في حاجة إلى قراءة معاصرة
لتراثنا العربي العلمي ٍ 

ٍٍ بوعزة ساهل – باحث بالدار البيضاء
-------------------------------------------------------------------------------------
دون العودة إلى ما كتبه ألأستاذ الباحث محمد أبلاغ
في رده على مقالنا المنشور
بجريدة الأحداث المغربية .. إذ اعتبرنا وبمعية الفيلسوف الدكتور طه عبد الرحمان
والمتصوف ابن سبعين ( القرن الثالث عشر
)أصحاب فكر متخلف لأننا ندعي دون أن نقرأ . فابن سبعين حكم على ابن رشد بالتقليد ، تقليد أرسطو دون
قراءة ابن رشد. ودون قراءة
أرسطو .وكذلك بالنسبة للأستاذ طه عبد الرحمان الذي
حكم على فيلسوف قرطبة بالتقليد
حسب ابن سبعين( ما هذا التطاول على طه عبد الرحمان ؟)
.
وبالمثل اعتبرنا الباحث أبلاغ أننا ندعي بالتجاوز دون أن نقرأ للدكتور رشدي راشد (
وهو كلام غير مسئول ...)
. اعتبرنا ونكررها مرة أخرى أن طريقة التأريخ للعلوم العربية لدى رشدي راشد
أصبحت متجاوزة . هذا التجاوز لم
يقبله ألأستاذ أبلاغ ، ومن حقه ، ومن حقي أن أبحث عن الاختلاف وليس
التطابق ، وهذا الاختلاف هو
سر نجاح هذا النقاش الهادف الذي أغناه الأستاذ الباحث محمد أبلاغ المتخصص في تاريخ الرياضيات العربية في الغرب الإسلامي . فمن خلال
مقالاته الصادرة عن منشورات كلية الآداب بالرباط – سلسلة ندوات ومناظرات تعرفت على
توظيف ابن البناء لنظرية التناسب
في علم البيان وعلى
أسماء أخرى منها ابن هيدور والحصار وآخرين.
يمكن العودة إلى مناقشة البعض منها خاصة
التحليل التوافيقي عند ابن المنعم .
ونعود مجددا إلى مفهوم التجاوز التي خلق منها
الأستاذ "قميص عثمان "
لأننا اقترحنا نهجا ابستمولوجيا جديدا في تأريخنا للعلوم العربية باحثين إن كانت
هناك قطائع ابستمولوجية بمفهوم باشلار،
أوعن الانتقال من برادغم عادي إلى براديغم
شاد وثوري بمفهوم
طوماس كون، أو تكذيب فروض وتفنيدها بلغة كارل بوبر. فالتجاوز الذي دافعنا عنه في المقال الأول فهمه الأستاذ لغويا ( تجاوز =أصبح الأمر في خبر كان ) ولم يتناول مدلوله العلمي والفلسفي
، وهذا هو بيت القصيد بيني وبين ألأستاذ المحترم
. فإذا رفعنا مستوى النقاش ، سنعود
إلى تاريخ العلوم نفسه كمرجعية لا
يختلف فيها اثنان . فالعالم والرياضي ريمان ( القرن التاسع عشر )
تجاوز إقليدس أي قطع معه (=قطيعة ابسمولوجية )، فهل أصبحت هندسة إقليدس
في خبر كان ؟ كلا ، فالهندسة الأقليدية أصبحت
جزءا من هندسة ريمان ومن هندسة
ولوباتشوفكي لأن الهندسة اللاأقليدية أوسع
واشمل . وبالتالي العلم الجديد لا يقصي
العلم القديم ، بل يتضمنه ويحتويه .
وبالممثل بالنسبة للميكانيكا الكلاسيكية النيوتونية التي تجاوزت أمام ميكانيكا ماكس بلانك وميكانيك هيزنبيرغ صاحب مبدأ
اللاتعين وأمام نظرية النسبية لأينشتين، وأصبحت ميكانيكا نيوتن جزءا
من الميكانيكا المعاصرة التي أشرنا إليها ، وبالتالي أن العلم الجديد لا
يلغي العلم القديم رغم القطيعة
الإبستمولوجية بينهما ، أي رغم تجاوز الجديد للقديم . وهكذا تتجادل
النظريات العلمية الجديدة مع النظريات القديمة في
إطار نظرية أوسع وأشمل. فالجدل في العلم ليس هو الجدل في الفلسفة . ففي الفلسفة
كما هو الشأن عند هيغل وماركس تكون فيها القضية و نقيضها متناقضتان وتجاوزهما
إلى ما هو أحسن و أفضل . أما في العلم
فالقضيتان غير متناقضتين ، بل متكاملتين . فالعلم (العقل ) يقبل
التقيضين ، الاتصال والانفصال .
فالمنهجية التي
يوظفها الدكتور رشدي لتأريخ العلوم
في رأينا متجاوزة وفق هذا التحليل المختزل والمركز ،ونعني بذلك أن
التحليل الإبستمولوجي أصبح يفرض نفسه بالجانب التاريخي بالنسبة
للمؤرخ وبخاصة تاريخ العلوم .هذا طرح ندافع عنه وفق قناعتنا مع
احترام أطروحات السادة الأساتذة
المهتمين بنفس الموضوع أو القريب منه .
فنحن نطمح إلى عقل جدلي
- علمي ، متطور يثقفه العلم المتطور نفسه . نطمح إلى عقل علمي متجدد – انقلابي إلى حد العصيان ، عقل يقبل
النقيضين في أن واحد ، الاتصال والانفصال . نطمح إلى قراء معاصرة في تراثنا العربي العلمي في إطار فريق عمل علمي متخصص
كما يقترح الأستاذ محمد أبلاغ
لأن الكثير من تناولوا موضوع نقد العقل العربي فلسفيا و
سياسيا و وأخلاقيا ، ولم
يتناولوه من الناحية العلمية
الصرفة . وفي هذا السياق عنونا مقالنا ب
في الحاجة إلى قراءة معاصرة في
تراثنا العربي العلمي ليتم مشروع نقد
العربي في إطار ثقافتنا العالمة .
أما
بالنسبة للحوار الذي دار بين ى الدكتورين الجابري وبلقزيز في موضوع
نقد العقل العلمي العربي ،
فالجابري لم يعين أحدا كما جاء
في مقالنا السابق بل اقترع فقط
الدكتور رشدي راشد . وفرق كبير بين
الاقتراح والتعين رغم أن الجابري مؤهل
لهذا الاقتراح . أليس من
الأوائل الذين أدخلوا
المبحث الإبستمولوجي إلى الجامعية
المغربية في السبعينات . وهو المبحث الذي ينفر منه الأستاذ أبلاغ .
وفي الجزء الثاني من المقال سنتناول
قول الأستاذ علال سي ناصر،القول
هو " لا تاريخ العلوم ولا تاريخ
الرياضيات في الغرب الإسلامي" فهل يمكن التسليم بهذه القول ؟ هل يمكن أن
نمر عليه مر
الكرام ؟( قول قاله الأستاذ علال سي
ناصري إلى الأستاذ أبلاغ بعد عودته من ملتقى علمي – مغاربي بالجزائر سن1986
.)
كما نفتح كذلك نافذة للنقاش
حول اهتمام المفكرين والكتاب بفكر ابن رشد الذي نعتبره بدوره متجاوزا لأنه
فكر القرون الوسطى و المادة المعرفية التي تأسست عليه قد ماتت
موتة واحدة والى الأبد .( يتبع ).
في حاجة إلى
قراءة معاصرة لتراثنا العربي العلمي (2/2)

بوعزة ساهل –
باحث بالدار البيضاء
---------------------------------------------------------
تناولنا في
الجزء الأول من هذا المقال مفهوم
"التجاوز" بدلالته العلمية والفلسفية وأعطينا نماذج ملموسة
من تاريخ العلوم الأوربية ،
وخرجنا بخلاصة مفادها أن التجاوز ليس
الإقصاء والتغييب بل
نعني به التكامل والتجادل بين
علم قديم وعلم جديد . والآن
نحاول تناول نقطتين أساسيتين
أشار إليهما الأستاذ الباحث محمد أبلاغ . النقطة الأولى تتناول قول
الأستاذ علال سي ناصر
والقول هو "لا تاريخ العلوم
ولا تاريخ الرياضيات في الغرب
الإسلامي" ( حسب مقال الأستاذ أبلاغ السابق ) . السؤال هو
إلى أي حد القول مقبولا عند المهتمين بالموضوع مثل
الأستاذ محمد أبلاغ المهتم بالرياضيات
بالغرب الإسلامي؟فإذا كان الدكتور
رشدي راشد يومن بهذا القول ،فلأنه ذو خلفية
، خلفية المركز والأطراف ( الأصل
والفرع ). وبالتالي إن تاريخ العلوم هو تاريخ علوم المشارقة .والنقطة الثانية تتعلق بالدفاع عن ابن رشد وعن فلسفته ومن بين المدافعين
الأستاذ محمد أبلاغ ( حسب مقاله
السابق ). وهنا سنعود إلى مفهوم التجاوز من جديد بالمفهوم الذي حددناه
آنفا ونقول أليس فكر ابن رشد فكر القرون الوسطى؟ أليس المادة المعرفية ( الإبستمولوجية ) التي أسس علها ابن رشد فلسفته قد ماتت وإلى الأبد ؟ألا يمكن الحديث عن ما بعد الرشدية ؟
فلنبدأ بالنقطة الأولى
أولا نحن لا نملك قولا شافيا في الموضوع بل لدينا بعض
الملاحظات انطلاقا من السؤال التالي ماذا نقصد بتاريخ لعلوم وضمنها تاريخ الرياضيات
؟
-إذا كنا نقصد به الحنين إلى
الماضي وتمجيد الأجداد ...فإن هذا النوع من التأريخ يطغى عليه الطابع القومي والأيديولوجي بدلا من التوجه الإبستمولوجي الذي هو سمة كتابة تاريخ العلوم .
- إذا كنا نقصد به التأريخ الكلاسيكي كنموذج
رشدي راشد فإنا قد فصلنا في الموضوع في الفقرات السابقة .
- إذا كنا نقصد به التأريخ
للأزمات في العلم وفي قطائعه ودحض فروضه( بوبر ) والانتقال من براديغم عادي
إلى براديغم سوي وشاد بلغة طوماس كون فإنا نكون قد أرخنا بالفعل لعلومنا العربية وفق التوجه الإبستمولوجي . وهذا اللون الأخير
من التأريخ هو الذي ندافع عنه في أطروحتنا
وهو طرح جديد لم يسبق أن اقترحه
أحد حسب علمنا .
وقبل الانتقال إلى النقطة الموالية نطرح سؤالا مشروعا هل سبق للأستاذ علال سي ناصر أن برر قوله
المذكور أم تأثر برشدي راشد ؟ وهل
سبق للأستاذ محمد أبلاغ أن تمعن في القول
وأعطى رأيه فيه وهو المهتم بالرياضيات في
الغرب الإسلامي ؟
النقطة الثانية
دافع الأستاذ
محمد أبلاغ على ابن رشد ( حسب
مقاله السابق ) مما سمح لنا المجال
أن نطرح عدة أسئلة لها علاقة بفكر فيلسوف
قرطبة . هل مازالت فلسفة ابن رشد صالحة
لنا ونحن في الألفية الثالثة ؟ أليس
فكر الشارح الأكبر فكر القرون الوسطى ؟ ألم يمت المحتوى المعرفي (الإبستمولوجي )(= مادة علمية
) الذي أسس عليه فكره موتة واحدة وإلى الأبد ؟
و قبل ملامسة
جواب هذه الأسئلة التي لها مغزى
واحد لابد من العودة
اضطراريا إلى مفهوم "التجاوز
" بالمعنى الذي حددناه سابقا . نحن
نريد إعادة النظر في الفكر الرشدي ، بل
تفكيكه وتجديده وإعادة بنائه ليكون صالحا لنا نحن أبناء القرن الواحد والعشرين . نريد القطع
مع الفكر الرشدي لأنه أصبح متجاوزا ( بالمعنى الذي حددناه سابقا ) كما
قطعنا مع فلاسفة المشرق ( الفارابي وابن سينا )
ونطمح إلى لحظة تاريخية ثالثة " رشدية متجددة "
تجيب عن أسئلتنا الآنية
والمستقبلية ،أي الانتقال من ابستمي إلى آخر يناسب المرحلة ) . وقبل أن نعطي بعض
المبررات لهذا الطرح سنقف مليا على مفهوم
"القطيعة الإبستمولوجية التي نحثها
باشلار في مجاله العلمي .فماذا
يعني هذا المفهوم الإجرائي ؟ طرحنا
هذا السؤال الحاسم لسببين . أولهما هو
أننا نتناول موضوعا
ننهج فيه نهجا إبستمولوجيا و ثانيهما
هو أن هناك خلط بين مصطلح القطيعة
كما نستعمله ونفهمه عادة في حياتنا
اليومية وبين نفس المفهوم بدلالته العلمي
والفلسفي . فلضبط المفهوم نعود به إلى
أصله ومرجعيته التي نحث منها ثم تبييئه
لاحقا .
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية
يعتبر مفهوم القطيعة الابستمولوجية
مفهوما أساسيا عند الابستمولوجين، بما فيهم باشلار الذي بنى تصوره لتاريخ العلوم
- إذا اقتصرنا على الابستمولوجيا الفرانكوفونية التي
يتزعمها باشلار نفسه- على هذا
المفهوم بجانب مفهوم العائق الابستمولوجي
ومفهوم الجدل. وهو مفهوم يعبر في نظره عن
فترات الانتقال الكيفي في تطور العلوم .فبقدر ما تحدث تلك الكيفية بقدر ما تحدث قطيعة
ابستمولوجية بين الفكر العلمي الجديد والفكر السابق له. ويأتي هذا التصور ضدا على نظرية الاستمرارية
كما نجدها عند مايرسون وآخرين .إذ يذهب القول بالاستمرارية
على مستويين : المستوى
الأول يقصد به الاستمرار من التفكير
العامي الى التفكير العلمي. والمستوى الثاني يقصد به
الاستمرار بين الفكر العلمي الجديد
والفكر العلمي السابق عنه .
أما باشلار، فهو يقول ان في تاريخ
العلوم قفزات كيفية ينتقل بفضلها
الى نظريات جديدة ، لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد استمرار للفكر السابق. فبقدر ما
تتحقق تلك القفزات الكيفية
، بقدر ما تتحقق قطيعة ابستمولوجية بين الفكر العلمي والمعرفة
العامة . ويصنف باشلار مفهوم
القطيعة الابستمولوجية الى مستويين :
-
المستوى الأول
تكون فيه القطيعة بين المعرفة العامة
والمعرفة العلمية.
-
المستوى
الثاني تكون فيه القطيعة بين النظريات العلمية الجديدة
والنظريات العلمية السابقة عنها.
بعض مظاهر المستوى الأول
ففي نظر دعاة الاستمرارية ان تاريخ
العلوم هو جزء لايتجزأ من التاريخ العام
،ومنه أن العلوم المعاصرة لها أصول
قديمة انبثق منها ولو بصفة بطيئة( العلم
له أسلاف )، إلا أن هذا القول لا
يطابق في نظر باشلار واقع المعرفة
المعاصر .وخلاصة القول ان علاقة
المعرفة العامة والمعرفة العلمية هي علاقة
انفصال ، قطيعة ابستمولوجية بين ماقبل وما
بعد ( فالمصباح الكهربائي الذي اكتشفه
أديسون ليس استمرارا للمصباح العادي والتقليدي ،بل هناك انفصال
بين المصباحين ).
- ففي
علم الفلك قطع كوبرنيك مع كوسموس أرسطو ومع كوسموس بطليموس
والقطيعة هنا قطيعة انفصال تام
، يصل الى حد اللاعودة بين ما بين وبين .
لماذا ؟ لأن فلك كوبرنيك ( معرفة علمية)وكوسموس أرسطو و بطليموس ليس بعلم ،
فالعلم بمفهومه الحديث لم يظهر الا في
القرن السابع عشر . يمكن الحديث عن
القطيعة بين الميثولوجيا والعلم في تاريخ الفكر اليوناني الهلليني مثلا بدءا من طاليس وانكمادرس وانكسمانس ( بين
اللاعلم والعلم ).
بعض
مظاهر المستوى الثاني
-
القطيعة هنا ،
تكون بين فرضيتين علمييتين ( فرضية علمية
جديدة تدحض وتفند فرضية علمية سابقة عنها ( = كارل بوبر )، تثور قيم جديدة
على القيم السابقة والبقاء للأصلح
.والقطيعة هنا تكون بين نسقين علميين لكنه لا تصل الى حد
الانفصال التام . بل تكون قطيعة احتواء وتضمن . العلم الجديد يتضمن العلم
السابق عنه لأنه أوسع وأشمل .مثالان :
+ بين الهندسة الأوقليدية والهندسة
اللاأوقليدية ( هندسة أقليدس صاحب الأصول وهندسة ريمان ولوباتشوفسكى )، فالهندسة
الأولى علم والثانية علم والقطيعة بينهما
هي قطيعة احتواء وتضمن لأ ن الهندسة اللاأوقليدية تتضمن
الهندسة الأقليدية لأنها أوسع وأشمل منها ، فأصبحت هندسة اقليدس جزءا من هندسة ريمان ولوبانشوفسكي.
+
فبعد انهيار الابستمولوجية الديكارتية ،
انهارت معها ميكانيكا نيوتن المبنية على
عدة مفاهيم ذكرناها سابقا كمفهوم
الحتمية واليقين .. وظهور مفاهيم جديدة
بعد تثويرها على المفاهيم السابقة . لقد ثار مفهوم اللاحتمية،والنسبية و الاحتمال والإحصاء ... بعد ظهور الثورة في العالم الصغير مع ماكس بلانك ، ومع ظهور النسبية الخاصة والعامة لاينشتين
و بعد
ظهور ميكانيكا هزنبيرغ أحد أقطاب مدرسة
كوبنهاغن التي كان يتزعمها
بور BOHR. فالعلاقة بين ميكانيكا نيوتن من جهة وميكانيكا
بلانك وهيزنبيرغ وديراك من جهة
أخرى هي علاقة قطيعة ابستمولوجية ، لكن لن تصل الى
حد الا نفصال التام ، بل هي قطيعة
احتواء كما قلنا سابقا ، لأن
كل ميكانيكا هنا هي علم ، والعلم الجديد يتضمن العلم
السابق مع إعادة السبك . تلك هي
تصنيفات باشلار لمفهوم القطيعة
لابستمولوجية بمظهريها الأول والثاني، بعد عملية اسقرائيه لتاريخ العلوم الحديثة والمعاصرة .
فبعد
هذه التحديدات نقول :كان من
دواعي التفكير في إمكانية الحديث عن ما
بعد الرشدية، أي التفكير في لحظة تاريخية ثالثة في وعي المجتمع العربي هو موت المحتوى المعرفي ( الابستمولوجي ) الذي
تأسست عليه الرشدية نفسها ، المحتوى
المعرفي الذي يتناول جملة من المفاهيم
والبنيات اليونانية الأصل. لقد
مات ذلك الجهاز المفاهيمي موتة واحدة
والى الأبد، مع ظهور العلم الحديث على يد
كل من كوبرنيك ( في علم الفلك )
ومع غاليلي بعد انقلابه على فيزياء أرسطو التأمـلية )، ومع
بصريات و هندسة ديكارت التحليلية ،. فأمام
ظهور جهاز مفاهيمي حديث ظهرت معه الفلسفة
الديكارتية ،ثم تجاوزت تلك الفلسفة بعد
موت جهازها المفاهيمي ، كما تجاوزت
الكانتية لاحقا المؤسسة على
ميكانيكا نيوتن المبنية أساسا على
مفهوم الحتمية ومفهوم اليقين ومفهوم الحقيقة المطلقة وكذلك على مفهومي المكان والزمان المطلقين . تجاوزت بعد
تشكل جهاز مفاهيمي معاصر مع
ظهور الثورات العلمية المعاصرة والقيم الابستمولوجية التي أفرزتها تلك
الثورات :
ثورة ريمان ولوباتشوفسكي في علم الهندسة،
والثورة في علم المنطق مع فريجة و ب. رسل
ووايتهد، وثورة ماكس بلانك في العالم الميكروسكوبي ثم ثورة اينشتين
صاحب نظرية النسبية الخاصة والعامة(انظر كتابنا جدلية العلم
والعقل من منظور ابستمولوجي حول
هذه الثورات العلمية ) .
أمام هذه المستجدات العلمية
والفكرية التي استحدثتها تلك الثورات ،
كان لابد من التفكير في لحظة ثالثة في
تاريخ وعي المجتمع العربي ، بعد لحظة ابن سينا في المشرق ، ثم بعد لحظة ابن رشد في المغرب والأندلس ، أي
القطع مع الرشدية نفسها كما قطعنا مع الفارابي وابن سينا والغزالي . يبقى سؤال ما طبيعة القطيعة المفترضة ؟ هل من المستوى الأول أم الثاني ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق