الاثنين، 7 أكتوبر 2013

أوراق باشلارية



بوعزة ساهل
  


                   أوراق باشلارية  

                                                         مقالات  علمية فلسفية      

مقدمة  الطبعة الأولى

     د؟
 فمن خلال هذه الأراق  الباشلارية    سنقوم بمحاولة إطلا لة على الفكر العلمي الحديث والمعاصر وعلى الفلسفات التي جاءت انعكاسا لهذا الفكر . فالرهان  بالنسبة للمستقبل هو التسلح بمعرفة جديدة علمية تتناسب  المرحلة في جميع المجالات رغم العوائق . ودور هذه الأوراق  هو نقل جزء من هذه المعرفة الى حد ما رغم الباحث  لم يعد  هو الذي  يهتم  بالعقل وبالمفاهيم والنظريات ، بل يطمح الى تأطيره تأطيرا معلوماتيا  متصلا بالشبكات التي تعتمد  على الحرف  والرقم والصورة والصوت .
 فالأوراق  هي مجموعة من المواضيع مبسطة أحيانا ومحتزلة  بكيفية ممنهجة أحيانا أخرى وبكيفية بيداغوجية ، لها طابع تعليمي  نطمح من  خلالها إلى تقريب مجموعة من المفاهيم والنظريات والقضايا الفكرية المعاصرة ما أحوجنا الى معرفتها .
 فهي  مواضيع تختزل في النهاية  في إشكالية واحدة : إشكالية  التأسيس للعقل العربي  لمواجهة تحديات  بداية  القرن الواحد والعشرين .
وفي الأخير  نقول   ، إن قراءة  هذه المواضيع ، الأوراق  الباشلارية  بالنسبة لغير المختص تحتاج الى صبر وتأهب واستعداد .وهي أوراق منفصلة عن بعضها البعض رغم  أنها تعالج إشكالية واحدة . يصل عددها الى عشرين  ورقة بالاضافة الى  مقدمة وورقة جامعة  تلخص أهم ما جاء  في هذه الأوراق .  
 كما أننا نصرح أن جل   الأفكار  التي جاءت في هذه الأوراق  ليست بنات أفكارنا  ، بل اعتمدنا على  مثقفين ومفكرين مغاربة بالدرجة الأولى  إلى جانب نصوص  أخرى لها علاقة  بالموضوع.
 أما المواضيع فهي :

-       مفهوم الواقع (ورقتان )
-       مفهوم الثورة العلمية
-       ماهي الإبستمولوجيا؟
-        ماهي فلسفة باشلار ؟
-       مفهوم  القطيعة الابستمولوجية
-        مفهوم العائق الإبستمولوجي
-       مفهوم الجدل
-        مفهوم الحقيقة العلمية
-        مفهوم العقل العلمي
-        مفهوم الا تصال والانفصال
-          مفهوم الحتمية
-        مفهوم اللاحتمية
-       المفهوم وماصدق
       -  الهندسة األأوقليدية – الهندسة اللاأوقليدية 
-       نظرية الكوانتا ( ورقتان )
-        نظرية النسبية الخاصة
-        نظرية النسبية العامة
-        ورقة جامعة  

                                                بوعزة ساهل 
                                        4-8- 200- الدار البيضاء



مقدمة الطبعة الثانية



    كان  من أحد أهدافنا  لإصدار مؤلف   "أوراق باشلارية" في طبعته الأولى سنة 2001 هو زرع  ثقافة علمية – فلسفية  يتسلح بها الطالب  والباحث( والقارئ عموما ) سواء في العلوم الدقيقة  أو في العلوم ا لإ نسانية والاجتماعية  لأنه لا يمكن  تناول موضوعا  فكريا أو تاريخيا  أوسياسيا كذلك  دون أن  يؤسس خطابه  تأسيسا  علميا ، وإلا  ستكون  كتابته عبارة عن    إنشاء لا غير .
  فبعد أن  نفذت جميع نسخ الطبعة الأولى  وبطلب من  بعض المهتمين  بالجانب الإسبستمولوجي بالخصوص  ،  قررنا  إصدار  طبعة ثانية  لنفس المؤلف  مع بعض  التغييرات  في  ترتيب المفاهيم التي اشتغلنا عليها ، وإعادة النظر في بعضها . كما   نقحنا  مايجب تنقيحه أوتصحيه و تعديله .
 كما نرجو من قراء الأوراق(=أوراق باشلارية ) أو  كتبنا الأخرى  أن يتحلوا بالصبر  وبالتأهب  لفهم  وضبط تلك المفاهيم والنظريات  لأنها   تعتبر أهم    مرتكزات يبني عليها العالم علمه  أو المفكر فكره  أوالباحث بحثه.
                                        بوعزة ساهل- الدار البيضاء
                                                                        12-8- 2012
                    
                                    
1-         مفاهيم


الورقة رقم 1 :    مفهو الواقع (أ)

   إن مفهوم الواقع لم يكن  موضوع سؤال في التفكير الفلسفي في بدايته ، ولم  يطرح مشكل احتمال  وجوده أو عدم وجوده، كل  ماهو موجود يعتبر واقعا، وكل ما هو   واقعي  يعتبر موجودا (1).
فالأشياء المادية التي ندركها هي معطاة لنا  مباشرة  ، وواقعيتها هي شروط إدراكها  لنا . ويطلق  على هذه النظرة إسم  الواقعية الساذجة ، وهو موقف يقبل  بشهادة الحواس فقط (2).
  فإذا كان أفلاطون  في نظرية المثل   يعتبر الواقع الحسي – المادي  مجرد  شبح للواقع  العقلي ( العلوي )، فإن  أرسطو يعتبر الواقع  أجساما وجواهر، ويميز أرسطو  بين الجوهر وأعراضه (صفاته)، ويعرف الجوهر بالجنس والنوع  حسب كليات فورفوريوس. ومن صفاته أنه لا يقبل ضده  ، أي  لا يقبل  أن ينعدم . ولا يمكن أن يكون ولا يكون  في آن واحد . فهو مطلق  ولا يقبل الزيادة والنقصان .
  نحن أمام ابستمولوجيا واقعية ساذجة (3) ، تعتمد على  الموقف الطبيعي والحس المشترك الذي يعتبر مصدرا للمعرفة .
 كان العلم الأرسطي  علما كيفيا يدرس الواقع  انطلاقا من الملاحظة ، مما  هو حسي . أما  في العلم  النيوتوني  فقد أصبح الواقع  مركبا  تركيبا  كيفيا  وقانونيا  كتركيب  العلاقة بين  القوة  والكتلة والتسارع  لجسم  ما ، عكس ديكارت الذي يعتبر  الواقع  امتدادا وحركة. أي  تنحال في الأخير  إلى صفات  هندسية  . فالعالم امتداد  وحركة   . فكل ما هو  موجود واقعي  يندرج في نهاية المطاف إلى  هاتين الخاصيتين . لهذا   تصير غاية العلم  هي البحث عن الأساس الرياضي الهندسي للأشياء . إذ يضفي ديكارت الصبغة الهندسية على الواقع  ، والواقع هو ذلك الذي يقبل  في الطبيعة  معالجة  رياضية .
 أما كانط فهو يعتبر  الواقع امتدادا  وأشكالا وحركة . فهو  يلتقي مع النظرية العلمية النيوتونية  التي تعتقد أن العالم  ظواهر قابلة للتناول،إما  بصفتها  أشكالا مكانية  وعلاقات هندسية ،  وإما بصفتها  حركة زمانية  وعلاقات تعاقبية ميكانيكية .
 لقد ربط كانط المعرفة بمقولتين :  المكان المطلق والزمان المطلق كإطارين حدسيين  خالصين يسبقان  التجربة  ويستقلان عنها . ويعتقد أن دائرة  الحس هي  النطاق الوحيد  المشروع للعقل.      فالواقع عند كانط يقتصر على  دائرة الظواهر القابلة لأن تصاغ  في قوانين وفي علائق .  وذلك ما يؤكده نيوتن  ، إذ  يرى أن الواقع  هو كل ما يقبل خضوعه لقوانين مضبوطة .
 فالمقولات الكانطية كما يتصورها كانط نفسه ليست في الحقيقة  سوى استعارة للحقل المعرفي للعلم النيوتوني . المقولات القائلة بثبات الجوهر  واختلاف الأعراض .
 حاولنا إعطاء  مقاربة لمفهوم الواقع  في العالم الماكروسكوبي ، إلا أنه مع   مطلع القرن العشرين سينهار  تعريف هذا المفهوم مع انهيار العلم النيوتوني . أي مع ظهور الثورة  الفيزيائية الجديدة  ، مع نظرية الكوانتا   لماكس بلانك التي موضوعها النسبية الذرية  ، وسيتغير  مفهوم الواقع في العالم الصغير  ، العالم الميكروسكوبي  وهو ما سنتعرف عليه في  الورقة التالية .
------------
(1)     سالم يافوت. مفهوم الواقع في الفكر  المعاصر . دار  النشر للمعرفة . الدار البيضاء . بدون تاريخ . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية . الرباط . سلسلة  أطروحات رقم  7. ص  .53
(2)     ن. م. ص 54.
(3)     ن.م.ص  55  





  الورقة رقم 2 :    مفهوم الواقع (ب)

     بعد الثورة التي قام بها ماكس بلانك( انظر لاحقا )، لم يعد الواقع معطى حسيا مدركا بالملاحظة ، بل أصبح الواقع من تركيب  العقل  وإبداعه .  أي أصبح تنظيما عقلانيا بالعلاقات التي تربط الظواهر التي لم يعد من الممكن التعامل معها بنفس الشكل الذي كانت تتعامل معها الفيزياء الكلاسيكية . إذ أصبح الواقع  عبارة عن بنيات وعلاقات وإتشاءات عقلية  . فمفهوم الذرة  عند الأوائل  كان مفهوما  فلسفيا  عل اعتبار أن الذرة  هي الجوهر الأول والأبسط والجسم اللامتناهي  في الصغر . وكلمة ذرة  باليونانية  ATOME تعني  حرفيا  اللامنقسم .  فحرف A   تعني  النفي وTOME  تعني  قسمة . فالذرة ليست هي الجزء الذي لا يتجزأ ، بل  هي قابلة  للانشطار ( الانقسام ) ، فنواتها أصغر منها بحوالي   عشرة آلا ف مرة . فالذرة  ليست بالجسم البسيط ، بل بنية كون صغير  من علاقات دينامية من جزيئات كهيربية  موجبة  من البروتونات  وجزيئات  كهيربية   سالبة  من   النوترونات  وجزيئات محايدة . وبجانب  هذه الجزيئات هناك  جزيئات أخرى  ثانوية   مكتشفة   بالفعل   أو موجودة بالفرض  تدخل  في تركيب  بنية  الذرة   ، منها   البوزتون و الميزون و النوتينول.
 فمع  تفكيك مفهوم الذرة  الذي كان  بمثابة  الأس الأول في كل بناء منطقي أرسطي  ، لم يبق وضع هذه الأخير  كمعطى أول   مطلق   تستنتج منه أعراضه بل أصبح الكهيرب هو موضوع ( واقع ) الميكروفيزياء  .  فالكهيرب   لم يتظاهر إلا من خلال  أعراضه بدون أن يكون له نظام وجود ، ديناميته من أعراضه بلا جوهر .
 فعلى ضوء هذا الواقع الجديد  في  عالم الميكروفيزياء ( العالم الصغير )  انتقد باشلار الفلسفات التي عاصرها  من كانطية  وبركسونية ... لكن ماهي مظاهر هذا الواقع في العلم المعاصر ؟
- المظهر الأول في نظر باشلار  هو أن الواقع الذي يدرسه العلم المعاصر واقع يتصف بالاصطناع (1). فالواقع في الفيزياء أو في  الكيمياء  المعاصرين واقع يتصف بالاصطناع   أي  نتيجة
تدخل العلم  التقني  . ومعنى   الاصطناع في موضوع المعرفة  العلمية هو البناء بفضل تقنييات ،  وآليات  ذهنية  وليس  بما هو  جاهز وقبلي  كما  كان عند  أرسطو ونيوتن وكانط .
 فموضوع التحليل النفسي  عند فرويد ليس هو الواقع الظاهر والمعطى ، بل الواقع الذي  يدرسه هو واقع باطني ، واقع يتم بناؤه(2).وموضوع التحليل الاقتصادي عند ماركس ليس هو الواقع المعطى ، بل الواقع الذي  يتطلب  أجهزة ومفاهيم وتقتيات معينة من أجل البناء , فالعالم المعاصر يصنع أساسا واقعا  تقنيا محل الواقع الطبيعي .
-       المظهر الثاني في نظر باشلار  هو أن مفهوم الواقع أصبح  موضوعا ذا  صفتين :  محسوس  ( معطى ) ومجرد ( مبني عقليا  ) ، شيئ  في ذاته ولا شيئ .
-        نحن أمام  ثنائيات حداهما  متناقضان . ففي الفلسفات التقليدية  كان  الشيئ  في ذاته بالمعنى الكانطي هو الموضوع بالنسبة لهذه الفلسفة ولكنه أصبح موضوعا للمعرفية العلمية  بالنسبة  للعلم المعاصر . ويعطي باشلار  مثال نواة الذرة ( الفوتون) .
 وهنا تدخل جدلية  المعطى والمبني ، جدلية الواقع الطبيعي والواقع العقلي والتقني  ، الواقع المحسوس والواقع المجرد  في علاقة التكامل  دون اقصاء أي حد  من حدود الثنائيات المتناقضة .
-       المظهر الثالث يتعلق بعلاقة الموضوع بالمنهج  . ففي الفلسفة التقليدية كان  يعتبر الموضوع مستقلا عن المنهج ، غير أن هذا  الأمر يختلف في العالم الصغير ، العالم الميكروسكوبي  في نظر باشلار . فليس  هناك في  الميكروفيزياء منهج للملاحظات دون تأثير  بطرق المنهج على الموضوع الملاحظ.
 ويقدم باشلار  ظاهرة  تعيين موقع الا لكترون  ، فلبلوغ ذلك التعيين  علينا أن نشع على الالكترون بالفوتون ، ولكن التقاء الالكترون بالفوتون يزيد من سرعة الالكترون  مما يجعل معرفة موقعه صعبا جدا . فتحديد  موقع  وسرعة الالكترون في الوقت نفسه أصبح غير ممكن  مع الثورة  الفيزيائية المعاصرة بما  يعبر عنه بمبدأ اللا تتعين الذي  جاء به هيزنبيرغ، وهو إعلان عن مبدأ اللاحتمية .
 انطلقنا في الجزء الأول (أ) من  مفهوم الواقع في العالم الماكروسكوبي ( العالم  الطبيعي والمحسوس )، وخلصنا في الجزء الثاني (ب) إلى أن مفهوم الواقع  في العالم الميكروسكوبي  هو واقع يبنى  بتقنيات ، بناء ذهنيا ورياضيا . إلا أن هناك   علاقة جدلية بين الواقع الطبيعي والواقع  الرياضي   . وطبيعة هذه العلاقة هي علاقة  تكامل  ، وهي فكرة أساسية في فلسفة باشلار .
--------
(1)     محمد وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مكتبة المعارف . الطبعة  الثانية . 1984.ص171.
(2)     ن. م. ص 173



الورقة رقم 3 : الثورة العلمية

    ماذا نقصد  بالثورة العلمية ؟ هل هي ثورة أم ثورات ؟ وأي علم نقصد؟ نحن لا نقصد  بالثورة العلمية  ميلاد الفكر العلمي  الذي  بدأ مع الحضارات  الشرقية القديمة ، بل نقصد بها  التحولات التي طرأت على مرافق الحياة العلمية بدءا من القرنين السادس عشر والسابع عشر.
 ففي هذه الورقة  سنركز  على المجالات العلمية التالية : علم الفلك مع كوبرنيك  وعلى ملاحظات  وتجارب جاليلي  وعلى  علم الكيمياء  مع لافوازييه وعلى الثورة في علم الهندسة  مع  ريمان ولوباتشوفسكي  وأخير ا على نظريتي   الكوانتا  لماكس بلانك والنسبية مع اينشتين   .
 تلك هي الثورات في نظرنا التي أثارت اهتمامنا  ، ذلك لسبب  وحيد  لأنه  من خلالها ثار العلم  الجديد  على العلم القديم ، وظهرت مفاهيم ونظريات  وتصورات  جديدة ، بل   ظهرت قيم ابستمولوجية أفرزتها تلك الثورات ومن خلالها تقدم العلم  ووصل الى ما وصل اليه  .
 وقبل التطرق الى هذه الثورات نشير الى مقارنة طوماس كون بين التطور السياسي  والتطور  العلمي وربط علاقة تناظر  بين التطورين (1).
   يرى كون أن الثورات  السياسية  تهدف الى  تغيير المؤسسات السياسية :  ممثلو الأمة ،  هيكلة الأحزاب ، تغيير   عقليات ونصوص  لصالح أخرى . ومن هنا  يتم تقسيم المجتمع الى  معسكرين  أو الى أطراف متنازعة أحدهما  يلتمس الدفاع عن شرعية المؤسسات القديمة وآخر  يلتمس إحداث مؤسسات جديدة . فالثورة السياسية  هي عبارة  عن تغيير وإبدال  لشيكة  من النصوص المؤسساتية( طبعا في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها ).
فذلك مانجده في  الثورة العلمية . فهي  كذلك عبارة  عن تفسير  وإبدال  وتغيير  لشبكة من المفاهيم والتصورات والنظريات والمناهج القديمة للخروج من الأزمة . فهي  بناءات علمية  جديدة  تثور على   القديمة  وتتلاءم مع  الأسئلة المطروحة على الباحث وعلى العالم .
 فبدءا من عصر النهضة مرورا  بالقرنين السادس عشر والسابع عشر  وبعصر الأنوار  ثم عصر الحداثة  وقعت عدة ثورات علمية    بدءا من الا نقلاب الكوبر نيكي  وصولا إلى الثورات العلمية المعاصرة.
فقبل  ثورة كوبرنيك كان  نوعان من  علم الفلك :   النوع الأول هو علم الفلك  الفيزيائي الأرسطي  والنوع الثاني  علم الفلك  الهندسي  البطليموسي  . الأول يهتم بالبحث في تصور مادي للكون والثاني  يهتم  بالبحث  في تصور   هندسي للكون  . وتاريخ  علم الفلك  كان  يتأرجح بين هذين التصورين قبل كوبرنيك .
وقبل  القرن الحادي عشر للميلاد وبسبب التناقضات  الموجودة في أعمال  بطاليموس ،  كان لابد من التفكير في  حل  هذه التناقضات ، فظهر تياران أحدهما في  الغرب الاسلامي  يمثله خاصة  البطروجي تلميذ  ابن رشد  في القرن الثاني عشر ، العائد الى مبادئ أرسطو الفلكية . والآخر في الشرق يمثله الفريق المشكل  من  علماء مرصد مراغة (2). وفي عصر النهضة عجز علم الفلك عن تقديم  أجوبة  لعدة أسئلة  كانت تطرح  عصرئد  فيما يتعلق  بعدم الدقة وتوقع الظواهر  والحساب المضبوط. إذ تشكلت عقبات  أمام  تقدم العلم  والمعرفة  في فترة كثرت فيها  الرحلات والاكتشافات  مما يفرض  تحسين الخرائط  وتقنيات الملاحظة الفلكية، مما أدى بالفلكيين  الى الاهتمام  بالموضوع وإخراج علم الفلك  من الأزمة التي كان  يتخبط فيها .
 كانت  محاولة كوبرنيك الجريئة لاصلاح النظام الفلكي   انطلاقا من  الفكر الفيتاغوري  القائل بمركزية الشمس   ودوران الأرض . افترض كوبرنيك أن الشمس هي المركز وأن الأرض كوكب  يسبح في الفضاء كالكواكب الأخرى  وانعكست هذه الفرضية العلمية   على الفكر العلمي  والفلسفي والديني كذلك ، وتخلص علم الفلك  من العائق الابستمولوجي  الذي كان يعتبر الأرض هي  المركز.ويعتبر  إصلاح  علم الفلك من طرف كوبرنيك  من أهم الثورات العلمية على الاطلاق  بجانب الثورات التي  سنتناولها  لاحقا . ومن خلال  الفرضية الكوبرنيكية الجديدة قطع  كوبرنيك  مع التصورين الفلكيين الأرسطي والبطليموسي إلى  حد لا عودة .
  إذا كان كوبرنيك قد أقام  ثورة في علم الفلك ،  فإن ورثته كل من  جاليلي ونيوتن  وآخرين أقاموا بثورة في  علام الفيزياء  من خلالها انهارت  أركان الفيزياء الأرسطية .  ففي الفيزياء الأرسطية  كان يعتبر  السكون  والثبات هو أصل الأشياء . يبقى جسم ما ساكنا ما لم تؤثر  فيه قوة  خارجية . كما كان يعتقد أن  السرعة و القوة  لجسم ما  متناسبان .كان  يقال إن سرعة  الأ جسام الساقطة  تختلف  حسيب  أوزانها. إلا أن  الملاحظات  والتجارب  التي  أقام به  جاليلي أثبتت عدم ملاءمة  هذه الأفكار  الجاهزة   في الفيزياء الأرسطية مع الواقع .
 لافوازييه وعلم الكيمياء
 إن تفسير  كون بعض  المواد الكيميائية حامضة وأخرى معدنية  وغيرها قابلة للاحتراق  وما إلى ذلك ، كان غير واضح قبل لافوازييه. فقبل  لافوازيبيه  وإلى حدود القرن الثامن عشر  كانت مادة الفلوجستون  هي المهيمنة على تفسير المواد الكيميائية ، إلا أن  نظرية الفلوجستون أصبحت عاجزة على نحو مطرد في تفسير  وقائع  التجارب  التي  يقوم بها  العلماء في    مختبراتهم . فباكتشاف لافوازييه لمادة الأكسجين  أطيح بنظرة الفلوجسون  التي عجزت عن تقدم تفسير  علم الكيمياء  . ويعتبر  هذا  الاكتشاف  قطيعة ابستمولوجية  مع  الكيمياء القديمة   التي ورثت عن الخيمائيين  الأسكندرانيين وعن جابر بن حيان ..     ويعتبر  هذا الاكتشاف قطيعة ابستمولوجية  في تاريخ علم الكيمياء .
    أما الثورات المعاصرة   فسنتطرق إليها في  الأوراق المقبلة،  وأن الثورات التي أشرنا إليها ليست الوحيدة  في تاريخ العلوم  بل هناك ثورات  أخرى لم نذكرها  ،وستحدث ثورات جديدة  مستقبلا   في تاريخ العلوم. فتاريخ العلوم هو تاريخ أخطائه، وتاريخ قطائعه، وديدنه هو تصحيح أخطائه .
 إذا عدنا إلى  تاريخ العلوم العربية ،  فإننا نتساءل  هل هناك ثورات علمية تستحق الذكر  على غرار الثورات التي أشرنا اليها ؟
---------
(1) طوماس كون . بنية الثورات العلمية .  سلسلة  عالم المعرفة . عدد 168 . ترجمة شوقي جلال .ص    144
(2)  سالم يافوت . نحن والعلم. دار الطليعة . ط1 . ص44
(3) توماس كون .  بنية  الثورات العلمية. عالم المعرفة .ترجمة شوقي جلال .  عدد 168.        ص152.



 الورقة رقم 4 :    ما هي الإبستمولوجيا ؟  
    مفهوم الإبستمولوجيا هو مفهوم مركب من كلمتين يونانيتينepistimee  ومعناها علم -نقد – دراسة  علم .. فهي  تعني علم العلوم أو نقد العلوم  أو الدراسة النقدية للعلوم  (1). واللوغوس             LOGOSومن معانيها نقد وعلم...
 وبعرف لالاند  في معجمه الفلسفي  أن الإبستمولويا  هي فلسفة العلوم ،هي الدراسة النقدية  لمبادئ مختلف  العلوم : نتائجها وفروضها ...
والإبستمولوجيا لها علاقة   بالميتودولوجيا(علم المناهج ) لأنها  تدرس  المناهج العلمية  من تحليل  وتركيب . وهي  مرتبطة بنظرية المعرفة  لأنها تدرس كيفية اكتساب  المعرفة . ولها  علاقة مع  نتائج العلوم لأنها تدرس تاريخ العلوم في تطوره ونموه. ومواضيعها المعرفة الرياضيةومعرفة العلوم الطبيعية  ومعرفة العلوم الإنسانية  والاجتماعية .
  يقول بلانشي (2) :  إن التمييز بين الإبستمولوجيا  وفلسفة العلوم  لأ مرا عسيرا جدا . ويميل أن ترادفا أكيدا بينهما .
أما الجابر ي  فيرى  أن مصطلح  ابستمولوجيا  يختلف مدلوله سعة وضيقا  من لغة الى  أخرى ، كما   يلاحظ  عدم  اتفاق  اللغات الحية :  لغة العلوم العصرية على مدلوله ووحدود  موضوعه .  بقي أن نشير  أن مجال  البحث  الخاص بهذا اللون  من الدراسات  التي تتخذ  المعرفة موضوعا لها  مازال  غير واضع بالشكل الكافي (3).
 وفي جميع الحلات  ، فالإبستمولوجي  يعبر  عن دلالة المفاهيم و النظريات والتصورات الجديدة   والقيم  الابستموزوجية . فباشلار  حاول التعبير  ابستمولوجيا  عن دلالة الثورات العلمية المعاصرة  لابراز القيم الإبستمولوجية  التي أفرزتها تلك الثورات ليتجاوز الفلسفات التقليدية  التي عاصرها .
 من بين الذين اهتموا  بهذا المجال أي  موضوع  الإبستمولوجيا  هم علماء  - فلاسفة . اهتم  كونزت استاذ باشلار  بالمعرفة الر ياضية   واهتم باشلار  بالمعرفة الفيزيائية  واهتم  جان بياجي  بمعرفة علم النفس  عند الطفل  واهتم كانغليهم بمعرفة  علم الاحياء  كما اهتم بلانشي بتاريخ العلوم.
 اذا كانت الابستمولوجيا  تدرس  تاريخ العلوم  والمعرفة  العلمية  ، فكيف  تطورت ونمت  العلوم العربية  ؟   هل عن طريق اتصال أم انفصال ؟ (  لنا بحث  في الموضوع  بعنوان العقل العربي  الجريح وهو عبارة عن مدخل لقراءة معاصرة في   ثراتنا العربي العلمي – سيخرج الى النور قريبا ).
--------- 
(1)        محمد عابد الجابري .  مدخل الى فلسفة العلوم  . ج1. ط2.  1981.ص126‍.
(2)         ن. م. ص13.




االورقة رقم 5 :       فلسفة باشلار

      لماذا فلسفة باشلار بالضبط؟  لأنها  فلسفة  جاءت  لتبرر  القيم الإبستمولوجية  الجديدة للمعرفة العلمية  والمعرفة الإنسانية  التي حملتها الثورات العمية المعاصرة .
 إذا كانت  الفلسفات التفليدية لم تستطع مسايرة  التطور العلمي المعاصر ، فان باشلار  أخذ منحى  جديدا منفتحا عل التطور العلمي الحاصل في الرياضات والفيزياء  وفي الكيمياء وعلى نتائج هذه العلوم  ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر  والى حدود  نهاية  الربع الأول من  القرن العشرين. يرى باشلار  أن العلم المعاصر يسير بسرعة فائقة  في التطور  لم يسبق له مثيل . ويؤكد أن عقدا من زمانه  في المجال العلمي  يساوي  قرونا  بأكملها   في الأزمنة الماضية .
يريد باشلار  تجاوز الفلسفات التقليدية من ديكارتية وكانطية  ... لأنها   فلسفات تعتبر المعرفة  تنمو وتتطور بكيفية  استمر ارية . أما هو،  فهو يعتبر    المعرفة  تنمو  عبر  أزمات وعبر قطائع  . أي  عن طريق الانفصال وليس  عن طريق الاتصال .
  ففلسفة باشلار هي فلسفة علوم لأنها تأسست  انطلاقا من القيم الإبستمولوجية التي أفرزتها  الثورات العلمية   المعاصرة  ولها  عدة نعوث :   فلسفة لا- فلسفة الرفض  - العقلانية المنفتحة – العقلانية المطبقة.  فهي فلسفة ترفض  الآرا ء العامية  والتجارب الابتدائية  والوصف المبني على  مجرد الخبرة . فهي فلسفة  تقول لا  لعلم الأمس ، علم أرسطو  وعلم ديكارت  وعلم جاليلي ونيوتن .
فهي فلسفة  تطمح  الى  نقد  كل بسيطة  نقدا جدليا   للكشف  عن ما تنطوي عليه من لبس  وغموض  . وهي فلسفة  ترفض  كل تصور  علمي   يعتبر نفسه كاملا  ونهائيا. إن كل مقال في المنهج هو دوما ظرفي ومؤقت ، لايعتبر  نفسه نهائيا . إن الفكر العلمي يبنى  ويعاد فيه النظر باستمرار.
فالتيارات  القلسقية التي عاصرها   باشلار خاصة الفرنسية  تعتبر  تيارات   تكرارية ، تردادية  ، تدافع عن  مبادئ  فلسفات  وضعتها  مذاهب  كبرى  وجدت قبل هذا التاريخ  من ديكارتية وكانتية ووضعية . وهذه التيارات هي الوضعية الجديدة   والموضوعاتية ( فلسفة بوانكاريه) والروحانية ( البركسونية ). فهذه التيارات  لم تستطع  أن تساير  التطور العلمي ، ولا  تعبر  عن ماجاءت به الثورات العلمية المعاصرة .
  يرفض باشلار  أن  يكون الفكر  العلمي  المعاصر  اسشهادا للفكر العلمي السابق. بل يرى  أن هذا الفكر الجديد  مبني أساسا عبر قطائع   وعبر ثورات .  فعلم اليوم ثورة على علم الأمس.
 إن مجال  التفكير العلمي  يقول باشلار ، يجب أن يكون مفتوحا دوما . فليس هناك  بالنسبة للعلم  حقائق  مطلقة ، حقائق  قطعية ونهائية . فالعلم يقبل  أن تخضع  أسسه و مبادئه للمراجعة باستمرار.
 إذا  كانت  فلسفة باشلار  مرتبطة  بالثورات العلمية المعاصرة  وفلسفة ديكارت  وفلسفة كانط مرتبطتين بالعلوم الحديثة  فما موقع فلسفتنا نحن  من  هذه الثورات ؟ بل ، وماذا تحصل أول ثورة علمية عندنا لنؤسس عليها ي فلسفة خاصة بنا ؟ طرحنا هذه الأسئلة  الاستفزازية  لأن فلسفتنا  مؤسسة  على علوم الهللينيين  وليست  على علومنا  نحن .
--------
 اعتمدنا في هذه الورقة على كتاب  فلسفة المعرفة  عند باشلار  للدكتور محمد وقيدي . مكتبة  المعارف للنشر والتوزيع.








 الورقة رقم6:      مفهوم القطيعة  الإبستمولوجية

   يعتبر  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية مفهوما أساسيا  عند الإبستمولوجيين،  بما فيهم باشلار الذي بنى تصوره  لتاريخ العلوم  - إذا اقتصرنا على الإبستمولوجيا الفرانكوفونية  التي  يتزعمها باشلار نفسه- على  هذا المفهوم  بجانب مفهوم العائق الإبستمولوجي ومفهوم الجدل. وهو مفهوم  يعبر في نظره عن فترات  الانتقال  الكيفي في تطور  العلوم . فبقدر ما تحدث  تلك الكيفية بقدر ما تحدث قطيعة ابستمولوجية  بين الفكر العلمي الجديد  والفكر السابق له.    ويأتي هذا التصور ضدا على نظرية  الاستمرارية  كما نجدها عند  مايرسون  وآخرين (1) .
إذ يذهب القول  بالاستمرارية  على مستويين   :  المستوى الأول يقصد به الاستمرار من التفكير  العامي الى التفكير العلمي. والمستوى الثاني  يقصد به  الاستمرار بين الفكر العلمي الجديد  والفكر   العلمي  السابق عنه . 
    أما باشلار، فهو يقول  إن في تاريخ العلوم قفزات  كيفية   ينتقل بفضلها  إلى نظريات جديدة  ، لا يمكن  النظر  إليها  على أنها مجرد استمرار للفكر السابق. فبقدر ما تتحقق  تلك القفزات  الكيفية  ، بقدر ما تتحقق  قطيعة ابستمولوجية  بين الفكر العلمي  والمعرفة  العامية  (2).
 ويصنف باشلار  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية الى  مستويين :
-       المستوى الأول تكون فيه القطيعة بين المعرفة العامية  والمعرفة العلمية.
-       المستوى الثاني  تكون  فيه القطيعة بين النظريات العلمية الجديدة والنظريات العلمية السابقة عنها.
 بعض مظاهر المستوى الأول
      ففي نظر دعاة  الاستمرارية إن تاريخ العلوم  هو جزء لايتجزأ من التاريخ العام ،ومنه أن العلوم المعاصرة لها  أصول قديمة  انبثق منها ولو بصفة بطيئة( العلم له أسلاف )،  إلا أن هذا  القول لا  يطابق  في نظر باشلار  واقع المعرفة  المعاصر .وخلاصة القول إن  علاقة المعرفة العامة والمعرفة العلمية  هي علاقة انفصال  ، قطيعة ابستمولوجية بين ماقبل وما بعد  ( فالمصباح الكهربائي الذي اكتشفه أديسون  ليس استمرارا  للمصباح العادي والتقليدي ،بل  هناك انفصال  بين  المصباحين ).
-  ففي علم الفلك  قطع كوبرنيك مع كوسموس  أرسطو ومع كوسموس  بطليموس  والقطيعة هنا قطيعة   انفصال تام ،  يصل الى حد اللاعودة بين  ما بين وبين .  لماذا ؟ لأن فلك كوبرنيك ( معرفة علمية)وكوسموس أرسطو و بطليموس ليس بعلم ، فالعلم   بمفهومه الحديث لم يظهر الا في القرن السابع عشر . 
يمكن الحديث عن القطيعة بين الميثولوجيا والعلم في تاريخ الفكر اليوناني الهلليني مثلا  بدءا من طاليس وانكمادرس وانكسمانس ( بين اللاعلم والعلم ).
 بعض مظاهر المستوى الثاني
-       القطيعة هنا ، تكون بين فرضيتين علمييتين  (  فرضية علمية  جديدة  تدحض وتفند  فرضية علمية سابقة عنها     ( = كارل بوبر )، تثور  قيم جديدة  على القيم السابقة  والبقاء للأصلح .والقطيعة هنا  تكون بين نسقين  لكنه لا تصل الى  حد  الانفصال التام . بل تكون قطيعة احتواء وتضمن . العلم الجديد يتضمن العلم السابق عنه لأنه أوسع وأشمل  .
-       مثالان : 
     + بين الهندسة الأوقليدية والهندسة اللاأوقليدية ( هندسة أقليدس صاحب الأصول وهندسة ريمان ولوباتشوفسكى )، فالهندسة الأولى علم والثانية علم  والقطيعة بينهما هي قطيعة احتواء وتضمن لأ ن الهندسة اللاأوقليدية   تتضمن  الهندسة الأقليدية  لأنها  أوسع وأشمل منها ، فأصبحت  هندسة اقليدس جزءا من  هندسة ريمان ولوبانشوفسكي.
    + فبعد انهيار  الإبستمولوجية الديكارتية ، انهارت معها ميكانيكا نيوتن المبنية على  عدة مفاهيم   كمفهوم الحتمية واليقين ..  وظهور مفاهيم جديدة بعد تثويرها على المفاهيم السابقة . لقد ثار مفهوم اللاحتمية،والنسبية و  الاحتمال والاحصاء ...  بعد ظهور الثورة في العالم الصغير  مع ماكس بلانك ، ومع ظهور النسبية  الخاصة والعامة لأينشتين ومع  ظهور ميكانيكا هزنبيرغ أحد أقطاب مدرسة    كوبنهاغن التي كان يتزعمها  بور    BOHR.
 فالعلاقة   بين ميكانيكا نيوتن من جهة  وميكانيكا  بلانك وهيزنبيرغ وديراك  من جهة أخرى  هي علاقة  قطيعة ابستمولوجية ، لكن  لن تصل الى  حد الا نفصال التام  ، بل  قطيعة احتواء كما قلنا  سابقا   ، لأن  كل   ميكانيكا هنا هي  علم ، والعلم الجديد  يتضمن العلم  السابق  مع  اعادة السبك .   
 تلك هي   تصنيفات باشلار  لمفهوم القطيعة الإبستمولوجية  بمظهريها  الأول والثاني، بعد عملية  اسقرائيه لتاريخ العلوم  الحديثة والمعاصرة .
 فتاريخ العلوم  هو تاريخ  أخطاء، و تاريخ قطائع،  يثور فيه الجديد على القديم والبقاء للأصلح .
   نشير   أن    هذا المفهوم الذي حددناه في الفقرة السابقة لا يقتصر على تاريخ  العلوم الدقيقة كالرياضيات والفيزياء والاحياء ... بل  يطال توظيفه اجرائيا كذلك في تاريخ العلوم  الإنسانية الأخرى.
 لقد وظفه مشيل فوكو في  قراءته للتراث الأوربي   بدءا من القرن السادس عشر، ووظفه ألتوسر  لاعادة  قراءة  التراث الماركسي من جديد ، ثم وظفه كل  من الجابري وأركون  مثلا  في  نقدهما للعقل  العربي والاسلامي .وهكذا  انتقل المفهوم   : مفهوم  القطيعة الإبستمولوجية  من  مرجعيته الأصلية  العلمية التي نحثه  منها باشلار   ، ثم  وظف في التراث الأوربي  أي في مستوى ثان، ثم وظف  في  تراث غير أوربي  في مستوى ثالث .
 كما أن استعمال مفهوم القطيعة  يتطلب التحرك داخل نفس  الثقافة  وبعيدا عن  الاعتبارات القومية، نقول داخل نفس الثقافة لأنها  لا تحصل بين شخصين ينتميان  لثقافتين مختلفتين او  لميدانين معرفيين مختلفين ،  فلا معنى  القول مثلا بأن فيلسوفا  أوربيا ما في  القرون الوسطى  حقق قطيعة مع ابن سينا ، ولا معنى  القول مثلا بأن عالم في الرياضيات حقق قطيعة مع عالم في الفيزياء  أو في القانون  (3).
------------
(1)محمد وقيدي .  فلسفة المعرفة  عند باشلار . مكتبة  المعارف . الرباط. ط2. 1984   ص
(2 بوعزة ساهل . أوراق باشلارية. دار االقرويين . الدار البيضاء . ط1. 2001.   ص33.
(3 الجابري . نحن والتراث.قراءة معاصرة  في تراثنا الفلسفي .المركز الثقافي العربي  بيروت .ط5 . 1986.  ص 9.     








الورقة رقم 7    :  مفهوم العائق الإبستمولوجي


   من بين المفاهيم التي بنى عليها باشلار فلسفته  وتصوره  لتاريخ العلوم ، مفهوم العائق الإبستمولوجي  بجانب  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية ومفهوم الجدل . وقبل تناول هذا المفهوم  نشير أولا الى الظروف التي أدت بباشلار  إلى الوقوف عند  هذه المفاهيم الثلاثة وتوظيفها إجرائيا كركائز وأعمدة في تصوره لتاريخ العلوم.  فلتجاوز باشلار  الفلسفات التقليدية  التي كانت سائدة في عصره ، كان لابد  من مفاهيم  يبني  عليها فلسفته الجديدة : فلسفة لا.
 لقد تساءل باشلار  حول الكيفية التي  نما وتطور بها الفكر عامة والعلمي منه  على الخصوص . وعن سبب  عدم تطوره بالكيفية المطلوبة ، وعن   المعوقات ( العوائق الإبستمولوجية ) التي  حالت دون   تقدم  الفكر العلمي . ولتجاوز  النظريات الاستمرارية وقف باشلار  على عدة عوائق ابستمولوجية ذكره في كتابه  تكوين العقل العلمي.
  لكن ماهو العائق الإبستمولوجي أولا ؟ متى يظهر في العمل العلمي ؟  يجيب باشلار  إن العائق الابستمولوجي  هو كل  مظاهر التعطل  والنكوص والتوقف التي تحدث في سير تاريخ العلم .وهذا  العائق  يوجد  في صميم  عملية  المعرفة  ذاتها. يبرز  في الشروط  النفسية للمعرفة  تبعا لضورة  وظيفة بمجرد ما تقوم علاقة بين الذات والموضوع.
 وللعائق الإبستمولوجي عدة صور منها :
  الصورة الأولى تظهر في  التجربة الأولى المتمثلة في  الاتصال الأول ، اتصال  الذات بالموضوع  لمحاولة المعرفة العلمية وإضفاء العقلانية  عليها وتجاوزها .  في هذه الحالة  يعتبر الحضور.الذاتي  المباشر عائقا  ابستمولوجيا  مما يؤدي الى معرفة خاطئة.
- الصورة الثانية   تظهرفي التعميم المتسرع ، التعميم الذي يكون استجابة  لمتعة عقلية (مكبوتات )، فقد يكون  متسرعا .
-  الصورة الثالثة  تتعلق بالمماثلات . فالمماثلات  الزائفة  بين  بعض الظواهر تخلق  عوائقا . نقصد بقياس دراسة  ظاهرة  ما  في علم ما على دراسة  ظاهرة أخرى  في علم آخر رغم اختلاف   الشروط . فوراء هذه الصور تختبئ العوائق الإبستمولوجية ، عوائق لا تخدم المعرفة  الصحيحة . تلك العوائق التي   تختبئ في اللاشعور  للعالم والباحث .فهي مكبوتات  عقلية ونفسية  تؤثر في    تقدم العلم . فكم من   مكبوت  سواء  أكان باحثا  أو حاكما أو فقيها أو مسؤولا  أثر في تقدم مجاله  لغياب الموضوعية  . فلنساهم جميعا  في إزاحة  هذه  الكبوتات  لنتقدم  في كل المجالات  


.
الورقة رقم 8 :          مفهوم الجدل

     سنقدم في هذه الورقة  عرضا موجزا  عن مفهوم أساسي  يدخل في إطار تصور باشلار  عن تاريخ العلوم : مفهوم الجدل  ، ويعبر عنه باشلار  بالعلاقة التي تقوم  في تاريخ العلوم عامة  بين القطائع والعوائق ، ثم  العلاقة الجدلية  التي تقوم بين النظري والعملي.
 وتختلف دلالة مفهوم الجدل  عند باشلار  عن دلالة نفس المفهوم  في الفلسفات التقليدية ( الجدل عند أفلاطذن وعند  هيرقليطس وعند هيغل وماركس), لقد استفاد باشلار  من الدرس  الذي قدمه  بوهر   Bohr  في   الميدان الميكروسكوبي . إذ سبق أن  أعلن  هذا الأخير  عن مبدأ التكامل  ليضع  حدا للصراع  بين النظريتين  الجسيمية والتموجية للضوء(1). فبدلا من أن  يعلن تنافي  النظريتين  ، فهو يعلن   ضرورتهما وتكاملهما  من أجل فهم  الوقائع الضوئية  التي تظهر  في شروط معينة  جسيمية و شوط أخرى  تموجية .
 يختلف مفهوم الجدل عند بوهر عن نفس المفهوم عند أفلاطون وعند هيغل  .  فصاحب الجمهورية   يعتبر الجدل  منهاجا ، ودراسة المفاهيم  المنتمية الى عالم المثل ( من القمة الى القاعدة )دراسة تراتبية  وتفاضلية وعلى رأس  القمة  مفهوم الخير. أما عند هيغل فيدور  المفهوم  حول  فكرتين  :  أطروحة  القضية ونقيضها ،  والفكرتان  متناقضتان، ولكن  عند باشلار  متكاملتان . وقد  امتد مبدأ  التكامل ( الجدل ) الى ميادين  علمية أخرى. فالكائن الحي عند بوهر يبدو في مظهرين ، مظهر  فيزيائي  ومظهر دينامي. فلكي  ندرك  ظواهر  الحياة لا بد من  اعتبار هذين المظهرين  معا .  فكل مظهر يكمل الآ خر  في إطار توافق وتوازن (2).
 إذا  كان مفهوم الجدل عند باشلار هو  علاقة التكامل ،فإنه يريد  نقله الى  الفلسفة العلمية  بعد أن استفاد من  درس بوهر وغيره . وهو عدة أنواع  من التكامل، بين الاتجاه  العقلاني والاتجاه التجريبي ، بين  القبلي والبعدي ، بين المجرد والمحسوس، بين الرياضيات والفيزياء .
 فالعلم في حاجة  الى موقف يتكامل فيه النقيضان  لأن  الاكتشافات  العلمة  يمكن  أن تفهم   ضمن تكامل  هذه الحدود  المتقابلة  وليس ضمن  تضادها . لذلك  فالفلسفة  العلمية  ليست فلسفة  عقلانية وحسب ، ولا فلسفة تطبيقية وحسب  ، بل كلتاهما  تتخذان  معنى جديدا  في الفكر  العلمي المعاصر . أوقل  إن العقلانية  العلمية هي التي  تسعى إلى  التطبيق . فالعقلانية والواقعية  هما دوما يتبادلان النصح .
   ومن بين أنواع الجدل التي أشار إليها باشلار  ، الجدل بين العلم الجديد والعلم  السابق عنه ،  قد تصل  العلاقة الجدلية ين  العلمين الى حد الاحتواء والتضمن ( انظر كتابنا  جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي ) . فالجدل هو الانفتاح  والتكامل  بين  العلوم والمعاريف وصولا الى تركيب النقيضين .
--------
(1)  وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مصدر سابق. ص148.
  (2)ن.م.ص149.


 الورقة رقم9              مفهوم الحقيقة العلمية


   دون الحديث عن مفهوم الحقيقة   عند  صاحب  نظرية المثل الذي  يعتبرها موجودة في العالم العلوي  وأنها  أزلية ، ودون  الحديث عن نفس المفهوم   عند فلاسفة وعلماء العصر الحديث الذين  يعتبرونها من المطلقات  ، بل سنتناول نفس المفهوم عند غاستون باشلار صاحب فلسفة الرفض في إطار التحولات التي طرأت في العلوم المعاصرة   ، وعلى ضوء الثورات العلمية  التي ظهرت في علم الهندسة مع ريمان ولوبياتشوفسكي، وفي ثورة ماكس بلانك التي ظهرت في  عالم الذرة ، ومع نظرية النسبية  مع اينشتين بدءا من 1905 .
 فباشلار المتشيع بالقيم الإبستمولوجية التي أفرزتها  الثورات العلمية ،   يعتبر الحقيقة    خطأ  متجاوزا  أو مصححا . وبالتالي لا يمكن الحديث عن  مفهوم الحقيقة دون الحديث عن مفهوم اللاحقيقة ، ذلك لأن ما يميز الفكر العلمي  وتقدمه  هو  تصحيح أخطائه    LEsERREURS RECTIFIEES  .
ففي كتابه "العقل  العلمي الجديد " يؤكد باشلار  أن الحقيقة  العلمية  هي تصحيح الوهم الأولي  المشترك ( ص 33 ). وعبر عن ذلك في   تكوين العقل  العلمي  بقوله   المعرفة الموضوعية الأولى هي خطأ أولي ( ص45).
   فالحقيقة  عند باشلار لا يمكن  تحديدها إلا من خلال  النظر  لعلاقتها  باللاحقيقة . و ما دامت  الحقيقة  هي خطأ مصحح ، فإن  اللاحقيقة  (موضع  الخطأ) تكون في  طريق واحد معها . فهي  الشرط الآخر للحقيقة على أساس أنه لا توجد  حقيقية   بدون  خطأ مصحح .  هذه  اللاحقيقة  أو الخطأ   يعتبر  باشلار أن له دور إيجابي  في المعرفة  العلمية  على نحو ما عبر عنه في  كتابه " العقلانية  التطبيقية" . إن الخطأ يأتي ليلعب دوره المفيد في تقدم المعرفة .
  فالحقيقة ليست ثابتة أو مطلقة ، والعلم  بدوره ليس  ثابتا  وأزليا ، بل  هو مقال ظرفي يعاد  النظر فيه باستمرار .فالبحث العلمي أصبح يرفض تلك المطلقات التي بني عليها  العلم الحديث من ديكارتية ونيوتونية ( كانطية ) أسسه ودعائمه مثل الحتمية واليقين والمطلق... ، بل  أصبح  يتأسس على  دعائم ومرتكزات أخرى كمفهوم اللاحتمية واللايقين  والحقيقة النسبية  ومفهوم الزمكان ومفهوم التحدب.
أسبقية الخطأ عن  الحقيقة  عند باشلار
    فالعلم لم يصل  إلى الحقيقة  إلا من    خلال    تجاوز تصحيح الخطأ (اللاحقيقة )  ، وبالتالي  يكون الخطأ أولا ثم يأتي  التصحيح ثانيا  أي  تأتي الحقيقة  العلمية ((1). فالحقيقة واللاحقيقة  (الخطأ وتصحيحه) متصاحبان  في رحلة الاكتشافات العلمية  (2). ففي فلسفة "اللا"  لباشلار يقول  فيه :  إن  الحقيقة بنت  المحاورة  وليست بنت  التعاطف  ، يعني  أن السير  على  درب الحقيقة   يتحقق  من خلال الحوار مع  الآخر  المختلف عنه ، وبالتالي أن  العلاقة بين الحقيقة واللاحقيقة  ليست علاقة تناقض  بل هي علاقة  جدلية  يكملان  بعضهما البعض .  فكل منهما يحتاج إلى ألآخر  في درب  رحلة  الاكتشافات العلمية (3). فالتفكير العلمي، هو تفكير  جدلي  يدمر  قبل أن يبدع   (4) . وهذه المرحلة  التي يمر  فيها الانتقال  من التدمير إلى الإبداع  يطبعها  الطابع الثوري  للتقدم العلمي .  فالخطأ أساسي وأولي  في كل  مسيرة علمية  . وسيظل  مسيطرا على العقل البشري  ما لم  يعمل   هذا العقل على إزاحته (5). فالتقدم  العلمي  يتم  من  خلال الصراع  بين القديم والجديد (بين الخطأ  والصواب ) يتبلور هذا الصراع على السلب  وعلى  "اللا"   التي أصبحت تعبر عن  لا  حتمية (اللاحتمية )، ولا يقين (اللاييقين ) (هيزنبيرغ) ، وميكانيكا  لانيوتونية (اللانيوتونية ) وهندسة لا أقليدية ( اللاأوقليدية )  وفيزياء لاماكسويلية (اللاماكسويلية )  وابستمولوجيا اللاديكارتية ... فالفكر الغربي  لم يكن  يستطيع  الوصول  إلى ما وصل إليه حاليا  بدون  المرور  بحالة   السلب  وبحالة النفي . ففي الفلسفة اليونانية   لم يكن بارميندس  يتحدث عن الوجود  إلا من خلال  اللاوجود، ويبني فكرة المنتهي إلا من خلال اللامنتهي  . وعندما  حاول زينون الدفاع عن  أطروحة معلمه بارميندس ، قام ببناء  نظرية تقوم على  مقولة   "إن كل  تأكيد  هو  نفي " ، وجاء سبينوزا في العصر الحديث ليقول العكس  "كل نفي هو تأكيد" . أما هيغل  فلم  يعمل إلا على جمع  محصلة  أفكار  بارميندس وسبينوزا  ليؤسس  للجدلية  أو الديالكتيك  التي تتلخص  في ما يلي :  " كل تأكيد فهو نفي ، وكل نفي هو تأكيد"  ومن هنا أهمية  النفي (أو السلب) خصوصا    عند هيغل و داخل النسق الفلسفي  الأوربي عموما  ( 6 ) .
 وهكذا  لن تكون الحقيقة ، حقيقة بالمفهوم العلمي إلا  إذا تجادل فيها  الإيجاب والسلب ،  أي تكاملت فيها الحقيقة واللاحقيقة . فقبل الإبداع والاكتشاف لابد من التدمير أولا.
هوامش 
(1) غادة الإمام . باشلارو جماليات الصورة . دار التنوير . لبنان . ط1 2010 ص53
(2) ن. م. ص53
(3)ن. م. ص54
(4) ن. م. ص103
(5) ن. م.  ص107
(6) جريدة المساء المغربية . الملحق الثقافي  . تاريخ  21  ماي 2010 . مقال  بعنوان   القيمة اللإستمولوجية  لفهم  العقل الأوربي   للدكتور الجابري بمعهد  العالم العربي . ترجمة  يونس  وا نعين .  




.الورقة رقم  10            مفهوم العقل العلمي

العقل لغة  الحجر(المنع )   والنهي ضد الحمق .
  وفي لسان العرب  لإبن منظور ج11.ص458-462،فالعقل مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه ، وقيل العقل هو التمييز الذي يميز الإنسان عن سائر الحيوانات  . ورجل عاقل هو الجامع لأمر ه ورأيه. والعاقل هو الذي يحبس  نفسه ويردها عن هواها .
 العقل اصطلاحا 
 يستعمل العقل عادة  لوصف الوظائف العليا للدماغ( وربما القلب) البشري  (التفكير – الذاكرة – الذكاء ..) ( عن ويكيبيا ).
 والعقل عند  اليونانيين  مثل هيرقليطس وأنكساكوراس    يفسر النظام السائد  في الكون ، وهوأعدل القسمة بين الناس .
  وإلى حدود  بداية الثورة  العلمية المعاصرة بقي العقل الأوربي  في الفلسفات القليدية امتدادا للعقل اليوناني  ، عقل كلي ، قوانينه تطابق قوانين الطبيعة . ويمثل هذا الاتجاه  كل من ديكارت ومالبرانش وليبنتز وكانط وهيغل (1).
  تلك هي المصادرة الإبستمولوزجية التي بنى عليها هؤلاء الفلاسفة الكبار مشارعهم الفلسفية.  أما  فرانسيس بيكن  وجاليلي ونيوتن ( التجريبيون ) فهم يضعون العقل في مدرسة العلم  التجريبي والمنهج الاستقرائي  ، عكس سلسلة ديكارت التي ترتكز أساسا على المنهج الاستنباطي.  فالعقل متعدد الصور . فهناك العقل النظري( فلسفي – منطقي -رياضي ..) والعقل العملي( أخلاقي – سياسي ..) وهناك  العقل اللاهوتي  والغيبي  . وهناك العقل العلمي . فالذي يهمنا   في هذه الورقة هو العقل العلمي خاصة بدءا من  سنة 1905. 


 العقل العلمي
 يتميز العقل العلمي بآليات تفكيره ، فهو عقل يربط السبب بالمسببات ،العلة  بالمعلوم ، عقل ممنهج  ، ينطلق من  معطيات ومصادرات أو قل  من  أكسيومات ( مسلمات وتعاريف ..)  مستعملا  منهجا  استدلاليا ( استقرائيا أو استنباطيا ) وصولا إلى  نتيجة معينة .
 فهو عقل  افتراضي  أي  ينطلق دوما من   فرضية ما وصولا إلى  الهدف .
 كما أن النظرية العلمية عنده  دائما قابلة للدحض والتفنيد( كارل بوبر ). فتاريخ العلوم هو تاريخ سلسلة من الفروض المتنافسة  والبقاء للأصلح ( منطلقات داروينية ).
 فالعقل العلمي المعاصر هو الذي  أصبح  يقبل النقيضين في الشيئ  نفسه ( الاتصال والانفصال  ) . هو كذلك عقل مركب  من هذه المتناقضات  ( الثنائيات )، عقل نسبي  ( ليس  بعقل مطلق ).
 فالعقل العلمي  هو عقل أصبح  تلميذا للعلم  المتطور  ( باشلار ) . عقل متحرك  وليس  ثابتا  وفق المستجدات العلمية . يومن بالاحتمال  واللايقين واللاحتمية  واللاتعين ( هيزنبيرغ ). يصحح أخطاءه باستمرار( انظر كتابنا جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي ).
 السؤال  هل العقل البشري استوعب  هذه الجدليات وهذه التوليفات ( التركيبات ) في العقل العلمي  الجديد  ؟ وضمن هذا السؤال فماذا نقول عن العقل العربي  ؟  هل هو عقل  أرسطوطاليسي – أوقليدي ؟ أم عقل  يتجاوب مع  المستجدات في العلم  الجديد المتطور ؟ هل استوعب ميكانيكا ديراك وميكانيكا  هيزنبيرغ ؟ هل استوعب مكان ريمان  الأكثر  ملاءمة مع نظرية النسبية لأينشتين ؟ هل استوعب المنطق الرمزي ( الرياضي )  الذي أسس له فريجه ورسل ووايتهد؟أم مازال  يومن  بمبدأ التوكل والتجويز  ورفضه لمبدأ السببية ؟
-----------
 (1) جورج طرابيشي . نظرية العقل . دار الساقي.ط1. 1996.ص194.


الورقةرقم 11              مفهوم الحتمية

   أولا  نشير أنه قد يخلط  مصطلح الحتمية ومصطلح الجبرية  من الناحية اللغوية، وأحيانا من ناحية  المضمون  . في حين أن المصطلح الثاني لا علاقة له بالعلم .
 ففي اللغة العربية  مصطلح الحتمية مصطلح عربي أصيل مشتق   من مصدر الفعل "حتم " . نقول  حتم عليه الأمر  حتما  أي  وجبه جزما . وتحتم    أي  وجب وجوبا  ، لا يمكن  إسقاطه. والحتم  القضاء  وايجابه وأحكام الأمر  واللازم  الواجب  الذي  لابد من فعله  أو  حدوثه ، فهو  الوجوب  والضرورة  واللزوم  (1)   
  جاء في القرآن االكريم  ""وكان  على ربك  حتما  مقضيا "". وفي الحديث "الوتر  ليس   بحتم  كالصلاة المكتوبة". وفي اللغة اللاتينية  تعني  "المحدد الثابث " (2). والذي يهمنا   في هذه الورقة  هو التعريف العلمي  بدءا من القرن  السادس عشر  الى حدود  نهاية القرن التاسع عشر .  فالحتمية  صفة تطلق على الشيئ  الذي  يتميز  يأنه واجب  الحدوث  أو ممتنع الحدوث  .  تحدث أو لا تحدث  طبقا لشروط  معينة  تحتم  حدوده .  والحتمية ملازمة  للمصطلحات  اليقين  والعلية والسببية . ففي العلم  الحديث  كان  من المفاهيم التي  بني عليها هذا العلم  مفهوم الحتمية  ولقي هذا المفهوم مفهوما محوريا     في النظريات العلمية  وفي كل بناء  علمي الى حدود نهاية  القرن التاسع عشر .  كانت الحتمية  تعطي للعلم   شموليته وثباته  وصرامته ودقته . إذ أصبح هذا المبدأ بمثابة  لحمة والأخذ بها  في العلم  الحديث وسداها .
   إذا كانت القرون الوسطى تتميزان   بالإيمان والاعتقاد  والتجويز ،     وإذا كان  القرنان   الرابع عشر والخامس عشر   يتميزان  بعصر النهضة ، والقرنان  السابع عشروالثامن عشر يتميزان بالملاحظات   والتجارب  والمناهج  والقرن الثامن عشر يتميز  بعصر التنوير  فإن القرن التاسع عشر  يتميز بعصر  الحتمية العلمية  . فالكل  أصبح  يتكلم  عنها ويؤكدها  والأخذ بها في جميع العلوم  بما فيها العلوم الإنسانية والاجتماعية .
 فبالنسبة الى التعريف العلمي  ، فمبدأ الحتمية  يفيد  عمومية  القوانين  الطبيعية وثبوتها  وإطرادها  .  فنظام الكون ثابت ، شامل  ، مطرد . وكل  ظاهرة    من مظاهره مقيدة بشروط تلزم ( تحتم )  حدوثها  اضطراريا  وليست هاوية من الفوضى  والعماء . فليس  للطبيعة  جواز ولا  إمكان  طفرة  أو معجزة ولا طوارئ، بل  كل ما  فيها ضروري . ولما كانت  الضرورة  العلمية تعني  استحالة النقيض  ، كانت  الحتمية  العلمية  تعني  أن كل  ما يحدث لابد أن يحدث ويستحيل أن يحدث  سواه. أما  الجبرية  فهي  مبدأ "متعال " وتعني  أن ما يحدث  في الكون  إنما  يحدث وفقا  لارادة  الله  يفترض فيها الحدوث بشروط أو بدون شروط . فهي  ضرورة متعالية  تعلو على الطبيعة .
 إلا أن مفهوم الحتمية  سينهار  مع ظهور  نظرية الكوانتا  ونظرية النسبية  مع بداية  القرن العشرين. فمن  تقديم الطاعة والولاء للحتمية  العلمية  الى التمرد والعصيان وتحطيم المقدس . تحطيم مفهوم الحتمية الذي  كان يعتبر   الأب الروحي   للعلم الحديث . وهي بداية الانقلاب في الفيزياء المعاصرة .
---------
(1) يمنى طريف الخولي . العلم والاغتراب والحرية . الهيئة المصرية العامة للكتاب .1987.ص52-53.
(2)  ن. م. ص 53.  
                   







  الورقة رقم 12             مفهوم اللاحتمية

        كان من  أسس الحتمية العلمية قوانين بقاء  المادة ،  بقاء الكتلة،  بقاء حفظ الطاقة.فحسب قوانين نيوتن  فالكتلة التي يقاس بها العنصر  الذاتي  ومقدار الجذب  تبقى ثابتة ولا تتغير . ذلك ما أكده لافوازييه في نهاية  القرن الثامن عشر . اكتشف هذا الأخير  أن الوزن  للمادة  يبقى بلا تغيير في جميع التحولات الكيمياوية . وتوصل  جول  joule الى ملاحظة  الطا قة  تتحول ولا تفنى  ولا تنعدم  حسب قوانين يوتن. ظلت هذه  االقوانين  سائدة الى حدود  النصف الأول من القرن التاسع عشر .
انقلاب :
 توصل طومسون الى النتيجة التالية :  إن كتلة الجسم المشحون بالكهرباء يمكن أن يتغير . فكلما  تحرك أكثر كلما  أصبحت كتلته أكبر . إنه انهيار  لأحد قوانين نيوتن  في الفيزياء الحديثة .
كما توصل هيزنبيرغ  الى ملاحظة  تتعلق بسلوك الكهيرب (=الالكترون ) electron . فلكي  نعثر على  محل كهيرب  ، ينبغي  أن  ننيره بالضوء . وأن التقاء الضوء بالكهيرب  يبدل  محل الكهيرب . وهذا  الا لتقاء يبدل  من جهة  تواتر الضوء.  وبناء على ذلك   فلا يوجد   في العالم الميكروسكوبي (= العلم الصغير ) أية  طريقة  ملاحظة  لا تؤثر فيها  أساليب  الطريقة على الشيئ الملاحظ . فهناك تداخل رئيسي بين الطريقة  والشيئ  وهو ما يعبر عنه هيزنبيرغ  بمبدأ اللاتعين (= اللاتعيين ) . ومعناه أنه لا يمكن  تنبؤ   بموقع وسرعة  جسم مادي  في الوقت ذاته . مما يعني القول  بمراجعة  مبدأ الحتمية.
 وفي هذا السياق يقول  مارخينو : ثمة فارق  كبير  في التعبير  أن نقول  إن الكهيرب  هو في محل ما من المكان  ولكنني لا أعلم أين  ولا أستطيع  أين هو .   أو نقول  كل نقطة محل  ذي  احتمال  متساو  بوجود  الكهيرب  فيها . والواقع أن التأكيد  عل طمأنينة  أنني  إذا قمت بتحقيق عدد كبير  جدا من الملاحظات ، توزعت النتائج  في المكان  كله توزيعا  منتظما (2).
 وعل ضوء  ملاحظة هيزنبيرغ و نص مارخينو تظهر سمة إيجابية    كل الايجابية للمعرفة الاحتمالية ، وظهور  مبدأ اللاحتمية . وهو  مبدأ يعني عجز العقل  عن التنبؤ بحوادث  الطبيعة   لعجزه عن الاحاطة  بأسبابها ونتائجها  . إنه انهيار لمبدأ الحتمية  وتثوير  مبدأ اللاحتمية عليه ( انقلاب علمي )  وظهور علم  الاحصاء  لدراسة علم الاحتمال .
 وهكذا إذا كان العلم الحديث في القرن السادس عشر  وحتى نهاية القرن  التاسع عشر علما حتميا ، فإن العلم المعاصر ، علم القرن  التاسع عشر والقرن العشرين   أصبح علمل لاحتميا . فانهيارمبدأ الحتمية يعني  انهيار  العلم الحديث لانهيار  المبادئ الملازمة لمبدأ الحتمية كمبدأ  اليقين ومبدأ العلية .. اللتين كانتا  أهم صور الحتمية . أما صور اللاحتمية  فأصبح اللايقين   واللاتعين    وعلم الاحصاء وعلم الاحتمال وعلم الدوال الرياضية  .
--------
(1)     باشلار. الفكر العلمي الجديد . ترجمة عادل العوا . المؤسسة الجامعة . بيروت .  ط1 . 1990. ص123.
(2)     ن.م .ص116.










  الورقة رقم 13   :        مفهوم الاتصال والانفصال
     تستعمل  كلمة متصل  في اللغة العادية  كوصف لشيئ لا انقطاع  فيه كالحبل مثلا . ويشكل  كلا واحدا  لا مجموع  أجزاء  على الرغم من أنه يقبل  تجزئة الى ما لا نهاية   من الأجزاء .
  وفي اللغة الفلسفية  تستعمل الكلمة  في نفس المعنى  تقريبا (1).والحديث  عن الاتصال والانفصال  تناولته الفلسفات القديمة  ، إلا أن المفهوم   قد تطور  خاصة مع   الثور ة العلمية وانعكس هذا التطور     على الفلسفات الملازمة  لهذه الثورة . ففي هذه الورقة   سنقوم بمقاربة  للمفهوم خاصة داخل العلوم  الفيزيائية والرياضيات .
  فلعل أهم  مشكل  تمحورت حوله  الأفكار الفيزيائية  الكلاسيكية  منها والحديثة  خلال جميع مراحل تطورها  هو مشكل "الاتصال والانفصال "، ونعني  بذلك  تركيب المادة بمختلف  تجلياتها  .  فهناك نظريات متضاربة  بعضها  يعتمد على  مفهوم الاتصال  وبعضها يعتمد على مفهوم الانفصال  مما يطرح  إشكالية (2).
 يقول دوبوي "إن  مشكل المتصل و المنفصل  هو مشكل ذلك  التعارض  الكلاسيكي  بين  العنصر البسيط الذي لا يتجزأ وبين  العنصر  القابل للقسمة . والعنصر غير القابل للقسمة هو ما يعبر عنه في العلم الحديث  ب "الحبة " ، حبة من المادة  أو حبة من الضوء  كالنوترون أو الاكترون  أو الفوتون .. هذه الحبة  تكشف عن نفسها ككيان  فيزيائي غير قابل للقسمة . قادر   أن  يقوم بإحداث  فعل و رد فعل (3). لقد سبق أن تطرق  الى الذرة  كل من ديمقريطس  وأبي هذيل العلاف  المعتزلي و ديكارت وليبنتز وغيرهم، إلا أن تصوراتهم  بقيت ميتافيزيقية  . ومع بداية  القرن التاسع عشر  ، دخلت  الذرة  في الأبحاث الكيماوية  كفرضية  علمية  . فكانت البداية  مع دلتون   DALTON  (1834-1907)       ثم مع مندليف الذي    صنف العناصر الكيماوية تصنيفا علميا . ورغم ذلك  بقيت الذرة  شيئا مجهولا  لم تعرف بنيتها  إلا مؤخرا . فانطلاقا من  محاولة  تفسير قانون الجاذبية  ، انطلقت الأبحاث  في الكهرباء  وفي المغناطيس . وفي  هذا السياق  توصل الفيزيائي  الأمريكيFreulikin أن الكهرباء  عبارة عن مائع (=سيال )  FLUIDE  يسير بين  الأشكال  بشكل متصل . وعندما اكتشف العلماء  أن الحرارة  ليست مائعا  كما كان يعتقد، بل هي نتيجة  حركة   جزيئات  ، أي  أنها  من  طبيعة  منفصلة  ، لا متصلة ، أصبح العلماء يتساءلون :  ألم   تكن  الكهرباء أيضا  قائمة على الانفصال ؟  توصل  العالم هيلمولتز 1881 إلى ملاحظة  أن الأيونات IONS   وهي أصغر  جزء من المادة  تتدفع  منفصلة  ومنقطعة. ولم يمض  إلا بعض  السنوات  حتى أكدت  نظريات  الأيونات  هاته  أن الكهرباء  هي فعلا عبارة  عن حبات  منفصلة . و مع نظرية RTHRFORD حول بينية  الذرة  التي تقول   إن الذرة   أشيه  ما تكون  بالنظام الفلكي . فكلما  تدور الكواكب حول الشمس  تدور اللاكترونات حول  النواة . فنواة الذرة   تتركب من الالكترونات والبروتونات وجسيمات أخرى  تدخل  في تركيب  الذرة .   أصبحت  الذرة حقيقة  علمية  لا كجزء لا يتجزأ، بل  كبنية  تتألف من  جسيمات و. وبذلك  أصبح التصور  القائم  على الانفصال  هو السائد .
  فبعد  أن توصل ماكسويل 1879 بواسطة معادلته  الرياضية  أن الضوء  عبارة عن أمواج (سائل) أي قائم على الاتصال  ، توصل  بعده ماكس بلانك    بأن الضوء  عبارة عن  جسيمات ( على الانفصال ) . فما هذا  التناقض؟ الشيئ  يحمل النقيضين في آن واحد .
   جاء  لوي دوبروي  فحسم في  الموقف .  إذ أثبت  أن  الضور عبارة  عن أمواج  تارة وعبارة عن  جسيمات تارة أخرى في شروط كل  عبارة من العبارتين . أي  أنها  من طبيعة  الاتصال والانفصال  في آن واحد .
 إننا  لا نهدف  إلى استعراض  النظريات الفيزيائية  في المادة والكهرباء  والضوء، بل هدفنا  في هذه الورقة القيام بمقاربة  في عالم الذرة لتحديد  مفهوم ا لاتصال والانفصال . ونعتقد  أن هذه المقاربة خصبة  في مجال العالم الصغير  أكثر من غيرها من المجالات الأخرى ، كما أننا نشير الى أن الرياضيات  تمثل فيها  الأعداد الانفصال  ، فبين العدد والعدد يوجد على الأقل عدد  وهو نصف مجموع العددين . فعلم العدد هو  موضوع  الكم  المنفصل ، كما تمثل الهندسة  مفهوم المتصل وهو ما يشبه العظم .
-------
(1)     الجابري . مدخل الى فلسفة العلوم . ج2. دار الطليعة . بيروت . 1ط.2. 
(2)     ن. مز ص 94.
(3)      ن.م. ص . 94.  
  

الورقة رقم 14 :        المفهوم وماصدق

    بما أننا نشتغل  في هذه الأوراق على مجموعة من  المفاهيم ، فما هو المفهوم  أولا ؟  وماذا يحدده؟
  يذهب السوفسطائيون  أن الحقيقة هي الادراك الحسي ( الماصدق        ). أما  سقراط فقد  وضع مذهبا  ضديا  يقول فيه  إن المعرفة  تتم  من خلال المفاهيم  وأن تأسيس  المعرفة على المفاهيم  هو تأسيس  على كلية العقل .
 فعندما نكون  واعين  بوجود شيئ  جزئي :  نجم ،  شجرة ، رجل .. فإن هذا الوعي  يسمى إدراكا حسيا . وعندما  نغلق أعينا  فإننا  نكون صورة  ذهنية  (عقلية ) تمثل  الشيئ . وهذا الوعي يسمى   تمثلا (صورا خيالية ). وهذه الصور  الذهنية  مثل الإدراكات الحسي  هي دائما  أفكار للأشياء  الفردية  الجزئية . لكن إذا قلنا سقراط فان ، فإننا  نفكر  في فرد  سقراط، ولكن  إذا قلنا  الانسان  فان ، فإننا لا نفكر في  إنسان  كفرد، بل  في فئة  من الناس  بصفة عامة . ومثل هذه الفكرة   تسمى مفهوما (1).
  ويعتبر الدكتور  جميل صليبا  في معجمه الفلسفي  أن المفهوم هو ما يمكن  تصوره. وهو عند المناطقة   ما حصل في الذهن سواء حصل بالقوة أو بالفعل . وعلاقة  المفهوم بماصدق هي علاقة   المد والجزر .  فالمفهومان متناسبان  تناسبا عكسيا . فكلما  نقص  المفهوم  ازداد الماصدق
 والعكس  بالعكس .
 وفي منطق أرسطو  يحدد المفهوم  انطلاقا من طبيعة ماهيته .   ويميز أرسطو بين  الشيئ  كما هو في ذاته وبين  الأعراض( الصفات ) التي قد  تعرض له  ( قائم، أبيض ،يفعل..) .فالمفهوم لا يحدد  بالعرض  لأنه  ليس من مكوناته . إلى جانب  العرض، هناك  ما يسمى ب   "الخاصة "
  ويعرف أرسطو  بأنها الصفة  التي تخص  الشيئ  بعينه، ويمكن أن تدخلLe propre 
معه في علاقة  انعكاسية . فتوجد بوجوده ويوجد بوجودها  ولكنها  مع  ذلك  لا تعبر عن ماهية الشيئ (3).
 فتعلم الرياضيات مثلا هي خاصية  الانسان . فإذا كان (أ)  إنسانا  فإنه قادر على تعلم الرياضيات ، وبالعكس ، إذا كان (أ) قادرا على تعلم الرياضيات  فهو إنسان. فالخاصة ليست بمحدد داخلي بل بمحدد خارجي  للشيئ . وبالتالي  فالمفهوم  لا يحدد  ( لايعرف ) بالعرض (=بالصفات )  ولا يحدد بالخاصة  فما الذي يحدده إذن ؟
 يجيب أرسطو  إن المفهوم يحدد (=يعرف ) بالنوع والجنس  والفصل(4) .  أما  الأعراض والخاصة  فهي لاتحدد  المفهوم .
--------
(1)     وولر  هنسي . تاريخ الفلسفة  اليونانية . ترجمة  مجاهد عبد القادر  مجاهد.  ط1. 1987.ص59.
(2)      جورج صليبا . المعجم الفلسفي  . ج2 . دار الكتاب اللبنانية . بيروت .  ط1. 1973. ص403.
(3)       الجابري . بنية العقل العربي . المركز الثقافي التعربي , بيروت.ط2  .1991   . ص 387.
(4)      انظر كتابنا  دفاعا عن المنطق الأرسطي وخاصة  المقالة بعنوان مدخل إلى ايساغوشي .











2-         نظريات علمية

 الورقة رقم 15 :       الهندسة الأوقليدية – الهندسات اللا أوقليدية
                       إن الله  يمكن أن  يخلق  مثلثات  مجموع قياسات زواياها أكبر  من قائمتين.
                                                                                ريمان  
  قبل الثورة في علم الهندسة في القرن التاسع عشر ، كانت  تطرح الأسئلة التالية رغم أن مضمونها واحد :   أليس هناك  مكان آخر  دون المكان  الأوقليدي ؟  ألا يمكن  فرض مصادرات أخرى غير مصادرة أوقليدس؟ وبعبارة أخرى  ألم يكن  مجموع قياسات زوايا  مثلث أكبر  أو أصغر من قائمتين ؟ (180 درجة ) .
  لقد جمع اوقليدس  الأبحاث التي قام بها  اليونانيون  في الفترة التي تمتد  ما بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الثالث   قبل الميلاد في كتابه "الأصول ".  وهو الكتاب الذي  ظل منذ ذلك العهد  وحتى  القرن التاسع عشر   أساسا  لدراسة الهندسة . لقد شيد اقليدس  هندسته  على مجموعة من الفروض وعليها  يتوقف صدق  النظريات  والنتائج الهندسية . وعلى جملة من  البديهيات والمسلمات  والتعاريف .. إلا  أن هذه  الفروض والمسلمات  بقيت دوما مجالا للشك  والتساؤل . من بينها  المسلمة الخامسة  التي أثارت  كثيرا  من التردد  والشك،  التي  تعرف  ب "مسلمة التوازي" .  والتي تقول  من نقطة معلومة  خارج مستقيم معلوم يمر مستقيم وحيد لهذا المستقيم.  ومن نتائجها  أن مجموع قياسات   زوايا المثلث يساوي  180 درجة .
   حاول الرياضيون  عبر العصور البرهنة على هذه المسلمة  ولكنهم لم يفلحوا  ، كما أنهم  لم يستطيعوا الاستغناء عنها ، والاستغناء عنها  هو انهيار  للهندسة الأوقليدية  كلها .
 لكن جرأة  العالم لوباتشوفسكي الروسي (1793-1856) كانت بداية ثورة وانقلاب  على هندسة أوقليدس  ( ليس انقلاب على الحكام  في دول العالم الثالث ) . انطلق لوباتشوفسكي  من مصادرة مغايرة لمصادرة اوقليدس  مستعملا  في استدلاله  البرهان بالخلف .  والبرهان بالخلف هو برهان  استنباطي  يقوم على  افتراض  عكس النتنيجة  مما يؤدي بهذا الافتراض  خلال الاستنتاج الى تناقض  مع المقدمة .
 مصادرة لوباتشوفسكي
 افترض  لوباتشوفسكي أنه من نقطة  خارج مستقيم  يمكن أن نرسم  أكثر من  مواز  واحد للأول . وفي  الاستدلال بالخلف  لم يتوصل  الى  تناقض مع المقدمة  ، بل توصل الى  نتنائج جديدة مخالفة  لتلك التي سبق أن توصل إليها أوقليدس. فهو لم  يثبت صحة   المسلمة الخامسة  بل توصل إلى  قيم ابستمولوجية رياضية  جديدة   منها أن مجموع قياسات زوايا   مثلث  أقل من  قائمتين .( أصغر من 180درجة ). وهي  القيم التي بنى عيلها   لوباتشوفسكي نسق هندسي جديد  ( مكان جديد ) بجانب  نسق أوقليدس .
 مصادرة ريمان  
   انطلق ريمان  من مصارة   افترض فيها  أنه من  نقطة خارج مستقيم معلوم  لا يمكن أن  يمر أي مستقيم   مواز للأول  وأن مستقيمين كيفما كان  وضعهما النسبي  لابد أن  يتقاطعا .
 فباستعماله للبرهان بالخلف  لم يتوصل ريمان الى أي تناقض مع النتيجة  ، بل توصل الى نتائج   رياضية جديدة  وقيم ابستمولوجية منها  أن مجموع قياسات زوايا  مثلث  أكبر من  قائمتين ( أكبر من 180درجة ) وقد يصل إلى  حدود 270 درجة .
   إنها قيم ابستمولوجية  جديدة أدت الى بناء  نسق هندسي جديد ( مكان هندسي ) بجانب نسق أوقليدس ونسق لوباتشوفسكي ، فالمكان عند ريمان أصبح  كروي الشكل  والخط  المستقيم  المعتاد أصبح عبارة عن  دائرة .  أما المكان  عند لوباتشوفسكي  فأصبح  مكانا  مقعرا concave . 
 إنها ثورة  في علم الهندسة : ثورة  ريمان  ولوباتشوفسكي  على أوقليدس أي ثورة  الهندسة اللاأوقليدية (غير الأوقليدية ) على الهندسة الأوقليدية وثورة مفاهيم جديدة على  مفاهيم قديمة والبقاء للأصلح .
    فالجديد في العلم  يحوي العلم السابق  عنه  لأنه أوسع وأشمل منه  .وبالتالي  أصبحت الهندسة الأوقليدية جزءا من الهندسة اللاأوقليدية.


















الورقة رقم 16 :          نظرية الكوانتا (أ)

                      " إن الطبيعة  تفرض على العقل نقيضين  في شيئ واحد : الاتصال والانفصال "



      كانت نقطة انطلاق نظرية الكوانتا  مع العالم ماكس بلانك، وعلى إثرها ظهر ت ميكانيكا جديدة  تختلف عن ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية. وعلى إثرها كذلك طرحت عدة أسئلة أهمها على أي صورة  ينتشر الضوء ؟ هل على  صورة جسيمات (حبات )أم على  صورة  تموجات(سيال)؟ هل  طبيعة الضوء هو الاتصال أم الانفصال ؟
   تطرقنا  سابقا الى مفهوم  الا تصال والا نفصال  في ميدان المادة والكهرباء والحرارة والصوت  ، إلا  أنه  بالنسبة  للطاقة بقيت للمهتمين بهذا المجال  يتصورون أنها  تقوم على  الاتصال , بقي هذا الرأي سائدا  الى حدود  نهاية القرن التاسع عشر . لكنه تعرض لضربة قاضية مفاجئة عام 1900  على يد  ماكس بلانك (عالم ألماني ) الذي قال  بأن الطاقة  مثلها  مثل المادة والكهرباء ، تظهر  بصورة منفصلة متقطعة على شكل  حبات أو وحدات تسمى  كوانتومquantum والجمع كوانتا . فالكوانتوم  هو أصغر كمية من الطاقة  يمكن  اطلاقها  أو امتصاصها . فماهي أولى النتائج المترتبة عن  هذا الكشف الجديد ؟ للتذكير إن النظرية  الموجية سبق أن انتصرت مع ماكسويل عندما صاغ الفكرة في معادلاته الرياضية التي أثبتت أن الضوء عبارة  عن موجات كهرطيسية . أما الآن فاكتشاف بلانك  يفرض النظر الى الشعاع الضوئي بوصفه حبات من الطاقة تنتقل بسرعة . فهل يعني  الرجوع مجددا الى النظرية الجسيمية ؟
   تجربة  الجسم الأسود 
 إذا سلطنا الضوء الأبيض(مركب من جميع أنواع الطيف السبعة ) على جسم ما ، فإن   هذا الجسم إما يعكس مجموع  ذلك الضوء وإما  يمتص ذلك الجسم بعض أشعة ذلك الضوء ويعكس الباقي . أما إذا  كان الجسم يمتص اللون الأبيض بأكمله وبالتالي  لا يكعس أيا منها  ، ففي هذه الحالة  يبدو الجسم  مظلما ونسميه جسما أسود . فالورقة المصبوغة بأسود الدخان  تمتص جميع ألوان  الطيف ،  ولذلك  تبدو سوداء .
 يمكن  الآن أن نتصور  جسما أسود  يمتص بالكامل الطاقة  الضوئية التي يصدرها هو نفسه مثل فران أحكم  إغلاقه . فهو يصدر  الطاقة الضوئية  ويمتصها  في آن واحد . انطلاقا  من هذه المعطيات حول الفرن  ، توصل العالم الانجليزي  رايليغ RAYLEGH(1842-1912)  إلى صياغة معادلة رياضية تفيد أن شدة  الموجات الضوئية التي يطلقها الجسم الأسود تزداد بتواتر الشعاع، وهذا يعني  أن كمية   الأشعة في الجسم الأسود  تتوقف على تواتر موجاتها .. تلك  هي نتيجة استدلالية  تعطيها معادلة  ريليغ  . لكن  أثناء التطبيق وأثناء فحص أشعة الجسم الأسود فحصا تجريبيا  تكون النتائج  مخالفة . فالعلماء أصبحوا أمام مشكلة  خطيرة  تناقض  النظرية  مع التجربة  ، فما العمل ؟
  فعلى الباحث والعالم في هذه الحالة أن يراجع نفسه ويراجع أوراقه أي يراجع أسس نظريته. وبالفعل  راجع رايليغ مع مجموعة من العلماء  معادلته ولم  يجدوا أية ثغرة في النظرية  . فمعادلة رايليغ  مبنية أصلا على فكرة اتصالية الطاقة  ، فلماذا لا يفترض العكس ؟
 انطلق  ماكس بلانك  من فكرة الانفصال ، انفصال الطاقة  واعتبر  الضوء عبارة عن طاقة تسري  على شكل كوانتوم  أي وحدات  لا تقبل التجزئة .  وأخذ يبحث عن الكيفية التي  تتوزع  بها  الطاقة الضوئية  في الجسم الأسود رابطا هذا التوزيع بتواتر  أشعته. ففي شروط معينة توصل ماكس بلانك  الى نتيجة تتوافق مع معطيات التجربة . لقد  لاحظ أن معادلة رايليغ  تنسجم فعلا  مع معطيات التجربة  لكن في شروط. عندما يتعلق  الأمر بالتواتر  المنخفض، الشيئ الذي  يدل  على أن  الحبات الضوئية لا تظهر أثرها في الموجات الطويلة ولكن التجربة  تكذب  معالة رليليغ  عندما  يتعلق  الأمر بالأشعة ذات التواتر الشديد.
فقيمة الكوانتوم تزداد بازدياد  تواتر الاشعاع . بمعنى أن قيمة الكوانتوم  تتناسب مع التواتر ،(أي Q=hxf) حيث Q قيمة الكوانتوم و H عدد ثابت وf  التواترla frequence .
 إن هذه المعادلة تثبت أن الطاقة عبارة عن جسيمات . فهل هذا هدم  لنظرية رايليغ ؟  هل الكهرباء والصوت والمادة جسيمات ؟ أي هل طبيعتها هو الانفصال ؟
 إنه انقلاب خطير أكدته معادلة ماكس بلانك . فعلى  العلماء أن يتخلوا على كثير من المفاهيم والمنطلقات والمبادئ التي شيدوا عليها تصوراتهم وعلمهم طوال  قرون مضت .



















   الورقة رقم17          نظرية الكوانتا (ب)

     ففي الوقت الذي كان  فيه بعض العلماء  منشغلين بالجسم الأسود، كان علماء آخرين يدرسون ظاهرة أخرى ، ظاهرة تعرف بالضوئية الكهربائيةeffet photoelectrique . وملخص هذه الظاهرة هو أن الضوء  يعطي  كهرباء . تلك هي  بالاجمال  الظاهرة الضوئية الكهربائية. أما قوانينها  فهي  إذا سلطنا  على صفيحة  معدنية  ضوء  أقوى  ، نحصل على  عدد من اللاكترونات أكبر. لكن إذا  غيرنا  طول موجة الضوء  المسلط على الصفيحة  بحيث  إذا استعملنا  على التوالي  أشعة x  ثم أشعة فوق البفنسجية  ثم  الأشعة المرئية  (ألوان  طيف الشمس ) أي إذا زدنا  في طول  الموجة وبالتالي  في قوة الضوء  ، فإننا  نلاحظ  أنه  كلما  زاد  طول  الموجة  ،قل  عدد اللاكترونات  المنتزعة من  الصفيحة .  وهذا يعني  أن ازدياد  طول الموجة  يؤدي  الى   انخفاض  التواتر la frequence.
فكلما  انخفض  التواتر  ، انخفض  عددالكترونات وكلما  زاد  زادت . وهكذا  إذا استعملنا  أشعة  x  وهي ذات  موجات  صغيرة  جدا وتواتر كبير  ، اندفعت  اللاكترونات  بكثرة  وبسرعة . أما  إذا استعملنا الأشعة فوق البفنسجية ( موجاتها أطول  من موجات أشعة X) وهي ذات  تواتر  ضعيف  فإن  عدد  اللاكترونات  التي تنزع  من الصفيحة  سيقل .  وهذا شيئ غريب ، والغرابة هو أن الشعاع  الضعيف  ينتزع من الصفيحة  المعدنية  عددا كبيرا من اللاكترونات ، في حين أن الشعاع القوي لا ينتزع من الصفيحة أية من الكترونات.
 فالنظرية الكوانتية تعتبر  الضوء  حبات من الطاقة وتقدم حلا  كميا وكيفيا  مقبولا وصحيحا   لهذه الظاهرة . ذلك فلكي  ينتزع الكترونا واحدا  من الصفيحة في التجربة السابقة  ، لابد من طاقة  لابد من مجهود .  وهذا المجهود أو الطاقة  المطلوبة  هو الحبة  الضوئية (الكوانتوم ) التي أطلق عليها أينشتين اسم "الفوتون"photon .   فالظاهرة السابقة لا تفسها إلا  نظرية الكوانتا  القائلة  إن الضوء عبارة عن حبات  من الطاقة . أما  النظرية الموجية  فهي غير صالحة هنا  تماما  .
فالنتيجة التي توصلنا اليها لحد الآن  هي أن الضوء  عبارة عن  "وابل " من الفوتونات  وأن  الفوتونات هي  كوانتوم – الوحدة  للطاقة الضوئية  -  فمعادلة ماكسويل  تؤكد تموج الضوء (الاتصال)  والنظرية الكوانتية تؤكد أن الضوء عبارة عن حبات(الانفصال ) .فما هذا التناقض ؟ نحن أمام  مأزق . فالطبيعة تفرض على العقل  قبول نقيضين في شيئ واحد وفي آن واحد  هما الا تصال والانفصال . فكيف أن يكون الضوء  متصلا ومنفصلا  في آن واحد ؟
   لقد  توصل لوي دوبروي  المزداد 1892 الى فكرة مفادها  أن الظواهر الضوئية تتطلب في تفسيرها القول بالنظريتين ، الجسيمية والتموجية ، أي الاتصال والانفصال  معا  فالنظريتان  كلتاهما تفسران  كل على  حدة جملة  من الظواهر المعينة في شروطذ معينة. وهذا  يعني أن التجربة  تؤيدهما معا . ومن ثمة فلا مناص  من الأخذ بهما  واعتبار الضوء  في آن  واحد مؤلفا من أمواج وجسيمات .
 إن نظرية الكوانتا  أفرزت قيم ابستمولوجية  جديدة في علم الفيزياء المعاصرة ، وبالتالي  حطمت مجموعة من المفاهيم والتصورات كانت سائدة في الفيزياء الكلاسيكية  ، وانعكس  هذا التصور الجديد على الفلسفة  الملازمة لهذه الثورة الكوانتية .
 فنظرية الكوانتا تدرس  سلوك عناصر  نواة الذرة وتعطي  تصور ا جديدا للفيزياء المعاصرة . وهكذا انهارت ميكانيك نيوتن  وظهرت  مفاهيم جدية منها  مبدأ اللاتعين لهيزنبيرغ ومبدأ اللاحتمية واللايقين  وعلم الاحتمال وعلم الا حصاء .   
-----------
 اعتمدنا في  الورقتين (أ) و(ب)  على كتاب  محمد عابد الجابر ي . المنهاج التجريبي  وتطور الفكر العلمي . دار الطليعة . بيروت . ط.2. 1982. 




الورقة رقم 18 :   أينشتين ونظرية النسبية الخاصة

    ليست  النظرية النسبية  التي صاغها أينشتين  نظرية واحدة  ،بل نظريتان : النظرية الخاصة والنظرية العامة. ففي هذه الورقة  سنقدم عرض موجزا   حول  النظرية الخاصة.
 تهدف هذه النظرية  الى تقرير موقفين  رئيسيين :  الأول  هو أن  القوانين الطبيعية  تظل  هي هي  بلا تغير  في كل نسق فيزيائي  متحرك . أي لا تتغير تلك القوانين  إذا انتقلنا   من نسق  متحرك الى آخر. فهذه القوانين  تحتفظ بصياغتها  ، مستقلة عن المكان  والزمان والحركة.
  فإذا قلنا مثلا  إن  الطاقة تساوي جداء الكثلة  ومربع سرعة الضوء فإن  هذه المعادلة  الرياضية تظل  صادقة  على الجسم المتحرك  على الأرض أوعلى   أي  كوكب آخر  . لقد كان جاليلي ونيوتن  يؤكدان هذا الموقف  بشأن قوانين الميكانيكا .  الا أن الجديد عند أينشتين  هو تعميمه للموقف  بحيث   أصبح يشمل  كل قوانين  الضوء والكهرباء .. أما الموقف الثاني للنظرية  الخاصة  فهو  رفض وجود معيار أ نموذج  واحد  محدد  لقياس  المسافة بين  جسمين أو  مقياس فترات الزمان  . ولذلك  يجب أن يتغير فهمنا  لكلمات  : الآن ، هنا .. لقد انطلق أينشتنين من تساول  عما إذا  كانت  القوانين  الطبيعية  ثابتة إذا انتقلنا من  مكان الى آخر  على افتراض أن  أحد المكانين  يتحرك  بالنسبة للآخر . أي هل   صياغة القوانين الطبيعية  مستقلة عن  المكان والزمان  والحركة ؟ لقد أجاب أينشتين بالايجاب ، إذا افترضنا  أن المكان والزمان والحركة كلها  نسبية ، ورفضنا  هذه المقولات  كمقولات  مطلقة . كان أينشتين  يتساءل  كيف نحدد  مكان شيئ ما ؟ لنحدد  مكان  شيئ  ما  حسب أينشتين  يجب تحديده بالقياس  البى شيئ ثابت .  لكن الكواكب  ليست ثابتة  ، وإنما تدور  حول الشمس.وليست الشمس والنحوم ثابتة، فلا مكان  نستطيع  أن نضع فيه  نقطا ثابتة  بالقياس  إليه نحدد  مكان  أي شيئ  آخر . وليس لدينا  معيارا ثابتا   لقياس  زمن حادثة  تحدث . إن الساعة التي  نحملها  في اليد  هي مضبوطة على المجموعة  الشمسية  وأن الأرض تدور حول نفسها  ، وحول  الشمس  في طرف 365 يوما . إذا افترضنا  كائنا يسكن في عطارد  فيجب  مقياس مختلف للزمن  ،لأن  عطارد يدور حول  الشمس في 88 يوما  من أيامنا .  فالفترة الزمنية  الواحدة في عطارد  تختلف عن الفترة الزمنية الواحدة  في الأرض  ، وتختلف  كذلك  في المريخ  وفي القمر  وفي المشتري ..
  على أساس هذا التصور  لمعيار  قياس المكان والزمان  والمسافة  والحركة   يرى أينشتين  أن هذه المفاهيم   كلها نسبية ، نسبة  مكان  جسم ما بالنسبة  لجسم  آخر  . وزمان  جسم ما  بالنسبة لزمان  جسم آخر، وحركة جسم ما بالنسبة لجسم آخر.. تلك هي ثورة أينشتين  على  نظرية نيوتن  القائلة بوجود مكان  مطلق وزمان مطلق وحركة مطلقة .















 الورقة رقم 19   :   أينشتين ونظرية النسبية العامة

    أولا  لابد من التمييز  بين  المنظومتين المرجعيتين :  الغاليلية (نسبة الى غاليلي ) وغير الغاليلية . وهذا التمييز ضروري  وأساسي   في نظرية النسبية الخاصة . وهي نظرية تدرس  الحوادث في إطار  المنظومات المرجعية الغاليلية . فلا  تدخل في  حسابها  التسارع l accelerationوتغيير الاتجاه. أما النظرية العامة فهي تدرس  الحوادث في المنظومات المرجعية غير الغاليلية .  فالمنظومة الغاليلية  مبنية أساسا  على اعتبارين : الاعتبار  الأول هو  انتطام السرعة ، فالمتحرك لا يزيد أو ينقص من  سرعته . والاعتبار الثاني  هو  بقاء المتحرك  في نفس الاتجاه( المنحى ). أما المنظومة غير الغاليلية  فهي مبنية على التسارع  ، المتحرك يمكن أن يزيد او ينقص من سرعته مع  تغيير الاتجاه . إن هذين الاعتبارين ضروريين  لمعرفة  كل مرجعية  ،وبالتالي  محاولة  فهم  كل نظرية من النظريتين ، الخاصة والعامة .
 فلتعقيد نظرية النسبية العامة ، ففي هذه الورقة سنقدم  بعض مرتكزاتها فقط  ونتائج تلك المرتكزات .
 المرتكز الأول : يتعلق بالجاذبية،والثاني يتعلق  بمزج  المكان بالزمان  ، والمرتكز الثالث  عن  كيفية تصورنا للكون . انطلاقا من المبدأ التالي :
 تتوقف سرعة جسم ما  على  كتلته ، فإذا  زادت كتلته ،قلت سرعته ، وإذا نقصت  كتلته   ، زادت  سرعته . وبناء على هذا المبدأ يمكن مقارنة كتلة جسم ما  وكتلة جسم  آخر بالنظر الى  سرعتهما . فهناك  كتلة العطالة masse d inertie  المبنية  على مبدأ العطالة  الذي قال  به جاليلي . وبالتالي،القوة  هي جداء كتلة  العطالة   والتسارع . وانطلاقا من  السؤال التالي :  لماذا تسقط الأجسام  الى الأرض  ولا تبقى  سابحة  في الفضاء  كرواد الفضاء ؟ فكتلة الجسم  الساقط على الأرض  تسمى كثلة الثقل(P=MG )، وعليه يمكن  قياس  كثلة جسم ما  بطريقتين مختلفتين  ، الطريقة الأولى مبنية على  مبدأ العطالة والثاني   مبنية على الجاذبية  أي على الثقل . من بين الأسئلة التي طرحها أينشتين  ما الذي   يسبب  في تسارع الأجسام داخل مجال الجذب ؟ لماذا تنجذب  الأجسام الى بعضها؟
يجيب أينشتين : إن الكثلة تسبب  انحرافا  في الفضاء . وبما أن  الكون الذي نعيش فيه يشمل أجساما ذات  كثل هائلة  نجوم ، كواكب ، مجرات .. فإنه لابد أن يؤدي  ذلك الى  انحراف الفضاء  الذي يحيط  بهذه الأجسام . أي  لا بد  أن يكون  الفضاء منحرفا  تماما  كما يحدث لقطعة من الأسفنج(ابونج ) عندما  نضع عليها  جسما ثقيلا .  فالأجسام  الساقطة بحرية  في منطقة يوجد فيها مسار منحرف بفعل كثلة ما لابد أن  تتبع في خط سيرها  شكلا منحنيا . والمسار المنحرف في الفضاء  هو الذي  يسمى الذاجبية .
 المرتكز الثاني : أعلن أينشتين أن الكون  كون مكاني – زماني –ذو أربعة أبعاد : الطول والعرض والارتفاع والزمان . ويسمى هذا الوجود  "الرباعي الأبعاد المتصل " . وهي فكرة  من صياغة  العالم الرياضي  منكوفسكي (1864-1909) ، وتقوم على تصور جديد  للمكان والزمان .
 فعندما  نريد تحديد حركة جسم ما ، يجب  تحديد موضعه في الزمان بالاضافة الى تحديد  موضعه في المكان الطول والعرض والاتفاع ).
 طبعا  من الصعب  تصور عالم مينكوفسكي وزمكان(دمج  المكان بالزمان ) أتينشتين تصورا حسيا مشخصا لأننا  أصبحنا سجناء لعالم أقليدس ذي الأبعاد الثلاثة . فزمكان  أينشتين هو عالم رياضي  ،  فالمعادلات الرياضية  هي التي  تثبت إمكانية  وجود هذا العالم وتحدد خصائصه .
 المرتكز الثالث :  قبل النظرية النسبية العامة كان العلماء  يقولون إن الكون يتكون من  ذرات  أو جزئيات تتحرك في مكان  وفي زمان .أما أينشتين فهو يقول إن الكون  يتكون من أحداث موجودة في متصل الأبعاد . وكلمة   حادثة عند أينشتين  تعني  " أي شيئ يسبق  شيئا  آخر  ويتبعه أو يتداخل معه "إن الذرة واللاكترون والزلزال والبرق.. مؤلفة من حوادث ، وهذا يعني أن  الحوادث لا توصف إلا وصفا رياضيا .  فالكون  برمته مؤلف  من  حوادث  ومعنى ذلك أن تصور   الحادثة في  نظرية النسبية  العامة  قد  تحل   محل تصور  المادة . لقد تصور نيوتن المكان اوقليديا ، أما أينشتنين  فقد تصوره ريمانيا ( نسبة الرياضي ريمان ). كما أن نويتن كان  يتصور أن المكان  مسطح  الشكل  وأن شعاعين  متوازيين لا يلتقيان ، كان ا أينشتين يرى المكان كروي الشكل  أوسطح منحني ( مستوى مائل   الى الانحناء ).
 إن نظرية النسبية العامة  نظرية علمية تعطي  تصورا جديدا  للكون  وإلى تجاذب الأجسام  وإلى مفهوم الكون  . وهي ثورة على علم الفيزياء الكلاسيكية منها ميكانيكا نيوتن  .







    








الورقة رقم 20 :       ورقة جامعة

   فالمفاهيم والنظريات التي اشتغلنا عليها   متداخلة ومترابطة فيما بينها،  والهدف منها  زرع  ثقافة  علمية – فلسفية  لتأطير  العقل  العربي  وزعزعة يقينياته وإخراجه من ثقافة العصر الوسيط التي مازالت تتداول (بل الدفاع عنها ) ونحن  في  بداية الألفية الثالثة . فالرهان هو  رهان العقل العلمي  لمساير  العصر.
 اعتمدنا في هذه الأوراق على أساتذة بدرجات متفاوتة اهتموا بهذه المواضيع مثل وقيدي والجابري والبوعزاتي  وسالم يافوت وآخرين  بجانب نصوص لها علاقة بالموضوع .
 فالأوراق الباشلارية ليست  ببستانا  فيه أشجار وفواكه  وثمار مختلفة الأشكال والألوان  والمذاق كما جاء في رسائل إخوان الصفا. بل الأوراق تخاطب  العقل  ليتشبع  بثقافة علمية ،ولمحاولة الاجابة عن  الأسئلة المطروحة الآنية والمستقبلية .
 ففي هذه الأوراق وحسب الترتيب الذي حددناه ، تطرقنا الى مفهوم الواقع منذ  العصر الهلليني  خاصة  أرسطو  الذي كان يعتبر  الواقع أجساما وجواهر. ومن صفاته أنه لا يقبل  الزيادة أو النقصان. مرورا بنيوتن الذي  اعتبر الواقع مركبا  تركيبا  كيفيا وقانونيا ( الواقع الطبيعي الملموس )، وصولا إلى عصر الثورات العلمية المعاصرة  التي  تعتبر الواقع  بناء عقليا- رياضيا. وتطرقنا الى أهم  الثورات العلمية  التي أثارت انتباهنا لكونها  ومن خلالها  ظهرت  قيم ابستمولوجية جديدة أفرزتها تلك الثورات، كالثورة  في علم الهندسة والثورة في علم المنطق والثورة في الفيزياء  الميكروسكوبية. فالعلم هوتاريخ الثورات ، وتاريخ الأخطاء العلمية .
 وفي ورقة ماهي الابستمولوجيا ، أعطينا  مقاربات وتعاريف  للمفهوم وأشرنا الى علاقة المبحث الإبستمولوجي بمبحث  تاريخ العلوم لبناء  معرفة علمية . ومن أبرز العلماء الفلاسفة الذين اهتموا بهذا اللون من الدراسات الابستمولوجية   كل حسب تخصصه :  كونزت في الرياضيات (أستاذ باشلار ) وباشلار في الفيزياء وبياجي في  علم النفس عند الطفل وكانغليهم في علم الا حياء وبلانشي وكويري في تاريخ العلوم. وتناولنا باختصار فلسفة باشلار. إذ لاحظ أن  الفلسفات التقليدية  لم تستطع  مسايرة  الثورات العلمية  والقيم الابستمولوجية التي أفرزتها تلك الثورات. كما لاحظ أن المعرفة العلمية  تبنى عبر قطائع  ابستمولوجية  أي عن طريق الانفصال  عكس القائلين بالاستمرارية (عن طريق الاتصال ).
 كما تطرقنا الى    هذه  القطائع وأنواعها :
 القطيعة من  المعرفة العامية الى المعرفة العلمية ، والقطيعة بين العلم الجديد والعلم السابق عنه .  وتطرقنا الى العوائق الإابستمولوجية التي حالت دون  تقدم العلوم  والفلسفة المؤسسة  عن تلك العلوم . وتناولنا  مفهوم الجدل  الذي يقصد به باشلار  التكامل بين النظري والعملي، بين العقل والتجربة ، بين المجرد والملموس. كما تطرقنا الى مفهوم الحقيقة  وأنها تقريبية  ونسبية ، ومن خلال  التحديد الجديد لمفهوم  الحقيقة انهار مفهوم الحتمية  وتمرد عليه مفهوم اللاحتمية ، فظهر علم الاحتمال وعلم الاحصاء .فالعقل  تلميذ للعلم ، فعلى  العقل أن يطيع  هذا الأخير . فليس هناك شيئ ثابت  في العقل  إلا في العالم العلوي الذي افترضه أفلاطون .
 تطرقنا  في ورقة  الهندسات : الأوقليدية و غير الأوقليدية ، فأصبحت الهندسة الأوقليدية جزءا من الهندسة اللأوقليدية  لأنها أوسع وأشمل.
 وفي نطرية الكوانتا  وقفنا  على مفارقة ، وهي أن الطبيعة  تفرض على العقل  البشري   نقيضين في شيئ واحد :   الاتصال والانفصال ( الطاقة لها  طابع  جزيئي وتموجي ). 
 وفي  نظرية النسبية ، بينا أن هذه النظرية  تقدم تصورا جديدا  للكون . وأن الكون  مكون من حوادث بدلا من عالم الذرة كما كان يقال في  العلم الكلاسيكي  .
  إن  تاريخ العلوم هو تاريخ أخطائه، كل خطأ  تترتب عنه أزمة يتوقف فيها العقل     لساعات أو أيام أو  سنين.. تظهر من  خلال  تلك الأزمة قطيعة ابستمولوجية   تظهر معها مفاهيم جديدة  والبقاء للأصلح.
 لقد  انهارت ميكانيكا نيوتن وانهار معها مبدأ الحتمية ، وظهر  مكانه مبدأ اللاحتمية ، كما انهارت المفاهيم الملازمة لها  كمبدأ اليفين ومبدأ  المطلقات . كما انهارت هندسة أوقليدس وظهر ت الهندسة اللأوقليدية ( هندسة ريمان وهندسة لوباتشوفسكي) وإعادة السبك من جديد.
 فالعلم  قابل أن يكشف  عن سلوك جديدة للكهيرب  .   l electron
في عالم الذرة ، وقابل أن يدرس  من جديد  ثبات وسرعة الضوء القصوى  ، وكذلك قابل أن يدرس   سلوك الأجسام الكبرى  في العالم الصغير .
 إنها مجرد تنبؤات توصلنا إليها من خلال  تتبعنا  لمسيرة تاريخ العلوم  وخاصة العلوم المعاصرة .  















     
الفهرست                                    الصفحة 
 مقدمة ----------------------------------------
1- مفاهيم
 الورقة رقم 1 : مفهوم الواقع (أ)-------------------------
الورقة رقم 2 :مفهوم الواقع (ب)------------------------
الورقة رقم3 :  مفهوم  الثورة العلمية ----------------------
 الورقة رقم4 : ماهي الإبستمولوجيا؟ ----------------------
 الورقة رقم 5 : ماهي فلسفة باشلار ؟--------------------
 الورقة رقم 6 : مفهوم القطيعة الإبستمولوجية----------------
 الورقة رقم 7 : مفهوم العائق اللإبستمولوجي -----------------
 الورقة رقم 8 : مفهوم الجدل -------------------------
 الورقة رقم 9 : مفهوم الحقيقة  العلمية ------------------------
 الورقة 10 : مفهوم العقل  العلمي --------------------------
 الورقة رقم 11 :مفهوم الاتصال والانفصال   ---------------
 الورقة رقم 12 : مفهوم الحتمية   ----------------------
 الورقة رقم 13 : مفهوم اللاحتمية ----------------------
 الورقة رقم 14 :  المفهوم وما صدق ---------------------
2- نظريات علمية
 الورقة رقم 15 :  الهندسة الأوقليدية – الهندسة اللاأوقليدية-------
 الورقة رقم 16 : نظرية الكوانت (أ)  ---------------------
  الورقة رقم 17 : نظرية الكوانتا (ب) --------------------
 الورقة رقم  18 :  نظرية النسبية الخاصة لأينشتين  ------------
  الورقة رقم 19 :    نظرية النسبية العامة لأينشتين --------------
 الورقة رقم 20 : ورقة جامعة ------------------------  














المراجع
- محمد وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مكتبة المعارف . الطبعة  الثانية . 1984.
       -   طوماس كون . بنية الثورات العلمية .  سلسلة  عالم المعرفة . عدد 168 . ترجمة شوقي جلال .
   - الجابري . المنهاج التجريبي  وتطور الفكر العلمي . دار الطليعة . بيروت . ط.2. 1982.
-الجابري .    بنية العقل العربي . المركز الثقافي العربي . بيروت . ط2. 1991,
         -الجابري .   نحن والتراث.قراءة معاصرة  في تراثنا الفلسفي .المركز الثقافي العربي  بيروت .ط5 . 1986.
 -  سالم يافوت .   نحن والعلم . دراسات  في تاريخ  علم الفلك بالمغرب الإسلامي. دار الطليعة . بيروت .ط1 . 1995
   - سالم يافوت. مفهوم الواقع في الفكر  المعاصر . دار  النشر للمعرفة . الدار البيضاء . بدون تاريخ . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية . الرباط . سلسلة  أطروحات رقم  7.
-غاستون باشلار . فلسفة الرفض .ترجمة خليل أحمد خليل . .دار الحداثة . بيروت .ط1  .1985 
- غاستون باشلار. تكوين العقل العلمي .ترجمة خليل احمد خليل . المؤسسة الجامعية .بيروت .ط5   .1996.
-غاستون باشلار . الفكر العلمي الجديد . ترجمة  عادل العوا . المؤسسة الجامعية .بيروت .ط3  .1990. 
- عاستون باشلار . العقلانية  التطبيقية .  ترجمة  بسام الهاشم . المؤسسة الجامعية  للدراسات والتوزيع  والنشر . بيروت . 1999.
-  يمنى طريف الخولي .  العلم والاغتراب والحرية . الهيئة المصرية العامة للكتاب .1987.
-  يمنى طريف الخولي . فلسفة القرن العشرين.  سلسلة عالم المعرفة . عدد 264.
-  محمد فهمي زيدان . من نظريات العلم المعاصر الى المواقف الفلسفية . . دار النهضة  العربية . بيروت . 1982.
- جورج طرابيشي . نظرية العقل .دار الساقي . بيروت  .ط1.
        -بوعزة ساهل .أوراق باشلارية . دار القرويين . الدار البيضاء . ط1  2000.
- بوعزة ساهل . دفاعا عن المنطق الأرسطي .مطبعة النجاح الجديدة . الدار البيضاء  ط1.
2009    
          -غادة الإمام . باشلار وجماليات الصورة .دار التنوير .بيروت .بدون تاريخ.
        -وولز هنسي . تاريخ الفلسفة اليونانية . ترجمة  مجاهد  عبد القادر مجاهد . ط1 1987.
- جورج صليبا .المعجم  الفلسفي .ج2. دار الكتاب  اللبنانية .  بيروت . ط1 .1973.
- مجلة مدارات .  العدد الأول .
-   مجلة عالم الفكر ( المغربية ) .  العدد 168.
-   مجلة فكر ونقد ( المغربية ) .  العدد  38.















كتب للمؤلف
-     نحن والرياضات. دار القرويين . الدار البيضاء .ط1 1999
-     ٍ نحن والرياضات. صوماغرام . الدار البيضاء .ط2 .2006
-     أوراق باشلارية . دار القرويين . الدار البيضاء .ط1 2000
-     علم الهندسة بين العلماء والفلاسفة .من مرحلة التأسيس إلى ما بعد الأزمة دار القرويين . الدار البيضاء . 2002
-     جدلية العلم والعقل من  منظور ابستمولوجي.دار التوحيدي . الرباط . 2007
-     فيتاغورس بين اللاهوت وسمو الرياضات. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2008
-     الرياضيات عند إخوان الصفا : شرح وتعليق. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2008
-     جدلية الجبر والهندسة  في العصر الوسيط:   مدرسة عمر الخيام نموذجا. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2009
-     دفاعا عن المنطق الأرسطي: مجموعة مقالات. مطبعة النجاح  الجديدة . الدار البيضاء . 2009
       -أوراق تنويرية . .مقالات فكرية . سلسلة دفاتر الاختلاف .مطبعة سجلماسة . مكناس.ط1. 2012.
-العرب ومنطق اليونان . من مرحلة الانفتاح إلى مرحلة الجمود . إفريقيا الشرق .
- علماء الرياضيات العرب  في العصر الوسيط . إفريقيا الشرق  .
هذا الكتاب
   .. إننا نطمح من خلال هذه الأوراق إلى فتح نوافذ لحوارات هادفة ومعمقة على  الفكر العلمي المعاصر  لنتسلح به آملين  أن تتغير  بنية العقل العر بي  ، آليات  تفكيره . ألم يحن الوقت لنفكر في العقل بدل التفكير بالعقل بلغة لالاند؟
 فمن خلال هذه الأراق  الباشلارية    سنقوم بمحاولة إطلا لة على الفكر العلمي الحديث والمعاصر وعلى الفلسفات التي جاءت انعكاسا لهذا الفكر . فالرهان  بالنسبة للمستقبل هو التسلح بمعرفة جديدة علمية تتناسب  المرحلة في جميع المجالات رغم العوائق . ودور هذه الأوراق  هو نقل جزء من هذه المعرفة الى حد ما رغم الباحث  لم يعد  هو الذي  يهتم  بالعقل وبالمفاهيم والنظريات ، بل يطمح الى تأطيره تأطيرا معلوماتيا  متصلا بالشبكات التي تعتمد  على الحرف  والرقم والصورة والصوت .
 فالأوراق  هي مجموعة من المواضيع مبسطة أحيانا ومحتزلة  بكيفية ممنهجة أحيانا أخرى وبكيفية بيداغوجية ، لها طابع تعليمي  نطمح من  خلالها الى تقريب مجموعة من المفاهيم والنظريات والقضايا الفكرية المعاصرة ما أحوجنا الى معرفتها .
 فهي  مواضيع تختزل في النهاية  في إشكالية واحدة : إشكالية  التأسيس للعقل العربي  لمواجهة تحديات  بداية  القرن الواحد والعشرين .
وفي الأخير  نقول   ، إن قراءة  هذه المواضيع ، الأوراق  الباشلارية  بالنسبة لغير المختص تحتاج إلى صبر وتأهب واستعداد .وهي أوراق منفصلة عن بعضها البعض رغم  أنها تعالج إشكالية واحدة . يصل عددها الى عشرين  ورقة بالاضافة الى  مقدمة وورقة جامعة  تلخص أهم ما جاء  في هذه الأوراق . 
 كما أننا نصرح أن جل   الأفكار  التي جاءت في هذه الأوراق  ليست بنات أفكارنا  ، بل اعتمدنا على  مثقفين ومفكرين مغاربة بالدرجة الأولى  الى جانب نصوص  أخرى لها علاقة  بالموضوع.


صدر للباحث بوعزة ساهل مؤلف جديد يحمل عنوان "العرب ومنطق اليونان: "  من  مرحلة الانفتاح إلى مرحلة الركود والجمود عن دار افريقيا الشرق بالدار البيضاء. يتناول الكتاب عدة إشكالات لها راهنيتها  
  إذا كنا قد ربطنا  العلم الحديث بالعقلانية الغربية،  فمتى نؤسس إلى عقلانية عربية ونحن في الألفية الثالثة؟ إلى أي حد سنبقى متفقين مع  الإمام الشافعي والإمام السيوطي والإمام ابن الصلاح وغيرهم حول تحريم المنطق والفلسفة تدريسا وإنتاجا وتعلما ؟ أليس( الحاج  google) جاء نتيجة المنطق الذي طوره فريجه  FREGEE وب.رسل ووايتهد مرورا ب. ليبنتز وجورج بوول وبيانو؟ أليس من حقنا أن نطالب بتهميش كل مؤلف يحرم المنطق والفلسفة إلى حد  لا عودة (لا نقول إحراق المؤلف ) لان العلل التي بنوا عليها في  تحريمهم قد تجاوزت؟ مع رفض الحقيقة المبنية على التوكل كما يراها أ شاعرة الأمس وأشاعرة اليوم.
نحن نطمح إلى  عقل علمي يساهم في حل الأسئلة المطروحة في الاقتصاد وفي المعلوميات، والهوة الرقمية...نحن نطمح إلى عقل أوكامي (نسبة إلى وليم الأوكامي )  للتقليل من الثرثرة والعنعنة .إننا لا ندعو إلى دفن الماضي،  وتحنيطه، بل العودة إليه للأخذ منه ما يجيب عن أسئلتنا  الآنية والمستقبلية.وفي الأخير نقول إن  الفقهاء وعلماء اللاهوت  لا شأن لهم بالعلم أي علم الطبيعة وعلم المنطق وعلم الرياضيات وعلم الفلك . فكفى من محاكم تفتيش جديدة ونحن في الألفية الثالثة.




   



هناك تعليقان (2):

  1. الف شكر وكل التقدير والاحترام اليك سيدى على هذه الاطباق المعرفية التى نلت منها بشراهة

    ردحذف
  2. تحياتي اليك استاذي ، ممكن نسخه pdf

    ردحذف

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

أوراق باشلارية



بوعزة ساهل
  


                   أوراق باشلارية  

                                                         مقالات  علمية فلسفية      

مقدمة  الطبعة الأولى

     د؟
 فمن خلال هذه الأراق  الباشلارية    سنقوم بمحاولة إطلا لة على الفكر العلمي الحديث والمعاصر وعلى الفلسفات التي جاءت انعكاسا لهذا الفكر . فالرهان  بالنسبة للمستقبل هو التسلح بمعرفة جديدة علمية تتناسب  المرحلة في جميع المجالات رغم العوائق . ودور هذه الأوراق  هو نقل جزء من هذه المعرفة الى حد ما رغم الباحث  لم يعد  هو الذي  يهتم  بالعقل وبالمفاهيم والنظريات ، بل يطمح الى تأطيره تأطيرا معلوماتيا  متصلا بالشبكات التي تعتمد  على الحرف  والرقم والصورة والصوت .
 فالأوراق  هي مجموعة من المواضيع مبسطة أحيانا ومحتزلة  بكيفية ممنهجة أحيانا أخرى وبكيفية بيداغوجية ، لها طابع تعليمي  نطمح من  خلالها إلى تقريب مجموعة من المفاهيم والنظريات والقضايا الفكرية المعاصرة ما أحوجنا الى معرفتها .
 فهي  مواضيع تختزل في النهاية  في إشكالية واحدة : إشكالية  التأسيس للعقل العربي  لمواجهة تحديات  بداية  القرن الواحد والعشرين .
وفي الأخير  نقول   ، إن قراءة  هذه المواضيع ، الأوراق  الباشلارية  بالنسبة لغير المختص تحتاج الى صبر وتأهب واستعداد .وهي أوراق منفصلة عن بعضها البعض رغم  أنها تعالج إشكالية واحدة . يصل عددها الى عشرين  ورقة بالاضافة الى  مقدمة وورقة جامعة  تلخص أهم ما جاء  في هذه الأوراق .  
 كما أننا نصرح أن جل   الأفكار  التي جاءت في هذه الأوراق  ليست بنات أفكارنا  ، بل اعتمدنا على  مثقفين ومفكرين مغاربة بالدرجة الأولى  إلى جانب نصوص  أخرى لها علاقة  بالموضوع.
 أما المواضيع فهي :

-       مفهوم الواقع (ورقتان )
-       مفهوم الثورة العلمية
-       ماهي الإبستمولوجيا؟
-        ماهي فلسفة باشلار ؟
-       مفهوم  القطيعة الابستمولوجية
-        مفهوم العائق الإبستمولوجي
-       مفهوم الجدل
-        مفهوم الحقيقة العلمية
-        مفهوم العقل العلمي
-        مفهوم الا تصال والانفصال
-          مفهوم الحتمية
-        مفهوم اللاحتمية
-       المفهوم وماصدق
       -  الهندسة األأوقليدية – الهندسة اللاأوقليدية 
-       نظرية الكوانتا ( ورقتان )
-        نظرية النسبية الخاصة
-        نظرية النسبية العامة
-        ورقة جامعة  

                                                بوعزة ساهل 
                                        4-8- 200- الدار البيضاء



مقدمة الطبعة الثانية



    كان  من أحد أهدافنا  لإصدار مؤلف   "أوراق باشلارية" في طبعته الأولى سنة 2001 هو زرع  ثقافة علمية – فلسفية  يتسلح بها الطالب  والباحث( والقارئ عموما ) سواء في العلوم الدقيقة  أو في العلوم ا لإ نسانية والاجتماعية  لأنه لا يمكن  تناول موضوعا  فكريا أو تاريخيا  أوسياسيا كذلك  دون أن  يؤسس خطابه  تأسيسا  علميا ، وإلا  ستكون  كتابته عبارة عن    إنشاء لا غير .
  فبعد أن  نفذت جميع نسخ الطبعة الأولى  وبطلب من  بعض المهتمين  بالجانب الإسبستمولوجي بالخصوص  ،  قررنا  إصدار  طبعة ثانية  لنفس المؤلف  مع بعض  التغييرات  في  ترتيب المفاهيم التي اشتغلنا عليها ، وإعادة النظر في بعضها . كما   نقحنا  مايجب تنقيحه أوتصحيه و تعديله .
 كما نرجو من قراء الأوراق(=أوراق باشلارية ) أو  كتبنا الأخرى  أن يتحلوا بالصبر  وبالتأهب  لفهم  وضبط تلك المفاهيم والنظريات  لأنها   تعتبر أهم    مرتكزات يبني عليها العالم علمه  أو المفكر فكره  أوالباحث بحثه.
                                        بوعزة ساهل- الدار البيضاء
                                                                        12-8- 2012
                    
                                    
1-         مفاهيم


الورقة رقم 1 :    مفهو الواقع (أ)

   إن مفهوم الواقع لم يكن  موضوع سؤال في التفكير الفلسفي في بدايته ، ولم  يطرح مشكل احتمال  وجوده أو عدم وجوده، كل  ماهو موجود يعتبر واقعا، وكل ما هو   واقعي  يعتبر موجودا (1).
فالأشياء المادية التي ندركها هي معطاة لنا  مباشرة  ، وواقعيتها هي شروط إدراكها  لنا . ويطلق  على هذه النظرة إسم  الواقعية الساذجة ، وهو موقف يقبل  بشهادة الحواس فقط (2).
  فإذا كان أفلاطون  في نظرية المثل   يعتبر الواقع الحسي – المادي  مجرد  شبح للواقع  العقلي ( العلوي )، فإن  أرسطو يعتبر الواقع  أجساما وجواهر، ويميز أرسطو  بين الجوهر وأعراضه (صفاته)، ويعرف الجوهر بالجنس والنوع  حسب كليات فورفوريوس. ومن صفاته أنه لا يقبل ضده  ، أي  لا يقبل  أن ينعدم . ولا يمكن أن يكون ولا يكون  في آن واحد . فهو مطلق  ولا يقبل الزيادة والنقصان .
  نحن أمام ابستمولوجيا واقعية ساذجة (3) ، تعتمد على  الموقف الطبيعي والحس المشترك الذي يعتبر مصدرا للمعرفة .
 كان العلم الأرسطي  علما كيفيا يدرس الواقع  انطلاقا من الملاحظة ، مما  هو حسي . أما  في العلم  النيوتوني  فقد أصبح الواقع  مركبا  تركيبا  كيفيا  وقانونيا  كتركيب  العلاقة بين  القوة  والكتلة والتسارع  لجسم  ما ، عكس ديكارت الذي يعتبر  الواقع  امتدادا وحركة. أي  تنحال في الأخير  إلى صفات  هندسية  . فالعالم امتداد  وحركة   . فكل ما هو  موجود واقعي  يندرج في نهاية المطاف إلى  هاتين الخاصيتين . لهذا   تصير غاية العلم  هي البحث عن الأساس الرياضي الهندسي للأشياء . إذ يضفي ديكارت الصبغة الهندسية على الواقع  ، والواقع هو ذلك الذي يقبل  في الطبيعة  معالجة  رياضية .
 أما كانط فهو يعتبر  الواقع امتدادا  وأشكالا وحركة . فهو  يلتقي مع النظرية العلمية النيوتونية  التي تعتقد أن العالم  ظواهر قابلة للتناول،إما  بصفتها  أشكالا مكانية  وعلاقات هندسية ،  وإما بصفتها  حركة زمانية  وعلاقات تعاقبية ميكانيكية .
 لقد ربط كانط المعرفة بمقولتين :  المكان المطلق والزمان المطلق كإطارين حدسيين  خالصين يسبقان  التجربة  ويستقلان عنها . ويعتقد أن دائرة  الحس هي  النطاق الوحيد  المشروع للعقل.      فالواقع عند كانط يقتصر على  دائرة الظواهر القابلة لأن تصاغ  في قوانين وفي علائق .  وذلك ما يؤكده نيوتن  ، إذ  يرى أن الواقع  هو كل ما يقبل خضوعه لقوانين مضبوطة .
 فالمقولات الكانطية كما يتصورها كانط نفسه ليست في الحقيقة  سوى استعارة للحقل المعرفي للعلم النيوتوني . المقولات القائلة بثبات الجوهر  واختلاف الأعراض .
 حاولنا إعطاء  مقاربة لمفهوم الواقع  في العالم الماكروسكوبي ، إلا أنه مع   مطلع القرن العشرين سينهار  تعريف هذا المفهوم مع انهيار العلم النيوتوني . أي مع ظهور الثورة  الفيزيائية الجديدة  ، مع نظرية الكوانتا   لماكس بلانك التي موضوعها النسبية الذرية  ، وسيتغير  مفهوم الواقع في العالم الصغير  ، العالم الميكروسكوبي  وهو ما سنتعرف عليه في  الورقة التالية .
------------
(1)     سالم يافوت. مفهوم الواقع في الفكر  المعاصر . دار  النشر للمعرفة . الدار البيضاء . بدون تاريخ . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية . الرباط . سلسلة  أطروحات رقم  7. ص  .53
(2)     ن. م. ص 54.
(3)     ن.م.ص  55  





  الورقة رقم 2 :    مفهوم الواقع (ب)

     بعد الثورة التي قام بها ماكس بلانك( انظر لاحقا )، لم يعد الواقع معطى حسيا مدركا بالملاحظة ، بل أصبح الواقع من تركيب  العقل  وإبداعه .  أي أصبح تنظيما عقلانيا بالعلاقات التي تربط الظواهر التي لم يعد من الممكن التعامل معها بنفس الشكل الذي كانت تتعامل معها الفيزياء الكلاسيكية . إذ أصبح الواقع  عبارة عن بنيات وعلاقات وإتشاءات عقلية  . فمفهوم الذرة  عند الأوائل  كان مفهوما  فلسفيا  عل اعتبار أن الذرة  هي الجوهر الأول والأبسط والجسم اللامتناهي  في الصغر . وكلمة ذرة  باليونانية  ATOME تعني  حرفيا  اللامنقسم .  فحرف A   تعني  النفي وTOME  تعني  قسمة . فالذرة ليست هي الجزء الذي لا يتجزأ ، بل  هي قابلة  للانشطار ( الانقسام ) ، فنواتها أصغر منها بحوالي   عشرة آلا ف مرة . فالذرة  ليست بالجسم البسيط ، بل بنية كون صغير  من علاقات دينامية من جزيئات كهيربية  موجبة  من البروتونات  وجزيئات  كهيربية   سالبة  من   النوترونات  وجزيئات محايدة . وبجانب  هذه الجزيئات هناك  جزيئات أخرى  ثانوية   مكتشفة   بالفعل   أو موجودة بالفرض  تدخل  في تركيب  بنية  الذرة   ، منها   البوزتون و الميزون و النوتينول.
 فمع  تفكيك مفهوم الذرة  الذي كان  بمثابة  الأس الأول في كل بناء منطقي أرسطي  ، لم يبق وضع هذه الأخير  كمعطى أول   مطلق   تستنتج منه أعراضه بل أصبح الكهيرب هو موضوع ( واقع ) الميكروفيزياء  .  فالكهيرب   لم يتظاهر إلا من خلال  أعراضه بدون أن يكون له نظام وجود ، ديناميته من أعراضه بلا جوهر .
 فعلى ضوء هذا الواقع الجديد  في  عالم الميكروفيزياء ( العالم الصغير )  انتقد باشلار الفلسفات التي عاصرها  من كانطية  وبركسونية ... لكن ماهي مظاهر هذا الواقع في العلم المعاصر ؟
- المظهر الأول في نظر باشلار  هو أن الواقع الذي يدرسه العلم المعاصر واقع يتصف بالاصطناع (1). فالواقع في الفيزياء أو في  الكيمياء  المعاصرين واقع يتصف بالاصطناع   أي  نتيجة
تدخل العلم  التقني  . ومعنى   الاصطناع في موضوع المعرفة  العلمية هو البناء بفضل تقنييات ،  وآليات  ذهنية  وليس  بما هو  جاهز وقبلي  كما  كان عند  أرسطو ونيوتن وكانط .
 فموضوع التحليل النفسي  عند فرويد ليس هو الواقع الظاهر والمعطى ، بل الواقع الذي  يدرسه هو واقع باطني ، واقع يتم بناؤه(2).وموضوع التحليل الاقتصادي عند ماركس ليس هو الواقع المعطى ، بل الواقع الذي  يتطلب  أجهزة ومفاهيم وتقتيات معينة من أجل البناء , فالعالم المعاصر يصنع أساسا واقعا  تقنيا محل الواقع الطبيعي .
-       المظهر الثاني في نظر باشلار  هو أن مفهوم الواقع أصبح  موضوعا ذا  صفتين :  محسوس  ( معطى ) ومجرد ( مبني عقليا  ) ، شيئ  في ذاته ولا شيئ .
-        نحن أمام  ثنائيات حداهما  متناقضان . ففي الفلسفات التقليدية  كان  الشيئ  في ذاته بالمعنى الكانطي هو الموضوع بالنسبة لهذه الفلسفة ولكنه أصبح موضوعا للمعرفية العلمية  بالنسبة  للعلم المعاصر . ويعطي باشلار  مثال نواة الذرة ( الفوتون) .
 وهنا تدخل جدلية  المعطى والمبني ، جدلية الواقع الطبيعي والواقع العقلي والتقني  ، الواقع المحسوس والواقع المجرد  في علاقة التكامل  دون اقصاء أي حد  من حدود الثنائيات المتناقضة .
-       المظهر الثالث يتعلق بعلاقة الموضوع بالمنهج  . ففي الفلسفة التقليدية كان  يعتبر الموضوع مستقلا عن المنهج ، غير أن هذا  الأمر يختلف في العالم الصغير ، العالم الميكروسكوبي  في نظر باشلار . فليس  هناك في  الميكروفيزياء منهج للملاحظات دون تأثير  بطرق المنهج على الموضوع الملاحظ.
 ويقدم باشلار  ظاهرة  تعيين موقع الا لكترون  ، فلبلوغ ذلك التعيين  علينا أن نشع على الالكترون بالفوتون ، ولكن التقاء الالكترون بالفوتون يزيد من سرعة الالكترون  مما يجعل معرفة موقعه صعبا جدا . فتحديد  موقع  وسرعة الالكترون في الوقت نفسه أصبح غير ممكن  مع الثورة  الفيزيائية المعاصرة بما  يعبر عنه بمبدأ اللا تتعين الذي  جاء به هيزنبيرغ، وهو إعلان عن مبدأ اللاحتمية .
 انطلقنا في الجزء الأول (أ) من  مفهوم الواقع في العالم الماكروسكوبي ( العالم  الطبيعي والمحسوس )، وخلصنا في الجزء الثاني (ب) إلى أن مفهوم الواقع  في العالم الميكروسكوبي  هو واقع يبنى  بتقنيات ، بناء ذهنيا ورياضيا . إلا أن هناك   علاقة جدلية بين الواقع الطبيعي والواقع  الرياضي   . وطبيعة هذه العلاقة هي علاقة  تكامل  ، وهي فكرة أساسية في فلسفة باشلار .
--------
(1)     محمد وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مكتبة المعارف . الطبعة  الثانية . 1984.ص171.
(2)     ن. م. ص 173



الورقة رقم 3 : الثورة العلمية

    ماذا نقصد  بالثورة العلمية ؟ هل هي ثورة أم ثورات ؟ وأي علم نقصد؟ نحن لا نقصد  بالثورة العلمية  ميلاد الفكر العلمي  الذي  بدأ مع الحضارات  الشرقية القديمة ، بل نقصد بها  التحولات التي طرأت على مرافق الحياة العلمية بدءا من القرنين السادس عشر والسابع عشر.
 ففي هذه الورقة  سنركز  على المجالات العلمية التالية : علم الفلك مع كوبرنيك  وعلى ملاحظات  وتجارب جاليلي  وعلى  علم الكيمياء  مع لافوازييه وعلى الثورة في علم الهندسة  مع  ريمان ولوباتشوفسكي  وأخير ا على نظريتي   الكوانتا  لماكس بلانك والنسبية مع اينشتين   .
 تلك هي الثورات في نظرنا التي أثارت اهتمامنا  ، ذلك لسبب  وحيد  لأنه  من خلالها ثار العلم  الجديد  على العلم القديم ، وظهرت مفاهيم ونظريات  وتصورات  جديدة ، بل   ظهرت قيم ابستمولوجية أفرزتها تلك الثورات ومن خلالها تقدم العلم  ووصل الى ما وصل اليه  .
 وقبل التطرق الى هذه الثورات نشير الى مقارنة طوماس كون بين التطور السياسي  والتطور  العلمي وربط علاقة تناظر  بين التطورين (1).
   يرى كون أن الثورات  السياسية  تهدف الى  تغيير المؤسسات السياسية :  ممثلو الأمة ،  هيكلة الأحزاب ، تغيير   عقليات ونصوص  لصالح أخرى . ومن هنا  يتم تقسيم المجتمع الى  معسكرين  أو الى أطراف متنازعة أحدهما  يلتمس الدفاع عن شرعية المؤسسات القديمة وآخر  يلتمس إحداث مؤسسات جديدة . فالثورة السياسية  هي عبارة  عن تغيير وإبدال  لشيكة  من النصوص المؤسساتية( طبعا في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها ).
فذلك مانجده في  الثورة العلمية . فهي  كذلك عبارة  عن تفسير  وإبدال  وتغيير  لشبكة من المفاهيم والتصورات والنظريات والمناهج القديمة للخروج من الأزمة . فهي  بناءات علمية  جديدة  تثور على   القديمة  وتتلاءم مع  الأسئلة المطروحة على الباحث وعلى العالم .
 فبدءا من عصر النهضة مرورا  بالقرنين السادس عشر والسابع عشر  وبعصر الأنوار  ثم عصر الحداثة  وقعت عدة ثورات علمية    بدءا من الا نقلاب الكوبر نيكي  وصولا إلى الثورات العلمية المعاصرة.
فقبل  ثورة كوبرنيك كان  نوعان من  علم الفلك :   النوع الأول هو علم الفلك  الفيزيائي الأرسطي  والنوع الثاني  علم الفلك  الهندسي  البطليموسي  . الأول يهتم بالبحث في تصور مادي للكون والثاني  يهتم  بالبحث  في تصور   هندسي للكون  . وتاريخ  علم الفلك  كان  يتأرجح بين هذين التصورين قبل كوبرنيك .
وقبل  القرن الحادي عشر للميلاد وبسبب التناقضات  الموجودة في أعمال  بطاليموس ،  كان لابد من التفكير في  حل  هذه التناقضات ، فظهر تياران أحدهما في  الغرب الاسلامي  يمثله خاصة  البطروجي تلميذ  ابن رشد  في القرن الثاني عشر ، العائد الى مبادئ أرسطو الفلكية . والآخر في الشرق يمثله الفريق المشكل  من  علماء مرصد مراغة (2). وفي عصر النهضة عجز علم الفلك عن تقديم  أجوبة  لعدة أسئلة  كانت تطرح  عصرئد  فيما يتعلق  بعدم الدقة وتوقع الظواهر  والحساب المضبوط. إذ تشكلت عقبات  أمام  تقدم العلم  والمعرفة  في فترة كثرت فيها  الرحلات والاكتشافات  مما يفرض  تحسين الخرائط  وتقنيات الملاحظة الفلكية، مما أدى بالفلكيين  الى الاهتمام  بالموضوع وإخراج علم الفلك  من الأزمة التي كان  يتخبط فيها .
 كانت  محاولة كوبرنيك الجريئة لاصلاح النظام الفلكي   انطلاقا من  الفكر الفيتاغوري  القائل بمركزية الشمس   ودوران الأرض . افترض كوبرنيك أن الشمس هي المركز وأن الأرض كوكب  يسبح في الفضاء كالكواكب الأخرى  وانعكست هذه الفرضية العلمية   على الفكر العلمي  والفلسفي والديني كذلك ، وتخلص علم الفلك  من العائق الابستمولوجي  الذي كان يعتبر الأرض هي  المركز.ويعتبر  إصلاح  علم الفلك من طرف كوبرنيك  من أهم الثورات العلمية على الاطلاق  بجانب الثورات التي  سنتناولها  لاحقا . ومن خلال  الفرضية الكوبرنيكية الجديدة قطع  كوبرنيك  مع التصورين الفلكيين الأرسطي والبطليموسي إلى  حد لا عودة .
  إذا كان كوبرنيك قد أقام  ثورة في علم الفلك ،  فإن ورثته كل من  جاليلي ونيوتن  وآخرين أقاموا بثورة في  علام الفيزياء  من خلالها انهارت  أركان الفيزياء الأرسطية .  ففي الفيزياء الأرسطية  كان يعتبر  السكون  والثبات هو أصل الأشياء . يبقى جسم ما ساكنا ما لم تؤثر  فيه قوة  خارجية . كما كان يعتقد أن  السرعة و القوة  لجسم ما  متناسبان .كان  يقال إن سرعة  الأ جسام الساقطة  تختلف  حسيب  أوزانها. إلا أن  الملاحظات  والتجارب  التي  أقام به  جاليلي أثبتت عدم ملاءمة  هذه الأفكار  الجاهزة   في الفيزياء الأرسطية مع الواقع .
 لافوازييه وعلم الكيمياء
 إن تفسير  كون بعض  المواد الكيميائية حامضة وأخرى معدنية  وغيرها قابلة للاحتراق  وما إلى ذلك ، كان غير واضح قبل لافوازييه. فقبل  لافوازيبيه  وإلى حدود القرن الثامن عشر  كانت مادة الفلوجستون  هي المهيمنة على تفسير المواد الكيميائية ، إلا أن  نظرية الفلوجستون أصبحت عاجزة على نحو مطرد في تفسير  وقائع  التجارب  التي  يقوم بها  العلماء في    مختبراتهم . فباكتشاف لافوازييه لمادة الأكسجين  أطيح بنظرة الفلوجسون  التي عجزت عن تقدم تفسير  علم الكيمياء  . ويعتبر  هذا  الاكتشاف  قطيعة ابستمولوجية  مع  الكيمياء القديمة   التي ورثت عن الخيمائيين  الأسكندرانيين وعن جابر بن حيان ..     ويعتبر  هذا الاكتشاف قطيعة ابستمولوجية  في تاريخ علم الكيمياء .
    أما الثورات المعاصرة   فسنتطرق إليها في  الأوراق المقبلة،  وأن الثورات التي أشرنا إليها ليست الوحيدة  في تاريخ العلوم  بل هناك ثورات  أخرى لم نذكرها  ،وستحدث ثورات جديدة  مستقبلا   في تاريخ العلوم. فتاريخ العلوم هو تاريخ أخطائه، وتاريخ قطائعه، وديدنه هو تصحيح أخطائه .
 إذا عدنا إلى  تاريخ العلوم العربية ،  فإننا نتساءل  هل هناك ثورات علمية تستحق الذكر  على غرار الثورات التي أشرنا اليها ؟
---------
(1) طوماس كون . بنية الثورات العلمية .  سلسلة  عالم المعرفة . عدد 168 . ترجمة شوقي جلال .ص    144
(2)  سالم يافوت . نحن والعلم. دار الطليعة . ط1 . ص44
(3) توماس كون .  بنية  الثورات العلمية. عالم المعرفة .ترجمة شوقي جلال .  عدد 168.        ص152.



 الورقة رقم 4 :    ما هي الإبستمولوجيا ؟  
    مفهوم الإبستمولوجيا هو مفهوم مركب من كلمتين يونانيتينepistimee  ومعناها علم -نقد – دراسة  علم .. فهي  تعني علم العلوم أو نقد العلوم  أو الدراسة النقدية للعلوم  (1). واللوغوس             LOGOSومن معانيها نقد وعلم...
 وبعرف لالاند  في معجمه الفلسفي  أن الإبستمولويا  هي فلسفة العلوم ،هي الدراسة النقدية  لمبادئ مختلف  العلوم : نتائجها وفروضها ...
والإبستمولوجيا لها علاقة   بالميتودولوجيا(علم المناهج ) لأنها  تدرس  المناهج العلمية  من تحليل  وتركيب . وهي  مرتبطة بنظرية المعرفة  لأنها تدرس كيفية اكتساب  المعرفة . ولها  علاقة مع  نتائج العلوم لأنها تدرس تاريخ العلوم في تطوره ونموه. ومواضيعها المعرفة الرياضيةومعرفة العلوم الطبيعية  ومعرفة العلوم الإنسانية  والاجتماعية .
  يقول بلانشي (2) :  إن التمييز بين الإبستمولوجيا  وفلسفة العلوم  لأ مرا عسيرا جدا . ويميل أن ترادفا أكيدا بينهما .
أما الجابر ي  فيرى  أن مصطلح  ابستمولوجيا  يختلف مدلوله سعة وضيقا  من لغة الى  أخرى ، كما   يلاحظ  عدم  اتفاق  اللغات الحية :  لغة العلوم العصرية على مدلوله ووحدود  موضوعه .  بقي أن نشير  أن مجال  البحث  الخاص بهذا اللون  من الدراسات  التي تتخذ  المعرفة موضوعا لها  مازال  غير واضع بالشكل الكافي (3).
 وفي جميع الحلات  ، فالإبستمولوجي  يعبر  عن دلالة المفاهيم و النظريات والتصورات الجديدة   والقيم  الابستموزوجية . فباشلار  حاول التعبير  ابستمولوجيا  عن دلالة الثورات العلمية المعاصرة  لابراز القيم الإبستمولوجية  التي أفرزتها تلك الثورات ليتجاوز الفلسفات التقليدية  التي عاصرها .
 من بين الذين اهتموا  بهذا المجال أي  موضوع  الإبستمولوجيا  هم علماء  - فلاسفة . اهتم  كونزت استاذ باشلار  بالمعرفة الر ياضية   واهتم باشلار  بالمعرفة الفيزيائية  واهتم  جان بياجي  بمعرفة علم النفس  عند الطفل  واهتم كانغليهم بمعرفة  علم الاحياء  كما اهتم بلانشي بتاريخ العلوم.
 اذا كانت الابستمولوجيا  تدرس  تاريخ العلوم  والمعرفة  العلمية  ، فكيف  تطورت ونمت  العلوم العربية  ؟   هل عن طريق اتصال أم انفصال ؟ (  لنا بحث  في الموضوع  بعنوان العقل العربي  الجريح وهو عبارة عن مدخل لقراءة معاصرة في   ثراتنا العربي العلمي – سيخرج الى النور قريبا ).
--------- 
(1)        محمد عابد الجابري .  مدخل الى فلسفة العلوم  . ج1. ط2.  1981.ص126‍.
(2)         ن. م. ص13.




االورقة رقم 5 :       فلسفة باشلار

      لماذا فلسفة باشلار بالضبط؟  لأنها  فلسفة  جاءت  لتبرر  القيم الإبستمولوجية  الجديدة للمعرفة العلمية  والمعرفة الإنسانية  التي حملتها الثورات العمية المعاصرة .
 إذا كانت  الفلسفات التفليدية لم تستطع مسايرة  التطور العلمي المعاصر ، فان باشلار  أخذ منحى  جديدا منفتحا عل التطور العلمي الحاصل في الرياضات والفيزياء  وفي الكيمياء وعلى نتائج هذه العلوم  ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر  والى حدود  نهاية  الربع الأول من  القرن العشرين. يرى باشلار  أن العلم المعاصر يسير بسرعة فائقة  في التطور  لم يسبق له مثيل . ويؤكد أن عقدا من زمانه  في المجال العلمي  يساوي  قرونا  بأكملها   في الأزمنة الماضية .
يريد باشلار  تجاوز الفلسفات التقليدية من ديكارتية وكانطية  ... لأنها   فلسفات تعتبر المعرفة  تنمو وتتطور بكيفية  استمر ارية . أما هو،  فهو يعتبر    المعرفة  تنمو  عبر  أزمات وعبر قطائع  . أي  عن طريق الانفصال وليس  عن طريق الاتصال .
  ففلسفة باشلار هي فلسفة علوم لأنها تأسست  انطلاقا من القيم الإبستمولوجية التي أفرزتها  الثورات العلمية   المعاصرة  ولها  عدة نعوث :   فلسفة لا- فلسفة الرفض  - العقلانية المنفتحة – العقلانية المطبقة.  فهي فلسفة ترفض  الآرا ء العامية  والتجارب الابتدائية  والوصف المبني على  مجرد الخبرة . فهي فلسفة  تقول لا  لعلم الأمس ، علم أرسطو  وعلم ديكارت  وعلم جاليلي ونيوتن .
فهي فلسفة  تطمح  الى  نقد  كل بسيطة  نقدا جدليا   للكشف  عن ما تنطوي عليه من لبس  وغموض  . وهي فلسفة  ترفض  كل تصور  علمي   يعتبر نفسه كاملا  ونهائيا. إن كل مقال في المنهج هو دوما ظرفي ومؤقت ، لايعتبر  نفسه نهائيا . إن الفكر العلمي يبنى  ويعاد فيه النظر باستمرار.
فالتيارات  القلسقية التي عاصرها   باشلار خاصة الفرنسية  تعتبر  تيارات   تكرارية ، تردادية  ، تدافع عن  مبادئ  فلسفات  وضعتها  مذاهب  كبرى  وجدت قبل هذا التاريخ  من ديكارتية وكانتية ووضعية . وهذه التيارات هي الوضعية الجديدة   والموضوعاتية ( فلسفة بوانكاريه) والروحانية ( البركسونية ). فهذه التيارات  لم تستطع  أن تساير  التطور العلمي ، ولا  تعبر  عن ماجاءت به الثورات العلمية المعاصرة .
  يرفض باشلار  أن  يكون الفكر  العلمي  المعاصر  اسشهادا للفكر العلمي السابق. بل يرى  أن هذا الفكر الجديد  مبني أساسا عبر قطائع   وعبر ثورات .  فعلم اليوم ثورة على علم الأمس.
 إن مجال  التفكير العلمي  يقول باشلار ، يجب أن يكون مفتوحا دوما . فليس هناك  بالنسبة للعلم  حقائق  مطلقة ، حقائق  قطعية ونهائية . فالعلم يقبل  أن تخضع  أسسه و مبادئه للمراجعة باستمرار.
 إذا  كانت  فلسفة باشلار  مرتبطة  بالثورات العلمية المعاصرة  وفلسفة ديكارت  وفلسفة كانط مرتبطتين بالعلوم الحديثة  فما موقع فلسفتنا نحن  من  هذه الثورات ؟ بل ، وماذا تحصل أول ثورة علمية عندنا لنؤسس عليها ي فلسفة خاصة بنا ؟ طرحنا هذه الأسئلة  الاستفزازية  لأن فلسفتنا  مؤسسة  على علوم الهللينيين  وليست  على علومنا  نحن .
--------
 اعتمدنا في هذه الورقة على كتاب  فلسفة المعرفة  عند باشلار  للدكتور محمد وقيدي . مكتبة  المعارف للنشر والتوزيع.








 الورقة رقم6:      مفهوم القطيعة  الإبستمولوجية

   يعتبر  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية مفهوما أساسيا  عند الإبستمولوجيين،  بما فيهم باشلار الذي بنى تصوره  لتاريخ العلوم  - إذا اقتصرنا على الإبستمولوجيا الفرانكوفونية  التي  يتزعمها باشلار نفسه- على  هذا المفهوم  بجانب مفهوم العائق الإبستمولوجي ومفهوم الجدل. وهو مفهوم  يعبر في نظره عن فترات  الانتقال  الكيفي في تطور  العلوم . فبقدر ما تحدث  تلك الكيفية بقدر ما تحدث قطيعة ابستمولوجية  بين الفكر العلمي الجديد  والفكر السابق له.    ويأتي هذا التصور ضدا على نظرية  الاستمرارية  كما نجدها عند  مايرسون  وآخرين (1) .
إذ يذهب القول  بالاستمرارية  على مستويين   :  المستوى الأول يقصد به الاستمرار من التفكير  العامي الى التفكير العلمي. والمستوى الثاني  يقصد به  الاستمرار بين الفكر العلمي الجديد  والفكر   العلمي  السابق عنه . 
    أما باشلار، فهو يقول  إن في تاريخ العلوم قفزات  كيفية   ينتقل بفضلها  إلى نظريات جديدة  ، لا يمكن  النظر  إليها  على أنها مجرد استمرار للفكر السابق. فبقدر ما تتحقق  تلك القفزات  الكيفية  ، بقدر ما تتحقق  قطيعة ابستمولوجية  بين الفكر العلمي  والمعرفة  العامية  (2).
 ويصنف باشلار  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية الى  مستويين :
-       المستوى الأول تكون فيه القطيعة بين المعرفة العامية  والمعرفة العلمية.
-       المستوى الثاني  تكون  فيه القطيعة بين النظريات العلمية الجديدة والنظريات العلمية السابقة عنها.
 بعض مظاهر المستوى الأول
      ففي نظر دعاة  الاستمرارية إن تاريخ العلوم  هو جزء لايتجزأ من التاريخ العام ،ومنه أن العلوم المعاصرة لها  أصول قديمة  انبثق منها ولو بصفة بطيئة( العلم له أسلاف )،  إلا أن هذا  القول لا  يطابق  في نظر باشلار  واقع المعرفة  المعاصر .وخلاصة القول إن  علاقة المعرفة العامة والمعرفة العلمية  هي علاقة انفصال  ، قطيعة ابستمولوجية بين ماقبل وما بعد  ( فالمصباح الكهربائي الذي اكتشفه أديسون  ليس استمرارا  للمصباح العادي والتقليدي ،بل  هناك انفصال  بين  المصباحين ).
-  ففي علم الفلك  قطع كوبرنيك مع كوسموس  أرسطو ومع كوسموس  بطليموس  والقطيعة هنا قطيعة   انفصال تام ،  يصل الى حد اللاعودة بين  ما بين وبين .  لماذا ؟ لأن فلك كوبرنيك ( معرفة علمية)وكوسموس أرسطو و بطليموس ليس بعلم ، فالعلم   بمفهومه الحديث لم يظهر الا في القرن السابع عشر . 
يمكن الحديث عن القطيعة بين الميثولوجيا والعلم في تاريخ الفكر اليوناني الهلليني مثلا  بدءا من طاليس وانكمادرس وانكسمانس ( بين اللاعلم والعلم ).
 بعض مظاهر المستوى الثاني
-       القطيعة هنا ، تكون بين فرضيتين علمييتين  (  فرضية علمية  جديدة  تدحض وتفند  فرضية علمية سابقة عنها     ( = كارل بوبر )، تثور  قيم جديدة  على القيم السابقة  والبقاء للأصلح .والقطيعة هنا  تكون بين نسقين  لكنه لا تصل الى  حد  الانفصال التام . بل تكون قطيعة احتواء وتضمن . العلم الجديد يتضمن العلم السابق عنه لأنه أوسع وأشمل  .
-       مثالان : 
     + بين الهندسة الأوقليدية والهندسة اللاأوقليدية ( هندسة أقليدس صاحب الأصول وهندسة ريمان ولوباتشوفسكى )، فالهندسة الأولى علم والثانية علم  والقطيعة بينهما هي قطيعة احتواء وتضمن لأ ن الهندسة اللاأوقليدية   تتضمن  الهندسة الأقليدية  لأنها  أوسع وأشمل منها ، فأصبحت  هندسة اقليدس جزءا من  هندسة ريمان ولوبانشوفسكي.
    + فبعد انهيار  الإبستمولوجية الديكارتية ، انهارت معها ميكانيكا نيوتن المبنية على  عدة مفاهيم   كمفهوم الحتمية واليقين ..  وظهور مفاهيم جديدة بعد تثويرها على المفاهيم السابقة . لقد ثار مفهوم اللاحتمية،والنسبية و  الاحتمال والاحصاء ...  بعد ظهور الثورة في العالم الصغير  مع ماكس بلانك ، ومع ظهور النسبية  الخاصة والعامة لأينشتين ومع  ظهور ميكانيكا هزنبيرغ أحد أقطاب مدرسة    كوبنهاغن التي كان يتزعمها  بور    BOHR.
 فالعلاقة   بين ميكانيكا نيوتن من جهة  وميكانيكا  بلانك وهيزنبيرغ وديراك  من جهة أخرى  هي علاقة  قطيعة ابستمولوجية ، لكن  لن تصل الى  حد الا نفصال التام  ، بل  قطيعة احتواء كما قلنا  سابقا   ، لأن  كل   ميكانيكا هنا هي  علم ، والعلم الجديد  يتضمن العلم  السابق  مع  اعادة السبك .   
 تلك هي   تصنيفات باشلار  لمفهوم القطيعة الإبستمولوجية  بمظهريها  الأول والثاني، بعد عملية  اسقرائيه لتاريخ العلوم  الحديثة والمعاصرة .
 فتاريخ العلوم  هو تاريخ  أخطاء، و تاريخ قطائع،  يثور فيه الجديد على القديم والبقاء للأصلح .
   نشير   أن    هذا المفهوم الذي حددناه في الفقرة السابقة لا يقتصر على تاريخ  العلوم الدقيقة كالرياضيات والفيزياء والاحياء ... بل  يطال توظيفه اجرائيا كذلك في تاريخ العلوم  الإنسانية الأخرى.
 لقد وظفه مشيل فوكو في  قراءته للتراث الأوربي   بدءا من القرن السادس عشر، ووظفه ألتوسر  لاعادة  قراءة  التراث الماركسي من جديد ، ثم وظفه كل  من الجابري وأركون  مثلا  في  نقدهما للعقل  العربي والاسلامي .وهكذا  انتقل المفهوم   : مفهوم  القطيعة الإبستمولوجية  من  مرجعيته الأصلية  العلمية التي نحثه  منها باشلار   ، ثم  وظف في التراث الأوربي  أي في مستوى ثان، ثم وظف  في  تراث غير أوربي  في مستوى ثالث .
 كما أن استعمال مفهوم القطيعة  يتطلب التحرك داخل نفس  الثقافة  وبعيدا عن  الاعتبارات القومية، نقول داخل نفس الثقافة لأنها  لا تحصل بين شخصين ينتميان  لثقافتين مختلفتين او  لميدانين معرفيين مختلفين ،  فلا معنى  القول مثلا بأن فيلسوفا  أوربيا ما في  القرون الوسطى  حقق قطيعة مع ابن سينا ، ولا معنى  القول مثلا بأن عالم في الرياضيات حقق قطيعة مع عالم في الفيزياء  أو في القانون  (3).
------------
(1)محمد وقيدي .  فلسفة المعرفة  عند باشلار . مكتبة  المعارف . الرباط. ط2. 1984   ص
(2 بوعزة ساهل . أوراق باشلارية. دار االقرويين . الدار البيضاء . ط1. 2001.   ص33.
(3 الجابري . نحن والتراث.قراءة معاصرة  في تراثنا الفلسفي .المركز الثقافي العربي  بيروت .ط5 . 1986.  ص 9.     








الورقة رقم 7    :  مفهوم العائق الإبستمولوجي


   من بين المفاهيم التي بنى عليها باشلار فلسفته  وتصوره  لتاريخ العلوم ، مفهوم العائق الإبستمولوجي  بجانب  مفهوم القطيعة الإبستمولوجية ومفهوم الجدل . وقبل تناول هذا المفهوم  نشير أولا الى الظروف التي أدت بباشلار  إلى الوقوف عند  هذه المفاهيم الثلاثة وتوظيفها إجرائيا كركائز وأعمدة في تصوره لتاريخ العلوم.  فلتجاوز باشلار  الفلسفات التقليدية  التي كانت سائدة في عصره ، كان لابد  من مفاهيم  يبني  عليها فلسفته الجديدة : فلسفة لا.
 لقد تساءل باشلار  حول الكيفية التي  نما وتطور بها الفكر عامة والعلمي منه  على الخصوص . وعن سبب  عدم تطوره بالكيفية المطلوبة ، وعن   المعوقات ( العوائق الإبستمولوجية ) التي  حالت دون   تقدم  الفكر العلمي . ولتجاوز  النظريات الاستمرارية وقف باشلار  على عدة عوائق ابستمولوجية ذكره في كتابه  تكوين العقل العلمي.
  لكن ماهو العائق الإبستمولوجي أولا ؟ متى يظهر في العمل العلمي ؟  يجيب باشلار  إن العائق الابستمولوجي  هو كل  مظاهر التعطل  والنكوص والتوقف التي تحدث في سير تاريخ العلم .وهذا  العائق  يوجد  في صميم  عملية  المعرفة  ذاتها. يبرز  في الشروط  النفسية للمعرفة  تبعا لضورة  وظيفة بمجرد ما تقوم علاقة بين الذات والموضوع.
 وللعائق الإبستمولوجي عدة صور منها :
  الصورة الأولى تظهر في  التجربة الأولى المتمثلة في  الاتصال الأول ، اتصال  الذات بالموضوع  لمحاولة المعرفة العلمية وإضفاء العقلانية  عليها وتجاوزها .  في هذه الحالة  يعتبر الحضور.الذاتي  المباشر عائقا  ابستمولوجيا  مما يؤدي الى معرفة خاطئة.
- الصورة الثانية   تظهرفي التعميم المتسرع ، التعميم الذي يكون استجابة  لمتعة عقلية (مكبوتات )، فقد يكون  متسرعا .
-  الصورة الثالثة  تتعلق بالمماثلات . فالمماثلات  الزائفة  بين  بعض الظواهر تخلق  عوائقا . نقصد بقياس دراسة  ظاهرة  ما  في علم ما على دراسة  ظاهرة أخرى  في علم آخر رغم اختلاف   الشروط . فوراء هذه الصور تختبئ العوائق الإبستمولوجية ، عوائق لا تخدم المعرفة  الصحيحة . تلك العوائق التي   تختبئ في اللاشعور  للعالم والباحث .فهي مكبوتات  عقلية ونفسية  تؤثر في    تقدم العلم . فكم من   مكبوت  سواء  أكان باحثا  أو حاكما أو فقيها أو مسؤولا  أثر في تقدم مجاله  لغياب الموضوعية  . فلنساهم جميعا  في إزاحة  هذه  الكبوتات  لنتقدم  في كل المجالات  


.
الورقة رقم 8 :          مفهوم الجدل

     سنقدم في هذه الورقة  عرضا موجزا  عن مفهوم أساسي  يدخل في إطار تصور باشلار  عن تاريخ العلوم : مفهوم الجدل  ، ويعبر عنه باشلار  بالعلاقة التي تقوم  في تاريخ العلوم عامة  بين القطائع والعوائق ، ثم  العلاقة الجدلية  التي تقوم بين النظري والعملي.
 وتختلف دلالة مفهوم الجدل  عند باشلار  عن دلالة نفس المفهوم  في الفلسفات التقليدية ( الجدل عند أفلاطذن وعند  هيرقليطس وعند هيغل وماركس), لقد استفاد باشلار  من الدرس  الذي قدمه  بوهر   Bohr  في   الميدان الميكروسكوبي . إذ سبق أن  أعلن  هذا الأخير  عن مبدأ التكامل  ليضع  حدا للصراع  بين النظريتين  الجسيمية والتموجية للضوء(1). فبدلا من أن  يعلن تنافي  النظريتين  ، فهو يعلن   ضرورتهما وتكاملهما  من أجل فهم  الوقائع الضوئية  التي تظهر  في شروط معينة  جسيمية و شوط أخرى  تموجية .
 يختلف مفهوم الجدل عند بوهر عن نفس المفهوم عند أفلاطون وعند هيغل  .  فصاحب الجمهورية   يعتبر الجدل  منهاجا ، ودراسة المفاهيم  المنتمية الى عالم المثل ( من القمة الى القاعدة )دراسة تراتبية  وتفاضلية وعلى رأس  القمة  مفهوم الخير. أما عند هيغل فيدور  المفهوم  حول  فكرتين  :  أطروحة  القضية ونقيضها ،  والفكرتان  متناقضتان، ولكن  عند باشلار  متكاملتان . وقد  امتد مبدأ  التكامل ( الجدل ) الى ميادين  علمية أخرى. فالكائن الحي عند بوهر يبدو في مظهرين ، مظهر  فيزيائي  ومظهر دينامي. فلكي  ندرك  ظواهر  الحياة لا بد من  اعتبار هذين المظهرين  معا .  فكل مظهر يكمل الآ خر  في إطار توافق وتوازن (2).
 إذا  كان مفهوم الجدل عند باشلار هو  علاقة التكامل ،فإنه يريد  نقله الى  الفلسفة العلمية  بعد أن استفاد من  درس بوهر وغيره . وهو عدة أنواع  من التكامل، بين الاتجاه  العقلاني والاتجاه التجريبي ، بين  القبلي والبعدي ، بين المجرد والمحسوس، بين الرياضيات والفيزياء .
 فالعلم في حاجة  الى موقف يتكامل فيه النقيضان  لأن  الاكتشافات  العلمة  يمكن  أن تفهم   ضمن تكامل  هذه الحدود  المتقابلة  وليس ضمن  تضادها . لذلك  فالفلسفة  العلمية  ليست فلسفة  عقلانية وحسب ، ولا فلسفة تطبيقية وحسب  ، بل كلتاهما  تتخذان  معنى جديدا  في الفكر  العلمي المعاصر . أوقل  إن العقلانية  العلمية هي التي  تسعى إلى  التطبيق . فالعقلانية والواقعية  هما دوما يتبادلان النصح .
   ومن بين أنواع الجدل التي أشار إليها باشلار  ، الجدل بين العلم الجديد والعلم  السابق عنه ،  قد تصل  العلاقة الجدلية ين  العلمين الى حد الاحتواء والتضمن ( انظر كتابنا  جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي ) . فالجدل هو الانفتاح  والتكامل  بين  العلوم والمعاريف وصولا الى تركيب النقيضين .
--------
(1)  وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مصدر سابق. ص148.
  (2)ن.م.ص149.


 الورقة رقم9              مفهوم الحقيقة العلمية


   دون الحديث عن مفهوم الحقيقة   عند  صاحب  نظرية المثل الذي  يعتبرها موجودة في العالم العلوي  وأنها  أزلية ، ودون  الحديث عن نفس المفهوم   عند فلاسفة وعلماء العصر الحديث الذين  يعتبرونها من المطلقات  ، بل سنتناول نفس المفهوم عند غاستون باشلار صاحب فلسفة الرفض في إطار التحولات التي طرأت في العلوم المعاصرة   ، وعلى ضوء الثورات العلمية  التي ظهرت في علم الهندسة مع ريمان ولوبياتشوفسكي، وفي ثورة ماكس بلانك التي ظهرت في  عالم الذرة ، ومع نظرية النسبية  مع اينشتين بدءا من 1905 .
 فباشلار المتشيع بالقيم الإبستمولوجية التي أفرزتها  الثورات العلمية ،   يعتبر الحقيقة    خطأ  متجاوزا  أو مصححا . وبالتالي لا يمكن الحديث عن  مفهوم الحقيقة دون الحديث عن مفهوم اللاحقيقة ، ذلك لأن ما يميز الفكر العلمي  وتقدمه  هو  تصحيح أخطائه    LEsERREURS RECTIFIEES  .
ففي كتابه "العقل  العلمي الجديد " يؤكد باشلار  أن الحقيقة  العلمية  هي تصحيح الوهم الأولي  المشترك ( ص 33 ). وعبر عن ذلك في   تكوين العقل  العلمي  بقوله   المعرفة الموضوعية الأولى هي خطأ أولي ( ص45).
   فالحقيقة  عند باشلار لا يمكن  تحديدها إلا من خلال  النظر  لعلاقتها  باللاحقيقة . و ما دامت  الحقيقة  هي خطأ مصحح ، فإن  اللاحقيقة  (موضع  الخطأ) تكون في  طريق واحد معها . فهي  الشرط الآخر للحقيقة على أساس أنه لا توجد  حقيقية   بدون  خطأ مصحح .  هذه  اللاحقيقة  أو الخطأ   يعتبر  باشلار أن له دور إيجابي  في المعرفة  العلمية  على نحو ما عبر عنه في  كتابه " العقلانية  التطبيقية" . إن الخطأ يأتي ليلعب دوره المفيد في تقدم المعرفة .
  فالحقيقة ليست ثابتة أو مطلقة ، والعلم  بدوره ليس  ثابتا  وأزليا ، بل  هو مقال ظرفي يعاد  النظر فيه باستمرار .فالبحث العلمي أصبح يرفض تلك المطلقات التي بني عليها  العلم الحديث من ديكارتية ونيوتونية ( كانطية ) أسسه ودعائمه مثل الحتمية واليقين والمطلق... ، بل  أصبح  يتأسس على  دعائم ومرتكزات أخرى كمفهوم اللاحتمية واللايقين  والحقيقة النسبية  ومفهوم الزمكان ومفهوم التحدب.
أسبقية الخطأ عن  الحقيقة  عند باشلار
    فالعلم لم يصل  إلى الحقيقة  إلا من    خلال    تجاوز تصحيح الخطأ (اللاحقيقة )  ، وبالتالي  يكون الخطأ أولا ثم يأتي  التصحيح ثانيا  أي  تأتي الحقيقة  العلمية ((1). فالحقيقة واللاحقيقة  (الخطأ وتصحيحه) متصاحبان  في رحلة الاكتشافات العلمية  (2). ففي فلسفة "اللا"  لباشلار يقول  فيه :  إن  الحقيقة بنت  المحاورة  وليست بنت  التعاطف  ، يعني  أن السير  على  درب الحقيقة   يتحقق  من خلال الحوار مع  الآخر  المختلف عنه ، وبالتالي أن  العلاقة بين الحقيقة واللاحقيقة  ليست علاقة تناقض  بل هي علاقة  جدلية  يكملان  بعضهما البعض .  فكل منهما يحتاج إلى ألآخر  في درب  رحلة  الاكتشافات العلمية (3). فالتفكير العلمي، هو تفكير  جدلي  يدمر  قبل أن يبدع   (4) . وهذه المرحلة  التي يمر  فيها الانتقال  من التدمير إلى الإبداع  يطبعها  الطابع الثوري  للتقدم العلمي .  فالخطأ أساسي وأولي  في كل  مسيرة علمية  . وسيظل  مسيطرا على العقل البشري  ما لم  يعمل   هذا العقل على إزاحته (5). فالتقدم  العلمي  يتم  من  خلال الصراع  بين القديم والجديد (بين الخطأ  والصواب ) يتبلور هذا الصراع على السلب  وعلى  "اللا"   التي أصبحت تعبر عن  لا  حتمية (اللاحتمية )، ولا يقين (اللاييقين ) (هيزنبيرغ) ، وميكانيكا  لانيوتونية (اللانيوتونية ) وهندسة لا أقليدية ( اللاأوقليدية )  وفيزياء لاماكسويلية (اللاماكسويلية )  وابستمولوجيا اللاديكارتية ... فالفكر الغربي  لم يكن  يستطيع  الوصول  إلى ما وصل إليه حاليا  بدون  المرور  بحالة   السلب  وبحالة النفي . ففي الفلسفة اليونانية   لم يكن بارميندس  يتحدث عن الوجود  إلا من خلال  اللاوجود، ويبني فكرة المنتهي إلا من خلال اللامنتهي  . وعندما  حاول زينون الدفاع عن  أطروحة معلمه بارميندس ، قام ببناء  نظرية تقوم على  مقولة   "إن كل  تأكيد  هو  نفي " ، وجاء سبينوزا في العصر الحديث ليقول العكس  "كل نفي هو تأكيد" . أما هيغل  فلم  يعمل إلا على جمع  محصلة  أفكار  بارميندس وسبينوزا  ليؤسس  للجدلية  أو الديالكتيك  التي تتلخص  في ما يلي :  " كل تأكيد فهو نفي ، وكل نفي هو تأكيد"  ومن هنا أهمية  النفي (أو السلب) خصوصا    عند هيغل و داخل النسق الفلسفي  الأوربي عموما  ( 6 ) .
 وهكذا  لن تكون الحقيقة ، حقيقة بالمفهوم العلمي إلا  إذا تجادل فيها  الإيجاب والسلب ،  أي تكاملت فيها الحقيقة واللاحقيقة . فقبل الإبداع والاكتشاف لابد من التدمير أولا.
هوامش 
(1) غادة الإمام . باشلارو جماليات الصورة . دار التنوير . لبنان . ط1 2010 ص53
(2) ن. م. ص53
(3)ن. م. ص54
(4) ن. م. ص103
(5) ن. م.  ص107
(6) جريدة المساء المغربية . الملحق الثقافي  . تاريخ  21  ماي 2010 . مقال  بعنوان   القيمة اللإستمولوجية  لفهم  العقل الأوربي   للدكتور الجابري بمعهد  العالم العربي . ترجمة  يونس  وا نعين .  




.الورقة رقم  10            مفهوم العقل العلمي

العقل لغة  الحجر(المنع )   والنهي ضد الحمق .
  وفي لسان العرب  لإبن منظور ج11.ص458-462،فالعقل مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه ، وقيل العقل هو التمييز الذي يميز الإنسان عن سائر الحيوانات  . ورجل عاقل هو الجامع لأمر ه ورأيه. والعاقل هو الذي يحبس  نفسه ويردها عن هواها .
 العقل اصطلاحا 
 يستعمل العقل عادة  لوصف الوظائف العليا للدماغ( وربما القلب) البشري  (التفكير – الذاكرة – الذكاء ..) ( عن ويكيبيا ).
 والعقل عند  اليونانيين  مثل هيرقليطس وأنكساكوراس    يفسر النظام السائد  في الكون ، وهوأعدل القسمة بين الناس .
  وإلى حدود  بداية الثورة  العلمية المعاصرة بقي العقل الأوربي  في الفلسفات القليدية امتدادا للعقل اليوناني  ، عقل كلي ، قوانينه تطابق قوانين الطبيعة . ويمثل هذا الاتجاه  كل من ديكارت ومالبرانش وليبنتز وكانط وهيغل (1).
  تلك هي المصادرة الإبستمولوزجية التي بنى عليها هؤلاء الفلاسفة الكبار مشارعهم الفلسفية.  أما  فرانسيس بيكن  وجاليلي ونيوتن ( التجريبيون ) فهم يضعون العقل في مدرسة العلم  التجريبي والمنهج الاستقرائي  ، عكس سلسلة ديكارت التي ترتكز أساسا على المنهج الاستنباطي.  فالعقل متعدد الصور . فهناك العقل النظري( فلسفي – منطقي -رياضي ..) والعقل العملي( أخلاقي – سياسي ..) وهناك  العقل اللاهوتي  والغيبي  . وهناك العقل العلمي . فالذي يهمنا   في هذه الورقة هو العقل العلمي خاصة بدءا من  سنة 1905. 


 العقل العلمي
 يتميز العقل العلمي بآليات تفكيره ، فهو عقل يربط السبب بالمسببات ،العلة  بالمعلوم ، عقل ممنهج  ، ينطلق من  معطيات ومصادرات أو قل  من  أكسيومات ( مسلمات وتعاريف ..)  مستعملا  منهجا  استدلاليا ( استقرائيا أو استنباطيا ) وصولا إلى  نتيجة معينة .
 فهو عقل  افتراضي  أي  ينطلق دوما من   فرضية ما وصولا إلى  الهدف .
 كما أن النظرية العلمية عنده  دائما قابلة للدحض والتفنيد( كارل بوبر ). فتاريخ العلوم هو تاريخ سلسلة من الفروض المتنافسة  والبقاء للأصلح ( منطلقات داروينية ).
 فالعقل العلمي المعاصر هو الذي  أصبح  يقبل النقيضين في الشيئ  نفسه ( الاتصال والانفصال  ) . هو كذلك عقل مركب  من هذه المتناقضات  ( الثنائيات )، عقل نسبي  ( ليس  بعقل مطلق ).
 فالعقل العلمي  هو عقل أصبح  تلميذا للعلم  المتطور  ( باشلار ) . عقل متحرك  وليس  ثابتا  وفق المستجدات العلمية . يومن بالاحتمال  واللايقين واللاحتمية  واللاتعين ( هيزنبيرغ ). يصحح أخطاءه باستمرار( انظر كتابنا جدلية العلم والعقل من منظور ابستمولوجي ).
 السؤال  هل العقل البشري استوعب  هذه الجدليات وهذه التوليفات ( التركيبات ) في العقل العلمي  الجديد  ؟ وضمن هذا السؤال فماذا نقول عن العقل العربي  ؟  هل هو عقل  أرسطوطاليسي – أوقليدي ؟ أم عقل  يتجاوب مع  المستجدات في العلم  الجديد المتطور ؟ هل استوعب ميكانيكا ديراك وميكانيكا  هيزنبيرغ ؟ هل استوعب مكان ريمان  الأكثر  ملاءمة مع نظرية النسبية لأينشتين ؟ هل استوعب المنطق الرمزي ( الرياضي )  الذي أسس له فريجه ورسل ووايتهد؟أم مازال  يومن  بمبدأ التوكل والتجويز  ورفضه لمبدأ السببية ؟
-----------
 (1) جورج طرابيشي . نظرية العقل . دار الساقي.ط1. 1996.ص194.


الورقةرقم 11              مفهوم الحتمية

   أولا  نشير أنه قد يخلط  مصطلح الحتمية ومصطلح الجبرية  من الناحية اللغوية، وأحيانا من ناحية  المضمون  . في حين أن المصطلح الثاني لا علاقة له بالعلم .
 ففي اللغة العربية  مصطلح الحتمية مصطلح عربي أصيل مشتق   من مصدر الفعل "حتم " . نقول  حتم عليه الأمر  حتما  أي  وجبه جزما . وتحتم    أي  وجب وجوبا  ، لا يمكن  إسقاطه. والحتم  القضاء  وايجابه وأحكام الأمر  واللازم  الواجب  الذي  لابد من فعله  أو  حدوثه ، فهو  الوجوب  والضرورة  واللزوم  (1)   
  جاء في القرآن االكريم  ""وكان  على ربك  حتما  مقضيا "". وفي الحديث "الوتر  ليس   بحتم  كالصلاة المكتوبة". وفي اللغة اللاتينية  تعني  "المحدد الثابث " (2). والذي يهمنا   في هذه الورقة  هو التعريف العلمي  بدءا من القرن  السادس عشر  الى حدود  نهاية القرن التاسع عشر .  فالحتمية  صفة تطلق على الشيئ  الذي  يتميز  يأنه واجب  الحدوث  أو ممتنع الحدوث  .  تحدث أو لا تحدث  طبقا لشروط  معينة  تحتم  حدوده .  والحتمية ملازمة  للمصطلحات  اليقين  والعلية والسببية . ففي العلم  الحديث  كان  من المفاهيم التي  بني عليها هذا العلم  مفهوم الحتمية  ولقي هذا المفهوم مفهوما محوريا     في النظريات العلمية  وفي كل بناء  علمي الى حدود نهاية  القرن التاسع عشر .  كانت الحتمية  تعطي للعلم   شموليته وثباته  وصرامته ودقته . إذ أصبح هذا المبدأ بمثابة  لحمة والأخذ بها  في العلم  الحديث وسداها .
   إذا كانت القرون الوسطى تتميزان   بالإيمان والاعتقاد  والتجويز ،     وإذا كان  القرنان   الرابع عشر والخامس عشر   يتميزان  بعصر النهضة ، والقرنان  السابع عشروالثامن عشر يتميزان بالملاحظات   والتجارب  والمناهج  والقرن الثامن عشر يتميز  بعصر التنوير  فإن القرن التاسع عشر  يتميز بعصر  الحتمية العلمية  . فالكل  أصبح  يتكلم  عنها ويؤكدها  والأخذ بها في جميع العلوم  بما فيها العلوم الإنسانية والاجتماعية .
 فبالنسبة الى التعريف العلمي  ، فمبدأ الحتمية  يفيد  عمومية  القوانين  الطبيعية وثبوتها  وإطرادها  .  فنظام الكون ثابت ، شامل  ، مطرد . وكل  ظاهرة    من مظاهره مقيدة بشروط تلزم ( تحتم )  حدوثها  اضطراريا  وليست هاوية من الفوضى  والعماء . فليس  للطبيعة  جواز ولا  إمكان  طفرة  أو معجزة ولا طوارئ، بل  كل ما  فيها ضروري . ولما كانت  الضرورة  العلمية تعني  استحالة النقيض  ، كانت  الحتمية  العلمية  تعني  أن كل  ما يحدث لابد أن يحدث ويستحيل أن يحدث  سواه. أما  الجبرية  فهي  مبدأ "متعال " وتعني  أن ما يحدث  في الكون  إنما  يحدث وفقا  لارادة  الله  يفترض فيها الحدوث بشروط أو بدون شروط . فهي  ضرورة متعالية  تعلو على الطبيعة .
 إلا أن مفهوم الحتمية  سينهار  مع ظهور  نظرية الكوانتا  ونظرية النسبية  مع بداية  القرن العشرين. فمن  تقديم الطاعة والولاء للحتمية  العلمية  الى التمرد والعصيان وتحطيم المقدس . تحطيم مفهوم الحتمية الذي  كان يعتبر   الأب الروحي   للعلم الحديث . وهي بداية الانقلاب في الفيزياء المعاصرة .
---------
(1) يمنى طريف الخولي . العلم والاغتراب والحرية . الهيئة المصرية العامة للكتاب .1987.ص52-53.
(2)  ن. م. ص 53.  
                   







  الورقة رقم 12             مفهوم اللاحتمية

        كان من  أسس الحتمية العلمية قوانين بقاء  المادة ،  بقاء الكتلة،  بقاء حفظ الطاقة.فحسب قوانين نيوتن  فالكتلة التي يقاس بها العنصر  الذاتي  ومقدار الجذب  تبقى ثابتة ولا تتغير . ذلك ما أكده لافوازييه في نهاية  القرن الثامن عشر . اكتشف هذا الأخير  أن الوزن  للمادة  يبقى بلا تغيير في جميع التحولات الكيمياوية . وتوصل  جول  joule الى ملاحظة  الطا قة  تتحول ولا تفنى  ولا تنعدم  حسب قوانين يوتن. ظلت هذه  االقوانين  سائدة الى حدود  النصف الأول من القرن التاسع عشر .
انقلاب :
 توصل طومسون الى النتيجة التالية :  إن كتلة الجسم المشحون بالكهرباء يمكن أن يتغير . فكلما  تحرك أكثر كلما  أصبحت كتلته أكبر . إنه انهيار  لأحد قوانين نيوتن  في الفيزياء الحديثة .
كما توصل هيزنبيرغ  الى ملاحظة  تتعلق بسلوك الكهيرب (=الالكترون ) electron . فلكي  نعثر على  محل كهيرب  ، ينبغي  أن  ننيره بالضوء . وأن التقاء الضوء بالكهيرب  يبدل  محل الكهيرب . وهذا  الا لتقاء يبدل  من جهة  تواتر الضوء.  وبناء على ذلك   فلا يوجد   في العالم الميكروسكوبي (= العلم الصغير ) أية  طريقة  ملاحظة  لا تؤثر فيها  أساليب  الطريقة على الشيئ الملاحظ . فهناك تداخل رئيسي بين الطريقة  والشيئ  وهو ما يعبر عنه هيزنبيرغ  بمبدأ اللاتعين (= اللاتعيين ) . ومعناه أنه لا يمكن  تنبؤ   بموقع وسرعة  جسم مادي  في الوقت ذاته . مما يعني القول  بمراجعة  مبدأ الحتمية.
 وفي هذا السياق يقول  مارخينو : ثمة فارق  كبير  في التعبير  أن نقول  إن الكهيرب  هو في محل ما من المكان  ولكنني لا أعلم أين  ولا أستطيع  أين هو .   أو نقول  كل نقطة محل  ذي  احتمال  متساو  بوجود  الكهيرب  فيها . والواقع أن التأكيد  عل طمأنينة  أنني  إذا قمت بتحقيق عدد كبير  جدا من الملاحظات ، توزعت النتائج  في المكان  كله توزيعا  منتظما (2).
 وعل ضوء  ملاحظة هيزنبيرغ و نص مارخينو تظهر سمة إيجابية    كل الايجابية للمعرفة الاحتمالية ، وظهور  مبدأ اللاحتمية . وهو  مبدأ يعني عجز العقل  عن التنبؤ بحوادث  الطبيعة   لعجزه عن الاحاطة  بأسبابها ونتائجها  . إنه انهيار لمبدأ الحتمية  وتثوير  مبدأ اللاحتمية عليه ( انقلاب علمي )  وظهور علم  الاحصاء  لدراسة علم الاحتمال .
 وهكذا إذا كان العلم الحديث في القرن السادس عشر  وحتى نهاية القرن  التاسع عشر علما حتميا ، فإن العلم المعاصر ، علم القرن  التاسع عشر والقرن العشرين   أصبح علمل لاحتميا . فانهيارمبدأ الحتمية يعني  انهيار  العلم الحديث لانهيار  المبادئ الملازمة لمبدأ الحتمية كمبدأ  اليقين ومبدأ العلية .. اللتين كانتا  أهم صور الحتمية . أما صور اللاحتمية  فأصبح اللايقين   واللاتعين    وعلم الاحصاء وعلم الاحتمال وعلم الدوال الرياضية  .
--------
(1)     باشلار. الفكر العلمي الجديد . ترجمة عادل العوا . المؤسسة الجامعة . بيروت .  ط1 . 1990. ص123.
(2)     ن.م .ص116.










  الورقة رقم 13   :        مفهوم الاتصال والانفصال
     تستعمل  كلمة متصل  في اللغة العادية  كوصف لشيئ لا انقطاع  فيه كالحبل مثلا . ويشكل  كلا واحدا  لا مجموع  أجزاء  على الرغم من أنه يقبل  تجزئة الى ما لا نهاية   من الأجزاء .
  وفي اللغة الفلسفية  تستعمل الكلمة  في نفس المعنى  تقريبا (1).والحديث  عن الاتصال والانفصال  تناولته الفلسفات القديمة  ، إلا أن المفهوم   قد تطور  خاصة مع   الثور ة العلمية وانعكس هذا التطور     على الفلسفات الملازمة  لهذه الثورة . ففي هذه الورقة   سنقوم بمقاربة  للمفهوم خاصة داخل العلوم  الفيزيائية والرياضيات .
  فلعل أهم  مشكل  تمحورت حوله  الأفكار الفيزيائية  الكلاسيكية  منها والحديثة  خلال جميع مراحل تطورها  هو مشكل "الاتصال والانفصال "، ونعني  بذلك  تركيب المادة بمختلف  تجلياتها  .  فهناك نظريات متضاربة  بعضها  يعتمد على  مفهوم الاتصال  وبعضها يعتمد على مفهوم الانفصال  مما يطرح  إشكالية (2).
 يقول دوبوي "إن  مشكل المتصل و المنفصل  هو مشكل ذلك  التعارض  الكلاسيكي  بين  العنصر البسيط الذي لا يتجزأ وبين  العنصر  القابل للقسمة . والعنصر غير القابل للقسمة هو ما يعبر عنه في العلم الحديث  ب "الحبة " ، حبة من المادة  أو حبة من الضوء  كالنوترون أو الاكترون  أو الفوتون .. هذه الحبة  تكشف عن نفسها ككيان  فيزيائي غير قابل للقسمة . قادر   أن  يقوم بإحداث  فعل و رد فعل (3). لقد سبق أن تطرق  الى الذرة  كل من ديمقريطس  وأبي هذيل العلاف  المعتزلي و ديكارت وليبنتز وغيرهم، إلا أن تصوراتهم  بقيت ميتافيزيقية  . ومع بداية  القرن التاسع عشر  ، دخلت  الذرة  في الأبحاث الكيماوية  كفرضية  علمية  . فكانت البداية  مع دلتون   DALTON  (1834-1907)       ثم مع مندليف الذي    صنف العناصر الكيماوية تصنيفا علميا . ورغم ذلك  بقيت الذرة  شيئا مجهولا  لم تعرف بنيتها  إلا مؤخرا . فانطلاقا من  محاولة  تفسير قانون الجاذبية  ، انطلقت الأبحاث  في الكهرباء  وفي المغناطيس . وفي  هذا السياق  توصل الفيزيائي  الأمريكيFreulikin أن الكهرباء  عبارة عن مائع (=سيال )  FLUIDE  يسير بين  الأشكال  بشكل متصل . وعندما اكتشف العلماء  أن الحرارة  ليست مائعا  كما كان يعتقد، بل هي نتيجة  حركة   جزيئات  ، أي  أنها  من  طبيعة  منفصلة  ، لا متصلة ، أصبح العلماء يتساءلون :  ألم   تكن  الكهرباء أيضا  قائمة على الانفصال ؟  توصل  العالم هيلمولتز 1881 إلى ملاحظة  أن الأيونات IONS   وهي أصغر  جزء من المادة  تتدفع  منفصلة  ومنقطعة. ولم يمض  إلا بعض  السنوات  حتى أكدت  نظريات  الأيونات  هاته  أن الكهرباء  هي فعلا عبارة  عن حبات  منفصلة . و مع نظرية RTHRFORD حول بينية  الذرة  التي تقول   إن الذرة   أشيه  ما تكون  بالنظام الفلكي . فكلما  تدور الكواكب حول الشمس  تدور اللاكترونات حول  النواة . فنواة الذرة   تتركب من الالكترونات والبروتونات وجسيمات أخرى  تدخل  في تركيب  الذرة .   أصبحت  الذرة حقيقة  علمية  لا كجزء لا يتجزأ، بل  كبنية  تتألف من  جسيمات و. وبذلك  أصبح التصور  القائم  على الانفصال  هو السائد .
  فبعد  أن توصل ماكسويل 1879 بواسطة معادلته  الرياضية  أن الضوء  عبارة عن أمواج (سائل) أي قائم على الاتصال  ، توصل  بعده ماكس بلانك    بأن الضوء  عبارة عن  جسيمات ( على الانفصال ) . فما هذا  التناقض؟ الشيئ  يحمل النقيضين في آن واحد .
   جاء  لوي دوبروي  فحسم في  الموقف .  إذ أثبت  أن  الضور عبارة  عن أمواج  تارة وعبارة عن  جسيمات تارة أخرى في شروط كل  عبارة من العبارتين . أي  أنها  من طبيعة  الاتصال والانفصال  في آن واحد .
 إننا  لا نهدف  إلى استعراض  النظريات الفيزيائية  في المادة والكهرباء  والضوء، بل هدفنا  في هذه الورقة القيام بمقاربة  في عالم الذرة لتحديد  مفهوم ا لاتصال والانفصال . ونعتقد  أن هذه المقاربة خصبة  في مجال العالم الصغير  أكثر من غيرها من المجالات الأخرى ، كما أننا نشير الى أن الرياضيات  تمثل فيها  الأعداد الانفصال  ، فبين العدد والعدد يوجد على الأقل عدد  وهو نصف مجموع العددين . فعلم العدد هو  موضوع  الكم  المنفصل ، كما تمثل الهندسة  مفهوم المتصل وهو ما يشبه العظم .
-------
(1)     الجابري . مدخل الى فلسفة العلوم . ج2. دار الطليعة . بيروت . 1ط.2. 
(2)     ن. مز ص 94.
(3)      ن.م. ص . 94.  
  

الورقة رقم 14 :        المفهوم وماصدق

    بما أننا نشتغل  في هذه الأوراق على مجموعة من  المفاهيم ، فما هو المفهوم  أولا ؟  وماذا يحدده؟
  يذهب السوفسطائيون  أن الحقيقة هي الادراك الحسي ( الماصدق        ). أما  سقراط فقد  وضع مذهبا  ضديا  يقول فيه  إن المعرفة  تتم  من خلال المفاهيم  وأن تأسيس  المعرفة على المفاهيم  هو تأسيس  على كلية العقل .
 فعندما نكون  واعين  بوجود شيئ  جزئي :  نجم ،  شجرة ، رجل .. فإن هذا الوعي  يسمى إدراكا حسيا . وعندما  نغلق أعينا  فإننا  نكون صورة  ذهنية  (عقلية ) تمثل  الشيئ . وهذا الوعي يسمى   تمثلا (صورا خيالية ). وهذه الصور  الذهنية  مثل الإدراكات الحسي  هي دائما  أفكار للأشياء  الفردية  الجزئية . لكن إذا قلنا سقراط فان ، فإننا  نفكر  في فرد  سقراط، ولكن  إذا قلنا  الانسان  فان ، فإننا لا نفكر في  إنسان  كفرد، بل  في فئة  من الناس  بصفة عامة . ومثل هذه الفكرة   تسمى مفهوما (1).
  ويعتبر الدكتور  جميل صليبا  في معجمه الفلسفي  أن المفهوم هو ما يمكن  تصوره. وهو عند المناطقة   ما حصل في الذهن سواء حصل بالقوة أو بالفعل . وعلاقة  المفهوم بماصدق هي علاقة   المد والجزر .  فالمفهومان متناسبان  تناسبا عكسيا . فكلما  نقص  المفهوم  ازداد الماصدق
 والعكس  بالعكس .
 وفي منطق أرسطو  يحدد المفهوم  انطلاقا من طبيعة ماهيته .   ويميز أرسطو بين  الشيئ  كما هو في ذاته وبين  الأعراض( الصفات ) التي قد  تعرض له  ( قائم، أبيض ،يفعل..) .فالمفهوم لا يحدد  بالعرض  لأنه  ليس من مكوناته . إلى جانب  العرض، هناك  ما يسمى ب   "الخاصة "
  ويعرف أرسطو  بأنها الصفة  التي تخص  الشيئ  بعينه، ويمكن أن تدخلLe propre 
معه في علاقة  انعكاسية . فتوجد بوجوده ويوجد بوجودها  ولكنها  مع  ذلك  لا تعبر عن ماهية الشيئ (3).
 فتعلم الرياضيات مثلا هي خاصية  الانسان . فإذا كان (أ)  إنسانا  فإنه قادر على تعلم الرياضيات ، وبالعكس ، إذا كان (أ) قادرا على تعلم الرياضيات  فهو إنسان. فالخاصة ليست بمحدد داخلي بل بمحدد خارجي  للشيئ . وبالتالي  فالمفهوم  لا يحدد  ( لايعرف ) بالعرض (=بالصفات )  ولا يحدد بالخاصة  فما الذي يحدده إذن ؟
 يجيب أرسطو  إن المفهوم يحدد (=يعرف ) بالنوع والجنس  والفصل(4) .  أما  الأعراض والخاصة  فهي لاتحدد  المفهوم .
--------
(1)     وولر  هنسي . تاريخ الفلسفة  اليونانية . ترجمة  مجاهد عبد القادر  مجاهد.  ط1. 1987.ص59.
(2)      جورج صليبا . المعجم الفلسفي  . ج2 . دار الكتاب اللبنانية . بيروت .  ط1. 1973. ص403.
(3)       الجابري . بنية العقل العربي . المركز الثقافي التعربي , بيروت.ط2  .1991   . ص 387.
(4)      انظر كتابنا  دفاعا عن المنطق الأرسطي وخاصة  المقالة بعنوان مدخل إلى ايساغوشي .











2-         نظريات علمية

 الورقة رقم 15 :       الهندسة الأوقليدية – الهندسات اللا أوقليدية
                       إن الله  يمكن أن  يخلق  مثلثات  مجموع قياسات زواياها أكبر  من قائمتين.
                                                                                ريمان  
  قبل الثورة في علم الهندسة في القرن التاسع عشر ، كانت  تطرح الأسئلة التالية رغم أن مضمونها واحد :   أليس هناك  مكان آخر  دون المكان  الأوقليدي ؟  ألا يمكن  فرض مصادرات أخرى غير مصادرة أوقليدس؟ وبعبارة أخرى  ألم يكن  مجموع قياسات زوايا  مثلث أكبر  أو أصغر من قائمتين ؟ (180 درجة ) .
  لقد جمع اوقليدس  الأبحاث التي قام بها  اليونانيون  في الفترة التي تمتد  ما بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الثالث   قبل الميلاد في كتابه "الأصول ".  وهو الكتاب الذي  ظل منذ ذلك العهد  وحتى  القرن التاسع عشر   أساسا  لدراسة الهندسة . لقد شيد اقليدس  هندسته  على مجموعة من الفروض وعليها  يتوقف صدق  النظريات  والنتائج الهندسية . وعلى جملة من  البديهيات والمسلمات  والتعاريف .. إلا  أن هذه  الفروض والمسلمات  بقيت دوما مجالا للشك  والتساؤل . من بينها  المسلمة الخامسة  التي أثارت  كثيرا  من التردد  والشك،  التي  تعرف  ب "مسلمة التوازي" .  والتي تقول  من نقطة معلومة  خارج مستقيم معلوم يمر مستقيم وحيد لهذا المستقيم.  ومن نتائجها  أن مجموع قياسات   زوايا المثلث يساوي  180 درجة .
   حاول الرياضيون  عبر العصور البرهنة على هذه المسلمة  ولكنهم لم يفلحوا  ، كما أنهم  لم يستطيعوا الاستغناء عنها ، والاستغناء عنها  هو انهيار  للهندسة الأوقليدية  كلها .
 لكن جرأة  العالم لوباتشوفسكي الروسي (1793-1856) كانت بداية ثورة وانقلاب  على هندسة أوقليدس  ( ليس انقلاب على الحكام  في دول العالم الثالث ) . انطلق لوباتشوفسكي  من مصادرة مغايرة لمصادرة اوقليدس  مستعملا  في استدلاله  البرهان بالخلف .  والبرهان بالخلف هو برهان  استنباطي  يقوم على  افتراض  عكس النتنيجة  مما يؤدي بهذا الافتراض  خلال الاستنتاج الى تناقض  مع المقدمة .
 مصادرة لوباتشوفسكي
 افترض  لوباتشوفسكي أنه من نقطة  خارج مستقيم  يمكن أن نرسم  أكثر من  مواز  واحد للأول . وفي  الاستدلال بالخلف  لم يتوصل  الى  تناقض مع المقدمة  ، بل توصل الى  نتنائج جديدة مخالفة  لتلك التي سبق أن توصل إليها أوقليدس. فهو لم  يثبت صحة   المسلمة الخامسة  بل توصل إلى  قيم ابستمولوجية رياضية  جديدة   منها أن مجموع قياسات زوايا   مثلث  أقل من  قائمتين .( أصغر من 180درجة ). وهي  القيم التي بنى عيلها   لوباتشوفسكي نسق هندسي جديد  ( مكان جديد ) بجانب  نسق أوقليدس .
 مصادرة ريمان  
   انطلق ريمان  من مصارة   افترض فيها  أنه من  نقطة خارج مستقيم معلوم  لا يمكن أن  يمر أي مستقيم   مواز للأول  وأن مستقيمين كيفما كان  وضعهما النسبي  لابد أن  يتقاطعا .
 فباستعماله للبرهان بالخلف  لم يتوصل ريمان الى أي تناقض مع النتيجة  ، بل توصل الى نتائج   رياضية جديدة  وقيم ابستمولوجية منها  أن مجموع قياسات زوايا  مثلث  أكبر من  قائمتين ( أكبر من 180درجة ) وقد يصل إلى  حدود 270 درجة .
   إنها قيم ابستمولوجية  جديدة أدت الى بناء  نسق هندسي جديد ( مكان هندسي ) بجانب نسق أوقليدس ونسق لوباتشوفسكي ، فالمكان عند ريمان أصبح  كروي الشكل  والخط  المستقيم  المعتاد أصبح عبارة عن  دائرة .  أما المكان  عند لوباتشوفسكي  فأصبح  مكانا  مقعرا concave . 
 إنها ثورة  في علم الهندسة : ثورة  ريمان  ولوباتشوفسكي  على أوقليدس أي ثورة  الهندسة اللاأوقليدية (غير الأوقليدية ) على الهندسة الأوقليدية وثورة مفاهيم جديدة على  مفاهيم قديمة والبقاء للأصلح .
    فالجديد في العلم  يحوي العلم السابق  عنه  لأنه أوسع وأشمل منه  .وبالتالي  أصبحت الهندسة الأوقليدية جزءا من الهندسة اللاأوقليدية.


















الورقة رقم 16 :          نظرية الكوانتا (أ)

                      " إن الطبيعة  تفرض على العقل نقيضين  في شيئ واحد : الاتصال والانفصال "



      كانت نقطة انطلاق نظرية الكوانتا  مع العالم ماكس بلانك، وعلى إثرها ظهر ت ميكانيكا جديدة  تختلف عن ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية. وعلى إثرها كذلك طرحت عدة أسئلة أهمها على أي صورة  ينتشر الضوء ؟ هل على  صورة جسيمات (حبات )أم على  صورة  تموجات(سيال)؟ هل  طبيعة الضوء هو الاتصال أم الانفصال ؟
   تطرقنا  سابقا الى مفهوم  الا تصال والا نفصال  في ميدان المادة والكهرباء والحرارة والصوت  ، إلا  أنه  بالنسبة  للطاقة بقيت للمهتمين بهذا المجال  يتصورون أنها  تقوم على  الاتصال , بقي هذا الرأي سائدا  الى حدود  نهاية القرن التاسع عشر . لكنه تعرض لضربة قاضية مفاجئة عام 1900  على يد  ماكس بلانك (عالم ألماني ) الذي قال  بأن الطاقة  مثلها  مثل المادة والكهرباء ، تظهر  بصورة منفصلة متقطعة على شكل  حبات أو وحدات تسمى  كوانتومquantum والجمع كوانتا . فالكوانتوم  هو أصغر كمية من الطاقة  يمكن  اطلاقها  أو امتصاصها . فماهي أولى النتائج المترتبة عن  هذا الكشف الجديد ؟ للتذكير إن النظرية  الموجية سبق أن انتصرت مع ماكسويل عندما صاغ الفكرة في معادلاته الرياضية التي أثبتت أن الضوء عبارة  عن موجات كهرطيسية . أما الآن فاكتشاف بلانك  يفرض النظر الى الشعاع الضوئي بوصفه حبات من الطاقة تنتقل بسرعة . فهل يعني  الرجوع مجددا الى النظرية الجسيمية ؟
   تجربة  الجسم الأسود 
 إذا سلطنا الضوء الأبيض(مركب من جميع أنواع الطيف السبعة ) على جسم ما ، فإن   هذا الجسم إما يعكس مجموع  ذلك الضوء وإما  يمتص ذلك الجسم بعض أشعة ذلك الضوء ويعكس الباقي . أما إذا  كان الجسم يمتص اللون الأبيض بأكمله وبالتالي  لا يكعس أيا منها  ، ففي هذه الحالة  يبدو الجسم  مظلما ونسميه جسما أسود . فالورقة المصبوغة بأسود الدخان  تمتص جميع ألوان  الطيف ،  ولذلك  تبدو سوداء .
 يمكن  الآن أن نتصور  جسما أسود  يمتص بالكامل الطاقة  الضوئية التي يصدرها هو نفسه مثل فران أحكم  إغلاقه . فهو يصدر  الطاقة الضوئية  ويمتصها  في آن واحد . انطلاقا  من هذه المعطيات حول الفرن  ، توصل العالم الانجليزي  رايليغ RAYLEGH(1842-1912)  إلى صياغة معادلة رياضية تفيد أن شدة  الموجات الضوئية التي يطلقها الجسم الأسود تزداد بتواتر الشعاع، وهذا يعني  أن كمية   الأشعة في الجسم الأسود  تتوقف على تواتر موجاتها .. تلك  هي نتيجة استدلالية  تعطيها معادلة  ريليغ  . لكن  أثناء التطبيق وأثناء فحص أشعة الجسم الأسود فحصا تجريبيا  تكون النتائج  مخالفة . فالعلماء أصبحوا أمام مشكلة  خطيرة  تناقض  النظرية  مع التجربة  ، فما العمل ؟
  فعلى الباحث والعالم في هذه الحالة أن يراجع نفسه ويراجع أوراقه أي يراجع أسس نظريته. وبالفعل  راجع رايليغ مع مجموعة من العلماء  معادلته ولم  يجدوا أية ثغرة في النظرية  . فمعادلة رايليغ  مبنية أصلا على فكرة اتصالية الطاقة  ، فلماذا لا يفترض العكس ؟
 انطلق  ماكس بلانك  من فكرة الانفصال ، انفصال الطاقة  واعتبر  الضوء عبارة عن طاقة تسري  على شكل كوانتوم  أي وحدات  لا تقبل التجزئة .  وأخذ يبحث عن الكيفية التي  تتوزع  بها  الطاقة الضوئية  في الجسم الأسود رابطا هذا التوزيع بتواتر  أشعته. ففي شروط معينة توصل ماكس بلانك  الى نتيجة تتوافق مع معطيات التجربة . لقد  لاحظ أن معادلة رايليغ  تنسجم فعلا  مع معطيات التجربة  لكن في شروط. عندما يتعلق  الأمر بالتواتر  المنخفض، الشيئ الذي  يدل  على أن  الحبات الضوئية لا تظهر أثرها في الموجات الطويلة ولكن التجربة  تكذب  معالة رليليغ  عندما  يتعلق  الأمر بالأشعة ذات التواتر الشديد.
فقيمة الكوانتوم تزداد بازدياد  تواتر الاشعاع . بمعنى أن قيمة الكوانتوم  تتناسب مع التواتر ،(أي Q=hxf) حيث Q قيمة الكوانتوم و H عدد ثابت وf  التواترla frequence .
 إن هذه المعادلة تثبت أن الطاقة عبارة عن جسيمات . فهل هذا هدم  لنظرية رايليغ ؟  هل الكهرباء والصوت والمادة جسيمات ؟ أي هل طبيعتها هو الانفصال ؟
 إنه انقلاب خطير أكدته معادلة ماكس بلانك . فعلى  العلماء أن يتخلوا على كثير من المفاهيم والمنطلقات والمبادئ التي شيدوا عليها تصوراتهم وعلمهم طوال  قرون مضت .



















   الورقة رقم17          نظرية الكوانتا (ب)

     ففي الوقت الذي كان  فيه بعض العلماء  منشغلين بالجسم الأسود، كان علماء آخرين يدرسون ظاهرة أخرى ، ظاهرة تعرف بالضوئية الكهربائيةeffet photoelectrique . وملخص هذه الظاهرة هو أن الضوء  يعطي  كهرباء . تلك هي  بالاجمال  الظاهرة الضوئية الكهربائية. أما قوانينها  فهي  إذا سلطنا  على صفيحة  معدنية  ضوء  أقوى  ، نحصل على  عدد من اللاكترونات أكبر. لكن إذا  غيرنا  طول موجة الضوء  المسلط على الصفيحة  بحيث  إذا استعملنا  على التوالي  أشعة x  ثم أشعة فوق البفنسجية  ثم  الأشعة المرئية  (ألوان  طيف الشمس ) أي إذا زدنا  في طول  الموجة وبالتالي  في قوة الضوء  ، فإننا  نلاحظ  أنه  كلما  زاد  طول  الموجة  ،قل  عدد اللاكترونات  المنتزعة من  الصفيحة .  وهذا يعني  أن ازدياد  طول الموجة  يؤدي  الى   انخفاض  التواتر la frequence.
فكلما  انخفض  التواتر  ، انخفض  عددالكترونات وكلما  زاد  زادت . وهكذا  إذا استعملنا  أشعة  x  وهي ذات  موجات  صغيرة  جدا وتواتر كبير  ، اندفعت  اللاكترونات  بكثرة  وبسرعة . أما  إذا استعملنا الأشعة فوق البفنسجية ( موجاتها أطول  من موجات أشعة X) وهي ذات  تواتر  ضعيف  فإن  عدد  اللاكترونات  التي تنزع  من الصفيحة  سيقل .  وهذا شيئ غريب ، والغرابة هو أن الشعاع  الضعيف  ينتزع من الصفيحة  المعدنية  عددا كبيرا من اللاكترونات ، في حين أن الشعاع القوي لا ينتزع من الصفيحة أية من الكترونات.
 فالنظرية الكوانتية تعتبر  الضوء  حبات من الطاقة وتقدم حلا  كميا وكيفيا  مقبولا وصحيحا   لهذه الظاهرة . ذلك فلكي  ينتزع الكترونا واحدا  من الصفيحة في التجربة السابقة  ، لابد من طاقة  لابد من مجهود .  وهذا المجهود أو الطاقة  المطلوبة  هو الحبة  الضوئية (الكوانتوم ) التي أطلق عليها أينشتين اسم "الفوتون"photon .   فالظاهرة السابقة لا تفسها إلا  نظرية الكوانتا  القائلة  إن الضوء عبارة عن حبات  من الطاقة . أما  النظرية الموجية  فهي غير صالحة هنا  تماما  .
فالنتيجة التي توصلنا اليها لحد الآن  هي أن الضوء  عبارة عن  "وابل " من الفوتونات  وأن  الفوتونات هي  كوانتوم – الوحدة  للطاقة الضوئية  -  فمعادلة ماكسويل  تؤكد تموج الضوء (الاتصال)  والنظرية الكوانتية تؤكد أن الضوء عبارة عن حبات(الانفصال ) .فما هذا التناقض ؟ نحن أمام  مأزق . فالطبيعة تفرض على العقل  قبول نقيضين في شيئ واحد وفي آن واحد  هما الا تصال والانفصال . فكيف أن يكون الضوء  متصلا ومنفصلا  في آن واحد ؟
   لقد  توصل لوي دوبروي  المزداد 1892 الى فكرة مفادها  أن الظواهر الضوئية تتطلب في تفسيرها القول بالنظريتين ، الجسيمية والتموجية ، أي الاتصال والانفصال  معا  فالنظريتان  كلتاهما تفسران  كل على  حدة جملة  من الظواهر المعينة في شروطذ معينة. وهذا  يعني أن التجربة  تؤيدهما معا . ومن ثمة فلا مناص  من الأخذ بهما  واعتبار الضوء  في آن  واحد مؤلفا من أمواج وجسيمات .
 إن نظرية الكوانتا  أفرزت قيم ابستمولوجية  جديدة في علم الفيزياء المعاصرة ، وبالتالي  حطمت مجموعة من المفاهيم والتصورات كانت سائدة في الفيزياء الكلاسيكية  ، وانعكس  هذا التصور الجديد على الفلسفة  الملازمة لهذه الثورة الكوانتية .
 فنظرية الكوانتا تدرس  سلوك عناصر  نواة الذرة وتعطي  تصور ا جديدا للفيزياء المعاصرة . وهكذا انهارت ميكانيك نيوتن  وظهرت  مفاهيم جدية منها  مبدأ اللاتعين لهيزنبيرغ ومبدأ اللاحتمية واللايقين  وعلم الاحتمال وعلم الا حصاء .   
-----------
 اعتمدنا في  الورقتين (أ) و(ب)  على كتاب  محمد عابد الجابر ي . المنهاج التجريبي  وتطور الفكر العلمي . دار الطليعة . بيروت . ط.2. 1982. 




الورقة رقم 18 :   أينشتين ونظرية النسبية الخاصة

    ليست  النظرية النسبية  التي صاغها أينشتين  نظرية واحدة  ،بل نظريتان : النظرية الخاصة والنظرية العامة. ففي هذه الورقة  سنقدم عرض موجزا   حول  النظرية الخاصة.
 تهدف هذه النظرية  الى تقرير موقفين  رئيسيين :  الأول  هو أن  القوانين الطبيعية  تظل  هي هي  بلا تغير  في كل نسق فيزيائي  متحرك . أي لا تتغير تلك القوانين  إذا انتقلنا   من نسق  متحرك الى آخر. فهذه القوانين  تحتفظ بصياغتها  ، مستقلة عن المكان  والزمان والحركة.
  فإذا قلنا مثلا  إن  الطاقة تساوي جداء الكثلة  ومربع سرعة الضوء فإن  هذه المعادلة  الرياضية تظل  صادقة  على الجسم المتحرك  على الأرض أوعلى   أي  كوكب آخر  . لقد كان جاليلي ونيوتن  يؤكدان هذا الموقف  بشأن قوانين الميكانيكا .  الا أن الجديد عند أينشتين  هو تعميمه للموقف  بحيث   أصبح يشمل  كل قوانين  الضوء والكهرباء .. أما الموقف الثاني للنظرية  الخاصة  فهو  رفض وجود معيار أ نموذج  واحد  محدد  لقياس  المسافة بين  جسمين أو  مقياس فترات الزمان  . ولذلك  يجب أن يتغير فهمنا  لكلمات  : الآن ، هنا .. لقد انطلق أينشتنين من تساول  عما إذا  كانت  القوانين  الطبيعية  ثابتة إذا انتقلنا من  مكان الى آخر  على افتراض أن  أحد المكانين  يتحرك  بالنسبة للآخر . أي هل   صياغة القوانين الطبيعية  مستقلة عن  المكان والزمان  والحركة ؟ لقد أجاب أينشتين بالايجاب ، إذا افترضنا  أن المكان والزمان والحركة كلها  نسبية ، ورفضنا  هذه المقولات  كمقولات  مطلقة . كان أينشتين  يتساءل  كيف نحدد  مكان شيئ ما ؟ لنحدد  مكان  شيئ  ما  حسب أينشتين  يجب تحديده بالقياس  البى شيئ ثابت .  لكن الكواكب  ليست ثابتة  ، وإنما تدور  حول الشمس.وليست الشمس والنحوم ثابتة، فلا مكان  نستطيع  أن نضع فيه  نقطا ثابتة  بالقياس  إليه نحدد  مكان  أي شيئ  آخر . وليس لدينا  معيارا ثابتا   لقياس  زمن حادثة  تحدث . إن الساعة التي  نحملها  في اليد  هي مضبوطة على المجموعة  الشمسية  وأن الأرض تدور حول نفسها  ، وحول  الشمس  في طرف 365 يوما . إذا افترضنا  كائنا يسكن في عطارد  فيجب  مقياس مختلف للزمن  ،لأن  عطارد يدور حول  الشمس في 88 يوما  من أيامنا .  فالفترة الزمنية  الواحدة في عطارد  تختلف عن الفترة الزمنية الواحدة  في الأرض  ، وتختلف  كذلك  في المريخ  وفي القمر  وفي المشتري ..
  على أساس هذا التصور  لمعيار  قياس المكان والزمان  والمسافة  والحركة   يرى أينشتين  أن هذه المفاهيم   كلها نسبية ، نسبة  مكان  جسم ما بالنسبة  لجسم  آخر  . وزمان  جسم ما  بالنسبة لزمان  جسم آخر، وحركة جسم ما بالنسبة لجسم آخر.. تلك هي ثورة أينشتين  على  نظرية نيوتن  القائلة بوجود مكان  مطلق وزمان مطلق وحركة مطلقة .















 الورقة رقم 19   :   أينشتين ونظرية النسبية العامة

    أولا  لابد من التمييز  بين  المنظومتين المرجعيتين :  الغاليلية (نسبة الى غاليلي ) وغير الغاليلية . وهذا التمييز ضروري  وأساسي   في نظرية النسبية الخاصة . وهي نظرية تدرس  الحوادث في إطار  المنظومات المرجعية الغاليلية . فلا  تدخل في  حسابها  التسارع l accelerationوتغيير الاتجاه. أما النظرية العامة فهي تدرس  الحوادث في المنظومات المرجعية غير الغاليلية .  فالمنظومة الغاليلية  مبنية أساسا  على اعتبارين : الاعتبار  الأول هو  انتطام السرعة ، فالمتحرك لا يزيد أو ينقص من  سرعته . والاعتبار الثاني  هو  بقاء المتحرك  في نفس الاتجاه( المنحى ). أما المنظومة غير الغاليلية  فهي مبنية على التسارع  ، المتحرك يمكن أن يزيد او ينقص من سرعته مع  تغيير الاتجاه . إن هذين الاعتبارين ضروريين  لمعرفة  كل مرجعية  ،وبالتالي  محاولة  فهم  كل نظرية من النظريتين ، الخاصة والعامة .
 فلتعقيد نظرية النسبية العامة ، ففي هذه الورقة سنقدم  بعض مرتكزاتها فقط  ونتائج تلك المرتكزات .
 المرتكز الأول : يتعلق بالجاذبية،والثاني يتعلق  بمزج  المكان بالزمان  ، والمرتكز الثالث  عن  كيفية تصورنا للكون . انطلاقا من المبدأ التالي :
 تتوقف سرعة جسم ما  على  كتلته ، فإذا  زادت كتلته ،قلت سرعته ، وإذا نقصت  كتلته   ، زادت  سرعته . وبناء على هذا المبدأ يمكن مقارنة كتلة جسم ما  وكتلة جسم  آخر بالنظر الى  سرعتهما . فهناك  كتلة العطالة masse d inertie  المبنية  على مبدأ العطالة  الذي قال  به جاليلي . وبالتالي،القوة  هي جداء كتلة  العطالة   والتسارع . وانطلاقا من  السؤال التالي :  لماذا تسقط الأجسام  الى الأرض  ولا تبقى  سابحة  في الفضاء  كرواد الفضاء ؟ فكتلة الجسم  الساقط على الأرض  تسمى كثلة الثقل(P=MG )، وعليه يمكن  قياس  كثلة جسم ما  بطريقتين مختلفتين  ، الطريقة الأولى مبنية على  مبدأ العطالة والثاني   مبنية على الجاذبية  أي على الثقل . من بين الأسئلة التي طرحها أينشتين  ما الذي   يسبب  في تسارع الأجسام داخل مجال الجذب ؟ لماذا تنجذب  الأجسام الى بعضها؟
يجيب أينشتين : إن الكثلة تسبب  انحرافا  في الفضاء . وبما أن  الكون الذي نعيش فيه يشمل أجساما ذات  كثل هائلة  نجوم ، كواكب ، مجرات .. فإنه لابد أن يؤدي  ذلك الى  انحراف الفضاء  الذي يحيط  بهذه الأجسام . أي  لا بد  أن يكون  الفضاء منحرفا  تماما  كما يحدث لقطعة من الأسفنج(ابونج ) عندما  نضع عليها  جسما ثقيلا .  فالأجسام  الساقطة بحرية  في منطقة يوجد فيها مسار منحرف بفعل كثلة ما لابد أن  تتبع في خط سيرها  شكلا منحنيا . والمسار المنحرف في الفضاء  هو الذي  يسمى الذاجبية .
 المرتكز الثاني : أعلن أينشتين أن الكون  كون مكاني – زماني –ذو أربعة أبعاد : الطول والعرض والارتفاع والزمان . ويسمى هذا الوجود  "الرباعي الأبعاد المتصل " . وهي فكرة  من صياغة  العالم الرياضي  منكوفسكي (1864-1909) ، وتقوم على تصور جديد  للمكان والزمان .
 فعندما  نريد تحديد حركة جسم ما ، يجب  تحديد موضعه في الزمان بالاضافة الى تحديد  موضعه في المكان الطول والعرض والاتفاع ).
 طبعا  من الصعب  تصور عالم مينكوفسكي وزمكان(دمج  المكان بالزمان ) أتينشتين تصورا حسيا مشخصا لأننا  أصبحنا سجناء لعالم أقليدس ذي الأبعاد الثلاثة . فزمكان  أينشتين هو عالم رياضي  ،  فالمعادلات الرياضية  هي التي  تثبت إمكانية  وجود هذا العالم وتحدد خصائصه .
 المرتكز الثالث :  قبل النظرية النسبية العامة كان العلماء  يقولون إن الكون يتكون من  ذرات  أو جزئيات تتحرك في مكان  وفي زمان .أما أينشتين فهو يقول إن الكون  يتكون من أحداث موجودة في متصل الأبعاد . وكلمة   حادثة عند أينشتين  تعني  " أي شيئ يسبق  شيئا  آخر  ويتبعه أو يتداخل معه "إن الذرة واللاكترون والزلزال والبرق.. مؤلفة من حوادث ، وهذا يعني أن  الحوادث لا توصف إلا وصفا رياضيا .  فالكون  برمته مؤلف  من  حوادث  ومعنى ذلك أن تصور   الحادثة في  نظرية النسبية  العامة  قد  تحل   محل تصور  المادة . لقد تصور نيوتن المكان اوقليديا ، أما أينشتنين  فقد تصوره ريمانيا ( نسبة الرياضي ريمان ). كما أن نويتن كان  يتصور أن المكان  مسطح  الشكل  وأن شعاعين  متوازيين لا يلتقيان ، كان ا أينشتين يرى المكان كروي الشكل  أوسطح منحني ( مستوى مائل   الى الانحناء ).
 إن نظرية النسبية العامة  نظرية علمية تعطي  تصورا جديدا  للكون  وإلى تجاذب الأجسام  وإلى مفهوم الكون  . وهي ثورة على علم الفيزياء الكلاسيكية منها ميكانيكا نيوتن  .







    








الورقة رقم 20 :       ورقة جامعة

   فالمفاهيم والنظريات التي اشتغلنا عليها   متداخلة ومترابطة فيما بينها،  والهدف منها  زرع  ثقافة  علمية – فلسفية  لتأطير  العقل  العربي  وزعزعة يقينياته وإخراجه من ثقافة العصر الوسيط التي مازالت تتداول (بل الدفاع عنها ) ونحن  في  بداية الألفية الثالثة . فالرهان هو  رهان العقل العلمي  لمساير  العصر.
 اعتمدنا في هذه الأوراق على أساتذة بدرجات متفاوتة اهتموا بهذه المواضيع مثل وقيدي والجابري والبوعزاتي  وسالم يافوت وآخرين  بجانب نصوص لها علاقة بالموضوع .
 فالأوراق الباشلارية ليست  ببستانا  فيه أشجار وفواكه  وثمار مختلفة الأشكال والألوان  والمذاق كما جاء في رسائل إخوان الصفا. بل الأوراق تخاطب  العقل  ليتشبع  بثقافة علمية ،ولمحاولة الاجابة عن  الأسئلة المطروحة الآنية والمستقبلية .
 ففي هذه الأوراق وحسب الترتيب الذي حددناه ، تطرقنا الى مفهوم الواقع منذ  العصر الهلليني  خاصة  أرسطو  الذي كان يعتبر  الواقع أجساما وجواهر. ومن صفاته أنه لا يقبل  الزيادة أو النقصان. مرورا بنيوتن الذي  اعتبر الواقع مركبا  تركيبا  كيفيا وقانونيا ( الواقع الطبيعي الملموس )، وصولا إلى عصر الثورات العلمية المعاصرة  التي  تعتبر الواقع  بناء عقليا- رياضيا. وتطرقنا الى أهم  الثورات العلمية  التي أثارت انتباهنا لكونها  ومن خلالها  ظهرت  قيم ابستمولوجية جديدة أفرزتها تلك الثورات، كالثورة  في علم الهندسة والثورة في علم المنطق والثورة في الفيزياء  الميكروسكوبية. فالعلم هوتاريخ الثورات ، وتاريخ الأخطاء العلمية .
 وفي ورقة ماهي الابستمولوجيا ، أعطينا  مقاربات وتعاريف  للمفهوم وأشرنا الى علاقة المبحث الإبستمولوجي بمبحث  تاريخ العلوم لبناء  معرفة علمية . ومن أبرز العلماء الفلاسفة الذين اهتموا بهذا اللون من الدراسات الابستمولوجية   كل حسب تخصصه :  كونزت في الرياضيات (أستاذ باشلار ) وباشلار في الفيزياء وبياجي في  علم النفس عند الطفل وكانغليهم في علم الا حياء وبلانشي وكويري في تاريخ العلوم. وتناولنا باختصار فلسفة باشلار. إذ لاحظ أن  الفلسفات التقليدية  لم تستطع  مسايرة  الثورات العلمية  والقيم الابستمولوجية التي أفرزتها تلك الثورات. كما لاحظ أن المعرفة العلمية  تبنى عبر قطائع  ابستمولوجية  أي عن طريق الانفصال  عكس القائلين بالاستمرارية (عن طريق الاتصال ).
 كما تطرقنا الى    هذه  القطائع وأنواعها :
 القطيعة من  المعرفة العامية الى المعرفة العلمية ، والقطيعة بين العلم الجديد والعلم السابق عنه .  وتطرقنا الى العوائق الإابستمولوجية التي حالت دون  تقدم العلوم  والفلسفة المؤسسة  عن تلك العلوم . وتناولنا  مفهوم الجدل  الذي يقصد به باشلار  التكامل بين النظري والعملي، بين العقل والتجربة ، بين المجرد والملموس. كما تطرقنا الى مفهوم الحقيقة  وأنها تقريبية  ونسبية ، ومن خلال  التحديد الجديد لمفهوم  الحقيقة انهار مفهوم الحتمية  وتمرد عليه مفهوم اللاحتمية ، فظهر علم الاحتمال وعلم الاحصاء .فالعقل  تلميذ للعلم ، فعلى  العقل أن يطيع  هذا الأخير . فليس هناك شيئ ثابت  في العقل  إلا في العالم العلوي الذي افترضه أفلاطون .
 تطرقنا  في ورقة  الهندسات : الأوقليدية و غير الأوقليدية ، فأصبحت الهندسة الأوقليدية جزءا من الهندسة اللأوقليدية  لأنها أوسع وأشمل.
 وفي نطرية الكوانتا  وقفنا  على مفارقة ، وهي أن الطبيعة  تفرض على العقل  البشري   نقيضين في شيئ واحد :   الاتصال والانفصال ( الطاقة لها  طابع  جزيئي وتموجي ). 
 وفي  نظرية النسبية ، بينا أن هذه النظرية  تقدم تصورا جديدا  للكون . وأن الكون  مكون من حوادث بدلا من عالم الذرة كما كان يقال في  العلم الكلاسيكي  .
  إن  تاريخ العلوم هو تاريخ أخطائه، كل خطأ  تترتب عنه أزمة يتوقف فيها العقل     لساعات أو أيام أو  سنين.. تظهر من  خلال  تلك الأزمة قطيعة ابستمولوجية   تظهر معها مفاهيم جديدة  والبقاء للأصلح.
 لقد  انهارت ميكانيكا نيوتن وانهار معها مبدأ الحتمية ، وظهر  مكانه مبدأ اللاحتمية ، كما انهارت المفاهيم الملازمة لها  كمبدأ اليفين ومبدأ  المطلقات . كما انهارت هندسة أوقليدس وظهر ت الهندسة اللأوقليدية ( هندسة ريمان وهندسة لوباتشوفسكي) وإعادة السبك من جديد.
 فالعلم  قابل أن يكشف  عن سلوك جديدة للكهيرب  .   l electron
في عالم الذرة ، وقابل أن يدرس  من جديد  ثبات وسرعة الضوء القصوى  ، وكذلك قابل أن يدرس   سلوك الأجسام الكبرى  في العالم الصغير .
 إنها مجرد تنبؤات توصلنا إليها من خلال  تتبعنا  لمسيرة تاريخ العلوم  وخاصة العلوم المعاصرة .  















     
الفهرست                                    الصفحة 
 مقدمة ----------------------------------------
1- مفاهيم
 الورقة رقم 1 : مفهوم الواقع (أ)-------------------------
الورقة رقم 2 :مفهوم الواقع (ب)------------------------
الورقة رقم3 :  مفهوم  الثورة العلمية ----------------------
 الورقة رقم4 : ماهي الإبستمولوجيا؟ ----------------------
 الورقة رقم 5 : ماهي فلسفة باشلار ؟--------------------
 الورقة رقم 6 : مفهوم القطيعة الإبستمولوجية----------------
 الورقة رقم 7 : مفهوم العائق اللإبستمولوجي -----------------
 الورقة رقم 8 : مفهوم الجدل -------------------------
 الورقة رقم 9 : مفهوم الحقيقة  العلمية ------------------------
 الورقة 10 : مفهوم العقل  العلمي --------------------------
 الورقة رقم 11 :مفهوم الاتصال والانفصال   ---------------
 الورقة رقم 12 : مفهوم الحتمية   ----------------------
 الورقة رقم 13 : مفهوم اللاحتمية ----------------------
 الورقة رقم 14 :  المفهوم وما صدق ---------------------
2- نظريات علمية
 الورقة رقم 15 :  الهندسة الأوقليدية – الهندسة اللاأوقليدية-------
 الورقة رقم 16 : نظرية الكوانت (أ)  ---------------------
  الورقة رقم 17 : نظرية الكوانتا (ب) --------------------
 الورقة رقم  18 :  نظرية النسبية الخاصة لأينشتين  ------------
  الورقة رقم 19 :    نظرية النسبية العامة لأينشتين --------------
 الورقة رقم 20 : ورقة جامعة ------------------------  














المراجع
- محمد وقيدي . فلسفة المعرفة عند باشلار . مكتبة المعارف . الطبعة  الثانية . 1984.
       -   طوماس كون . بنية الثورات العلمية .  سلسلة  عالم المعرفة . عدد 168 . ترجمة شوقي جلال .
   - الجابري . المنهاج التجريبي  وتطور الفكر العلمي . دار الطليعة . بيروت . ط.2. 1982.
-الجابري .    بنية العقل العربي . المركز الثقافي العربي . بيروت . ط2. 1991,
         -الجابري .   نحن والتراث.قراءة معاصرة  في تراثنا الفلسفي .المركز الثقافي العربي  بيروت .ط5 . 1986.
 -  سالم يافوت .   نحن والعلم . دراسات  في تاريخ  علم الفلك بالمغرب الإسلامي. دار الطليعة . بيروت .ط1 . 1995
   - سالم يافوت. مفهوم الواقع في الفكر  المعاصر . دار  النشر للمعرفة . الدار البيضاء . بدون تاريخ . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية . الرباط . سلسلة  أطروحات رقم  7.
-غاستون باشلار . فلسفة الرفض .ترجمة خليل أحمد خليل . .دار الحداثة . بيروت .ط1  .1985 
- غاستون باشلار. تكوين العقل العلمي .ترجمة خليل احمد خليل . المؤسسة الجامعية .بيروت .ط5   .1996.
-غاستون باشلار . الفكر العلمي الجديد . ترجمة  عادل العوا . المؤسسة الجامعية .بيروت .ط3  .1990. 
- عاستون باشلار . العقلانية  التطبيقية .  ترجمة  بسام الهاشم . المؤسسة الجامعية  للدراسات والتوزيع  والنشر . بيروت . 1999.
-  يمنى طريف الخولي .  العلم والاغتراب والحرية . الهيئة المصرية العامة للكتاب .1987.
-  يمنى طريف الخولي . فلسفة القرن العشرين.  سلسلة عالم المعرفة . عدد 264.
-  محمد فهمي زيدان . من نظريات العلم المعاصر الى المواقف الفلسفية . . دار النهضة  العربية . بيروت . 1982.
- جورج طرابيشي . نظرية العقل .دار الساقي . بيروت  .ط1.
        -بوعزة ساهل .أوراق باشلارية . دار القرويين . الدار البيضاء . ط1  2000.
- بوعزة ساهل . دفاعا عن المنطق الأرسطي .مطبعة النجاح الجديدة . الدار البيضاء  ط1.
2009    
          -غادة الإمام . باشلار وجماليات الصورة .دار التنوير .بيروت .بدون تاريخ.
        -وولز هنسي . تاريخ الفلسفة اليونانية . ترجمة  مجاهد  عبد القادر مجاهد . ط1 1987.
- جورج صليبا .المعجم  الفلسفي .ج2. دار الكتاب  اللبنانية .  بيروت . ط1 .1973.
- مجلة مدارات .  العدد الأول .
-   مجلة عالم الفكر ( المغربية ) .  العدد 168.
-   مجلة فكر ونقد ( المغربية ) .  العدد  38.















كتب للمؤلف
-     نحن والرياضات. دار القرويين . الدار البيضاء .ط1 1999
-     ٍ نحن والرياضات. صوماغرام . الدار البيضاء .ط2 .2006
-     أوراق باشلارية . دار القرويين . الدار البيضاء .ط1 2000
-     علم الهندسة بين العلماء والفلاسفة .من مرحلة التأسيس إلى ما بعد الأزمة دار القرويين . الدار البيضاء . 2002
-     جدلية العلم والعقل من  منظور ابستمولوجي.دار التوحيدي . الرباط . 2007
-     فيتاغورس بين اللاهوت وسمو الرياضات. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2008
-     الرياضيات عند إخوان الصفا : شرح وتعليق. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2008
-     جدلية الجبر والهندسة  في العصر الوسيط:   مدرسة عمر الخيام نموذجا. مطبعة النجاح . الدار البيضاء . 2009
-     دفاعا عن المنطق الأرسطي: مجموعة مقالات. مطبعة النجاح  الجديدة . الدار البيضاء . 2009
       -أوراق تنويرية . .مقالات فكرية . سلسلة دفاتر الاختلاف .مطبعة سجلماسة . مكناس.ط1. 2012.
-العرب ومنطق اليونان . من مرحلة الانفتاح إلى مرحلة الجمود . إفريقيا الشرق .
- علماء الرياضيات العرب  في العصر الوسيط . إفريقيا الشرق  .
هذا الكتاب
   .. إننا نطمح من خلال هذه الأوراق إلى فتح نوافذ لحوارات هادفة ومعمقة على  الفكر العلمي المعاصر  لنتسلح به آملين  أن تتغير  بنية العقل العر بي  ، آليات  تفكيره . ألم يحن الوقت لنفكر في العقل بدل التفكير بالعقل بلغة لالاند؟
 فمن خلال هذه الأراق  الباشلارية    سنقوم بمحاولة إطلا لة على الفكر العلمي الحديث والمعاصر وعلى الفلسفات التي جاءت انعكاسا لهذا الفكر . فالرهان  بالنسبة للمستقبل هو التسلح بمعرفة جديدة علمية تتناسب  المرحلة في جميع المجالات رغم العوائق . ودور هذه الأوراق  هو نقل جزء من هذه المعرفة الى حد ما رغم الباحث  لم يعد  هو الذي  يهتم  بالعقل وبالمفاهيم والنظريات ، بل يطمح الى تأطيره تأطيرا معلوماتيا  متصلا بالشبكات التي تعتمد  على الحرف  والرقم والصورة والصوت .
 فالأوراق  هي مجموعة من المواضيع مبسطة أحيانا ومحتزلة  بكيفية ممنهجة أحيانا أخرى وبكيفية بيداغوجية ، لها طابع تعليمي  نطمح من  خلالها الى تقريب مجموعة من المفاهيم والنظريات والقضايا الفكرية المعاصرة ما أحوجنا الى معرفتها .
 فهي  مواضيع تختزل في النهاية  في إشكالية واحدة : إشكالية  التأسيس للعقل العربي  لمواجهة تحديات  بداية  القرن الواحد والعشرين .
وفي الأخير  نقول   ، إن قراءة  هذه المواضيع ، الأوراق  الباشلارية  بالنسبة لغير المختص تحتاج إلى صبر وتأهب واستعداد .وهي أوراق منفصلة عن بعضها البعض رغم  أنها تعالج إشكالية واحدة . يصل عددها الى عشرين  ورقة بالاضافة الى  مقدمة وورقة جامعة  تلخص أهم ما جاء  في هذه الأوراق . 
 كما أننا نصرح أن جل   الأفكار  التي جاءت في هذه الأوراق  ليست بنات أفكارنا  ، بل اعتمدنا على  مثقفين ومفكرين مغاربة بالدرجة الأولى  الى جانب نصوص  أخرى لها علاقة  بالموضوع.


صدر للباحث بوعزة ساهل مؤلف جديد يحمل عنوان "العرب ومنطق اليونان: "  من  مرحلة الانفتاح إلى مرحلة الركود والجمود عن دار افريقيا الشرق بالدار البيضاء. يتناول الكتاب عدة إشكالات لها راهنيتها  
  إذا كنا قد ربطنا  العلم الحديث بالعقلانية الغربية،  فمتى نؤسس إلى عقلانية عربية ونحن في الألفية الثالثة؟ إلى أي حد سنبقى متفقين مع  الإمام الشافعي والإمام السيوطي والإمام ابن الصلاح وغيرهم حول تحريم المنطق والفلسفة تدريسا وإنتاجا وتعلما ؟ أليس( الحاج  google) جاء نتيجة المنطق الذي طوره فريجه  FREGEE وب.رسل ووايتهد مرورا ب. ليبنتز وجورج بوول وبيانو؟ أليس من حقنا أن نطالب بتهميش كل مؤلف يحرم المنطق والفلسفة إلى حد  لا عودة (لا نقول إحراق المؤلف ) لان العلل التي بنوا عليها في  تحريمهم قد تجاوزت؟ مع رفض الحقيقة المبنية على التوكل كما يراها أ شاعرة الأمس وأشاعرة اليوم.
نحن نطمح إلى  عقل علمي يساهم في حل الأسئلة المطروحة في الاقتصاد وفي المعلوميات، والهوة الرقمية...نحن نطمح إلى عقل أوكامي (نسبة إلى وليم الأوكامي )  للتقليل من الثرثرة والعنعنة .إننا لا ندعو إلى دفن الماضي،  وتحنيطه، بل العودة إليه للأخذ منه ما يجيب عن أسئلتنا  الآنية والمستقبلية.وفي الأخير نقول إن  الفقهاء وعلماء اللاهوت  لا شأن لهم بالعلم أي علم الطبيعة وعلم المنطق وعلم الرياضيات وعلم الفلك . فكفى من محاكم تفتيش جديدة ونحن في الألفية الثالثة.




   



هناك تعليقان (2):

  1. الف شكر وكل التقدير والاحترام اليك سيدى على هذه الاطباق المعرفية التى نلت منها بشراهة

    ردحذف
  2. تحياتي اليك استاذي ، ممكن نسخه pdf

    ردحذف