نتحدث عن الحداثة وعن قيمها ؟ هل الطبيعة في حاجة إلى أصحاب ثرثرة ،وأصحاب عنعنة وما أكثرهم في العالم الإسلامي ؟
كان رسل قبل أن يتسلح بمبدأ نصل أوكام يرى أن الكون يتكون من نقط وذرات ولحظات وأحداث. وحين طبق هذا المبدأ الأوكامي، بقيت لديه فقط الأحداث التي قال بها اينشتين :
إن الكون أحداث متتالية متداخلة فيما بينها متصل الرباعي الأبعاد . وأن الذرات والبرق والرعد والزلزال...ما هي إلا أحداث. وعلى هذا الأساس، بقي رسل منسجما مع نتائج الثورات العلمية المعاصرة : ثورة ماكس بلانك وثورة اينشتين وثورة ريمان ولوباتشوسكي.
اعتبر رسل أن العالم مكون من حوادث كما قال بها اينشتين. وبتطبيق أدواته المنطقية عليها ، أصبحت الأحداث عنده محايدة، لاهي عقل، ولا هي مادة ، بل شيء مختلف عن كليهما . إنها نظرة محايدة تقضي على الثنائية الديكارتية القائلة بجوهرية العقل، وبجوهرية المادة . وتختلف عن الواحدية المثالية التي قال بها برادلي التي تقرر بجوهرية العقل وحده ،وتختلف عن الواحدية المادية التي تقرر بجوهرية المادة فقط.
إن استعارة رسل لمفهوم الحوادث عن طريق منهجية نصل أوكام التي أصبحت عنده محايدة ورفضه لما عداها لأن أصحاب الواحديات الأخرى عاشوا سجناء لتصور الزمان المطلق والمكان المطلق كإطارين منفصلين وسجناء لمكان اقليدس بدل المكان الريماني (نسبة إلى ريمان)
فمع نظرية الكوانتا مع ماكس بلانك ، ارتدت الذرة بدورها إلى إشعاعات، والى سلاسل من الأحداث . فلا سكون البتة في قلب نواة الذرة، ولا وجود للشيء أو الجوهر المادي إلا على شكل أحداث.
تلك هي انطولوجية رسل، وتصوره للعالم بعد إن انفصل عن مثالية هيغل :كان رسل هيغليا ثم انقلب إلى النقيض أي إلى الواقعية، ثم تخلى عن الواقعية بجمع خير ما فيهما معا (تجاوزهما إلى ما هو أفضل ). ذلك هو الربط الذي جمع بين منطقي القرن الثالث عشر وليم الاوكامي صاحب مبدأ نصل أوكام، وأبي المنطق الرمزي ب . رسل .فالأول صاحب منهجية وصاحب مبدأ :مبدأ نصل أوكام، والثاني صاحب فلسفة هيكلها ذلك المنهج الأوكامي . فمن خلال ذلك المنهج أزاح رسل كل الكائنات الزائدة على الفهم. وبقيت لديه العصارة الفكرية . فمتى نطبق منهجيا مبدأ نصل أوكام في ثقافتنا لإزاحة الكائنات الزائدة على الفهم في كل القطاعات وفي كل المجالات ؟ فمتى نطبق هذا المبدأ للقضاء على الطفيليين وما أكثرهم؟ .
هوامش
(1) ب. رسل . تاريخ الفلسفة الغربية الكتاب الثاني . ترجمة زكي نجيب محمود. مراجعة احمد أمين . مطبعة لجنة التأليف والترجمة .ط2 1968 ص258
(2) ن. م. ص 259
(3) ن.م. ص264
(4) بوعزة ساهل . جدلية العلم والعقل ,دار التوحيدي . الرباط . ط1 2007 ص88
(5) ن.م. ص 88
(6) ن.م ص89
المراجع
ب. رسل .تاريخ الفلسفة الغربية . الكتاب الثاني . ترجمة زكي نجيب محمود مراجعة احمد أمين.
بوعزة ساهل. جدلية العلم والعقل دار التوحيدي الرباط. ط1 .2007
الفهرست
المقالة الصفحة
مقدمة--------------------------------------------------5-------
المقالة الأولى : الجدل عند الهللينيين---------------------------
المقالة الثانية : المنطق الأرسطي تعريفه وموضوعه-----------------
المقالة الثالثة : مدخل إلى ايساغوشي----------------------------
المقالة الرابعة : مدخل إلى قاطيغورياس--------------------------
المقالة الخامسة : المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية : أية علاقة ؟----------
المقالة السادسة : السيرافي مقابل أبي بشر متى في المناظرة الشهيرة---------
المقالة السابعة : أبو حامد الغزالي والدفاع عن المنطق الأرسطي ----------
المقالة الثامنة :أبو حزم القرطبي والدفاع عن المنطق الأرسطي-----------
المقالة التاسعة : ابن رشد الشارح الأكبر-------------------------
المقالة العاشرة وهي على سبيل الختم بعنوان :هل من نصل أوكام عربي؟-----
مؤلفات للكاتب----------------------------------------
مؤلفات الكاتب
-1نحن والرياضيات دار القرويين الدار البيضاء ط1 .1999
-2نحن والرياضيات صوماغرام الدار البيضاء ط2 .2006
3- أوراق باشلارية دار القرويين الدار البيضاء ط1 .2000
4- علم الهندسة بين العلماء والفلاسفة دار القرويين الدار البيضاء ط1 .2001
5- جدلية العلم والعقل ط1 دار التوحيدي . الرباط. 2007
6-الرياضيات عند إخوان الصفا .مطبعة النجاح الجديدة . الدار البيضاء . 2008
7-فيتاغورس بين اللاهوت وسمو الرياضيات. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.2008
هذا المؤلف
هذا البحث هو عبارة عن مجموعة من المقالات تهتم في مجملها بالمنطق الأرسطي، والدفاع عنه، وتقريبه إلى الثقافة العربية الإسلامية. ويمكن تصنيف هذه المقالات إلى ثلاثة أصناف رئيسية.
الصنف الأول يتناول المنطق الأرسطي وبه أربعة مقالات : الجدل عند الهللينيين-المنطق الأرسطي( تعريفه وموضوعه)- مدخل إلى ايساخوجي- مدخل إلى قاطيغورياس.
الصنف الثاني ويتناول علاقة المنطق الأرسطي بالنحو العربي وبه مقالة واحدة .المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية أية علاقة؟
الصنف الثالث ويتناول موضوع الدفاع عن المنطق الأرسطي وبه أربع مقالات : الإمام الغزالي –أبو بشر متى في المناظرة الشهيرة- ابن حزم القرطبي— أبو الوليد بن رشد
وفي الختام يتناول البحث سؤالا إشكاليا : إذا كنا نرفض المنطق الأرسطي (العقل الكلي والشمولي ) ، فالي متى سنبقى سجناء لمنطق الفقيه المبني على منهج قياس الشافعي المؤسس على مقولة وقس على ذلك ؟.العالم الآن يطمح إلى لغة عالمية، والى منهج علمي صارم يتفق عليه الجميع ، فلماذا لم نتسلح بالمنطق وبمبدأ نصل أوكام مثلا في الاقتصاد في التفكير، ولنحث من ثرثرة الفقيه والزعيم والحاكم ؟
فلنربط مبدأ نصل أوكام بلفسفة ب. ر سل ، ونتابع عن كثب دور هذا المبدأ في التقليل من الكائنات الزائدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق